تصاعد الحملة في طرابلس على محافظ الشمال... ورئيس البلدية يتهمه بـ«نوايا عدوانية»

احتجاج أمام مبنى سرايا طرابلس أمس للمطالبة باستقالة المحافظ (الوطنية)
احتجاج أمام مبنى سرايا طرابلس أمس للمطالبة باستقالة المحافظ (الوطنية)
TT

تصاعد الحملة في طرابلس على محافظ الشمال... ورئيس البلدية يتهمه بـ«نوايا عدوانية»

احتجاج أمام مبنى سرايا طرابلس أمس للمطالبة باستقالة المحافظ (الوطنية)
احتجاج أمام مبنى سرايا طرابلس أمس للمطالبة باستقالة المحافظ (الوطنية)

تفاعل الخلاف بين محافظ الشمال رمزي نهرا، المحسوب على رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، ورئيس بلدية طرابلس رياض يمق، على خلفية التحقيق في إحراق مبنى بلدية طرابلس في الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدينة قبل أسابيع، وهذا ما أدى إلى تجدد المطالبة باستقالة نهرا نتيجة ما حصل وعلى خلفية اتهامات بالفساد يرفعها ضده ناشطون منذ الانتفاضة الشعبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وقد سجل أمس اعتصام عند مدخل سرايا طرابلس للمطالبة برحيله وترددت هتافات مناهضة له، حسب ما ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية.
وكان يمق قال إن نهرا أساء إليه بعد استدعائه للتحقيق معه حول إحراق مبنى بلدية طرابلس الشهر الماضي، عبر مصادرة هاتفه وحجز حريته في مكتبه، وفق ما أعلن رئيس البلدية، وهو ما نفاه المحافظ لاحقاً، لكنه استدعى ردود فعل رافضة ومستنكرة من قبل ناشطين وسياسيين والمجلس الشرعي في الشمال، ليعود ويتدخل في القضية كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ووزير الداخلية محمد فهمي الذي أحال القضية إلى التفتيش المركزي الذي تقع عليه مهمة مراقبة الإدارات والمؤسسات الرسمية ومخالفاتها.
وقال دياب إنه أعطى توجيهاته إلى وزير الداخلية محمد فهمي، لفتح تحقيق في الإشكال في سرايا طرابلس بين نهرا ويمق، مشدداً على «ضرورة اتخاذ العقوبات المسلكية المناسبة في ضوء نتائج التحقيق الذي يجب أن يكون سريعاً وشفافاً»، ليعود بعدها فهمي ويصدر بياناً يعلن فيه أنه «في ضوء الإشكال الحاصل بين محافظ لبنان الشمالي ورئيس بلدية طرابلس، وبناء على توجيهات الرئيس دياب، أرسل الوزير فهمي إلى رئيس التفتيش المركزي كامل الملفات المتعلقة بالإشكال الذي حصل خلال التحقيق الإداري في سرايا طرابلس، وذلك لإجراء التحقيقات اللازمة بهذا الخصوص».
وأكد يمق في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه تحت القانون، وأن التفتيش المركزي هو الجهة الصالحة للتحقيق بما حصل لإظهار الحقيقة، رافضاً أن يتم تحميله مسؤولية ما حصل عند إحراق البلدية، مؤكداً أن المسؤولية الأكبر تقع على المحافظ نفسه الذي تقع عليه مهمة اتخاذ القرارات وليس شرطة البلدية. وأضاف: «المحافظ هو المتهم بالتقصير، وتقع عليه المسؤولية الأكبر، وليس نحن حيث كان عليه اتخاذ قرارات حينها، ولا يحق له أن يتعامل معي على أنني متهم أو حتى يجري معي التحقيق بصفته محققاً».
كان المجلس الشرعي في طرابلس والشمال أصدر أمس بياناً وصف فيه سلوك المحافظ نهرا بـ«المستغرب والمدان». وقال «طرابلس هي العاصمة الثانية للبنان ومدينة وطنية وعربية امتازت عبر تاريخها بمحافظتها على الأصول والتقاليد التي تصون كرامات جميع أبنائها»، مضيفاً: «لقد ساء أعضاء المجلس ما سمعوه في المؤتمر الصحافي لرئيس بلدية طرابلس عن السلوك المستغرب من محافظ الشمال في حقه، واعتبروا أن هذا السلوك يؤشر إلى ذهنية غريبة، وتجاهل عميق من المحافظ لتاريخ هذه المدينة وأصالة أبنائها التي تمنعهم من قبول الإهانات والسكوت عنها».
وفيما استنكر المجلس أداء نهرا أهاب «بجميع المسؤولين وعلى رأسهم وزير الداخلية والبلديات التدخل السريع وإجراء التحقيقات المسلكية اللازمة لوضع الأمور في نصابها، صوناً للكرامات والأعراف التي لازمت تاريخ المدينة وحاضرها».
وفي مؤتمر صحافي عقده للحديث عما حصل، كان يمق اعتبر أن لدى المحافظ نيات عدوانية تجاه المدينة وأهلها متهماً إياه بتغييب الحقائق عبر نفي ما حصل. وتحدث عن «استقواء نهرا ببعض المرافقين الذين استدعاهم الواحد تلو الآخر ومصادرة هاتفي وحجز حريتي لوقت غير قصير»، وذلك بعد طلب تصوير ما تم تدوينه أو إعطائي نسخة عن المحضر خوفاً من أن يتم التلاعب بما تم تدوينه «لتوجيه اتهامات قائمة على خلفيات سياسية وشخصية».
في المقابل نفى نهرا في بيان له ما وصفها بـ«الافتراءات والأضاليل»، وأوضح «أنه تم استدعاء رئيس البلدية للتحقيق معه حول الإهمال الذي أدى إلى إحراق مبنى البلدية»، بناء على طلب وزير الداخلية، لكن وأثناء توقيعه على أقواله، عمد إلى مغافلة المحافظ وتصوير أجزاء من محضر التحقيق، الأمر غير الجائز قانوناً، فتم الطلب منه مسح الصور عن هاتفه، فأبدى امتعاضاً وأثار جدالاً في غير مكانه، ولم يقم أحد من الحراس بمحاولة انتزاع هاتفه أو لمسه أو توجيه أي كلام إليه، وتم تخييره ما بين مسح تلك الصور أو تدوين الواقعة في المحضر فاختار تدوينها». واعتبر أن «افتعال المشكلات هدفه الوحيد حرف التحقيق عن مساره الطبيعي والقانوني، وتوجيه الأنظار إلى مكان آخر للهروب من المسؤولية».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.