تركيا تطلق مناورات «الوطن الأزرق» في بحري إيجه والمتوسط

TT

تركيا تطلق مناورات «الوطن الأزرق» في بحري إيجه والمتوسط

أعلنت تركيا عن انطلاق مناورات بحرية باسم «الوطن الأزرق 2021» غدا (الخميس) في كل من البحر المتوسط وبحر إيحه في الوقت الذي تصاعد فيه التوتر مع اليونان بسبب أنشطة مسح تنفذها أنقرة في شمال بحر إيحه.
وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان أمس (الثلاثاء) إن المناورات البحرية ستستمر حتى 7 مارس (آذار) المقبل بمشاركة 87 سفينة حربية و27 طائرة و20 مروحية، من مختلف القوات البحرية والجوية والبرية، منها مروحيات هجومية تابعة لقيادة القوات البرية، ومقاتلات «إف 16» و«إف 4» تابعة للقوات الجوية.
أشار البيان إلى أن المناورات تهدف إلى تقييم جاهزية القيادات والوحدات والسفن التابعة للقوات البحرية، وتطوير القدرات المشتركة في العمليات والتكتيكات البحرية وزيادة الاستعداد القتالي بين القيادات في العمليات المشتركة، واختبار قدرات الدعم المتبادل بينها.
وسيتم خلال المناورات تنفيذ ضربات بحرية وجوية لمركبات غير مأهولة وعالية السرعة كأهداف من أجل خلق بيئة حرب حقيقية، بحسب ما ذكر البيان.
جاء ذلك في الوقت الذي قالت فيه وزارة الدفاع التركية إن قواتها ردت على تحرش 4 مقاتلات يونانية من طراز «إف - 16» بسفينة تركية تجري أبحاثا في المياه الدولية شمال بحر إيحه.
واقتربت المقاتلات اليونانية من سفينة «تشيشمه» التركية على مسافة ميلين بحريين، لتطلق بعدها بالونات حرارية قبل أن تبتعد عن موقع السفينة.
وتواصل السفينة «تشيشمه» مهامها في المياه الدولية شمال بحر إيحه، منذ 18 فبراير (شباط) الحالي وحتى الثاني من مارس (آذار) المقبل، ضمن إطار برنامجها السنوي للأبحاث العلمية والتقنية في المجال الهيدروغرافي.
وأفادت وزارة الدفاع التركية، بأن المقاتلات اليونانية تحرشت بالسفينة من على ارتفاع ألف متر، وأنه تم الرد على المقاتلات اليونانية المتحرشة، دون الكشف عن طبيعة الرد.
ويأتي تحرش المقاتلات اليونانية بالسفينة التركية، بعد إعلان مصادر عسكرية تركية أن أثينا مارست العديد من الأنشطة لتصعيد التوتر في بحر إيحه بدءا من المناورات وحتى مهام الغواصات، منذ انطلاق «المحادثات الاستكشافية» مع تركيا في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي.
وقال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار: «موقفنا واضح حيال تحرش المقاتلات اليونانية بسفينة الأبحاث التركية، وما سنقوم به حيال هذه التحرشات واضح أيضا في إطار القانون».
واحتجت اليونان الأسبوع الماضي على نشر تركيا لسفينة الأبحاث «تشيشمه» فيما وصفته بخطوة غير ضرورية. وقالت أثينا إنه رغم أن السفينة كانت تعمل في المياه الدولية، فإن مسؤولية إصدار التحذيرات البحرية في ذلك الجزء من بحر إيحه يقع على عاتق اليونان.
في سياق مواز، اتهم نائب وزير الخارجية التركي ياوز سليم كيران اليونان بانتهاك القانون الدولي، بإجبارها أكثر من 80 ألف طالب لجوء إلى المياه التركية خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وقال كيران، في كلمة خلال مشاركته في برنامج بعنوان «الاتجار بالبشر وحقوق اللاجئين» نظمته أكاديمية العدل التركية في إطار رئاسة تركيا لمسيرة تعاون دول جنوب شرقي أوروبا.
ودعا كيران المجتمع الدولي إلى مزيد من التعاون والتضامن من أجل توفير معيشة كريمة للمهاجرين واللاجئين، مشيرا إلى وجود أكثر من 280 مليون مهاجر و46 مليون نازح ونحو 30 مليون لاجئ حول العالم حاليا.
وتعتزم اليونان تركيب رادارات وكاميرات بمدى يصل إلى 15 كيلومتراً، على طول حدودها البرية مع تركيا، وذلك بهدف منع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
وبحسب صحيفة «حريت» التركية ستقوم السلطات اليونانية بتثبيت 11 منظومة كاميرات ورادارات حديثة، بحلول نهاية شهر مايو (أيار) القادم، كانت تعاقدت عليها عام 2019.
واشترت اليونان أيضاً أجهزة لتحليل البيانات التي توفرها أنظمة المراقبة، وذكرت تقارير أن الاتحاد الأوروبي زودها بـ15 مليون يورو (18.18 مليون دولار) من تكلفتها الإجمالية، وسيتم نصب الأجهزة في أربعة مراكز حدودية.
بالتوازي، تواصل الحكومة اليونانية بناء جدار حديدي بطول 26.5 كم، وارتفاع 4.5 متر، بتكلفة 63 مليون يورو (76.36 مليون دولار). وكانت الحكومة قد انتهت من بناء 2.3 كيلومتر فقط من هذا الجدار.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟