تعويم الجنيه السوداني بين ترحيب دولي ومخاوف داخلية

السوق الموازية ترد بقسوة على قرارات الحكومة

الأسواق المحلية تترقب أثر قرار توحيد سعر صرف الجنيه السوداني (أ.ف.ب)
الأسواق المحلية تترقب أثر قرار توحيد سعر صرف الجنيه السوداني (أ.ف.ب)
TT

تعويم الجنيه السوداني بين ترحيب دولي ومخاوف داخلية

الأسواق المحلية تترقب أثر قرار توحيد سعر صرف الجنيه السوداني (أ.ف.ب)
الأسواق المحلية تترقب أثر قرار توحيد سعر صرف الجنيه السوداني (أ.ف.ب)

عشية إعلان الحكومة السودانية تعويم العملة الوطنية، بلغت الفجوة بين سعر السوق الموازية (السوداء) والسعر الرسمي 14 جنيهاً. وفي غضون ذلك، نقلت تقارير صحافية دخول أموال لخزينة البنك المركزي، بصفتها احتياطياً نقدياً لمقابلة الاحتياجات الضرورية للدولة والمواطنين من العملات الأجنبية، بيد أن خبراء حذروا من خطورة القرار وانعكاساته السلبية على تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتدهور العملة الوطنية.
وبحسب متعامل في السوق السوداء، بلغ سعر الدولار 390 جنيهاً، فيما حدد البنك المركزي سعر الصرف الرسمي للدولار عبر التعامل المباشر في البنوك بواقع 376 جنيهاً للبيع و377 للشراء. وتوقع «المتعامل» أن ترتفع الأسعار في السوق السوداء كلما تحرك مؤشر سعر الصرف الرسمي إلى أعلى قيمة.
كان وزير المالية، جبريل إبراهيم، قد كشف، أول من أمس، عن تسلم البنك المركزي أموالاً من الخارج تساعد في تثبيت سعر الصرف، إلا أن الوزير لم يكشف عن حجم هذه الأموال، ما دفع خبراء اقتصاديين إلى عدها محاولة من الحكومة لإرباك السوق السوداء التي دائماً ما تتأثر بالقرارات السياسية والمنح والدعم النقدي الذي تحصل عليها البلاد من الخارج.
وتتوقع الحكومة أن يؤدي اعتماد سياسة سعر الصرف المرن المدار إلى جذب تحويلات السودانيين المغتربين بالخارج التي تقدر بمليارات الدولارات، والتي كانت تحول عبر السوق السوداء، إلى جانب خطوات إعفاء الديون الخارجية.
ويقول أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية، أحمد حامد، إن خطورة القرار أن الدولة تركت السوق السوداء تحدد سعر الصرف، وهذه معالجة خاطئة تهدف إلى تقليص الدور الرقابي للدولة، وتضر باقتصاد البلاد.
وأوضح حامد وجود فرق بين تعويم الجنيه وسياسة سعر الصرف المرن المدار، إذ إن الأخير يتيح للبنك المركزي التدخل عند الضرورة لمنع انهيار العملة الوطنية.
ويشير حامد إلى أن قلة من الأفراد والشركات والمضاربين تتحكم في سوق النقد الأجنبي، وتحدد سعر العملات الأجنبية، وهذه السياسات ستؤدي إلى توسع السوق السوداء، لتتحول لسوق رئيسية تتحكم في سعر الصرف.
ويقول حامد إن «علاقات مريبة تربط بين تجار العملة والمضاربين فيها، فالنظام المصرفي يغذي السوق السوداء، وكان على الحكومة قبيل اتخاذ قرار تعويم الجنيه أن تقوم بإجراءات لزيادة تكفل كفاءة النظام المصرفي».
وأضاف أن من شروط نجاح هذه السياسات اعتماد الدولة على الصادرات، بصفتها من أهم مصادر الحصول على العملات الأجنبية، وأن تتدخل بالسيطرة واحتكار إنتاج الذهب والمعادن والصادرات الأخرى.
ويرى حامد أن سياسة التخفيض المتواصل لقيمة الجنيه السوداني تتضرر منها القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية، وتفاقم الأزمة المعيشية، لأن السوق السوداء ستحدد كل أسعار السلع وفقاً للأسعار العالمية، وبالتالي سيؤدي هذا إلى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار السلع، متابعاً أنه عندما تتوفر احتياطات كافية من النقد الأجنبي في خزينه الدولة، يمكن تطبيق سعر الصرف المرن المدار الذي يمكن الدولة من التدخل في الوقت المناسب للحد من الارتفاع غير الملائم في سعر العملات الأجنبية لحماية الجنيه السوداني من الانهيار.
وكشف مصرفي ببنك السودان المركزي، فضل حجب اسمه، أن تعويم الجنيه هو الخطوة الثانية في عملية إصلاح التشوهات الهيكلية في الاقتصاد السوداني، تتبعها خطوة توحيد سعر الدولار الجمركي. وأضاف أنه على المدى القصير، تساعد هذه الخطوة على استقرار سعر الصرف، وانخفاضه على المدى المتوسط.
وقال: «إذا أرادت الحكومة تعويم الجنيه من أجل البحث عم موارد إيرادية، سيؤدي ذلك إلى كارثة اقتصادية... وإذا كان من أجل الإصلاح، فسيساعد في بناء احتياطات من النقد الأجنبي»، مشيراً إلى أن سعر الصرف المرن يحدد وفق قانون العرض والطلب، ويتيح للدولة أن تتدخل لتحديد أوجه استخدامات النقد الأجنبي. ويتطلب هذا وضع ضوابط للصادر والوارد، للتأكد من دخول كل حصائل الصادر في النظام المصرفي.
وترفض قوى الحرية والتغيير، المكون الرئيسي في التحالف الحاكم، أي تخفيض أو تعويم لسعر صرف الجنيه السوداني، وتدعو إلى تقوية سعر صرف العملة الوطنية، من خلال السيطرة على حصائل صادرات البلاد من النقد الأجنبي، وإدراجها في النظام المصرفي الرسمي لمحاربة السوق السوداء.
وفور إعلان الحكومة السودانية، أول من أمس، تعويم الجنيه، سارعت أميركا للترحيب بالقرار، ووصفته بأنه خطوة شجاعة لإصلاح سعر الصرف. وقالت إن القرار سيساعد أيضاً الشركات السودانية، ويجذب الاستثمار الدولي، إذ لن تواجه الشركات المحلية والأجنبية بعد الآن صعوبات في ممارسة الأعمال التجارية في السودان بسبب سعر الصرف المزدوج.
وقال مدير البنك الدولي، ديفيد مالباس، في تعليق، إن القرار يساعد في تسوية متأخرات السودان، ويقلل التهريب، ويدعم زيادة التدفقات من التحويلات المالية والمساعدات والاستثمار، كما أنه يوفر موارد ميسرة، ومشاركة أكبر للمؤسسات المالية الدولية، موضحاً أن هذه خطوات رئيسية نحو إطلاق مبادرة تخفيض ديون الدول المثقلة بالديون (الهيبك)، وأن مجموعة البنك الدولي تعمل على تقديم برامج دعم كبيرة لفائدة الشعب السوداني.



عضو في «المركزي الأوروبي»: المصرف سيراقب من كثب خطر عدم بلوغ هدف التضخم

أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
TT

عضو في «المركزي الأوروبي»: المصرف سيراقب من كثب خطر عدم بلوغ هدف التضخم

أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

قال رئيس البنك المركزي الفرنسي، فرنسوا فيليروي دي غالهاو يوم الجمعة، إن «المركزي الأوروبي» لم يتأخر في خفض أسعار الفائدة، لكنه يحتاج إلى مراقبة خطر عدم تحقيق هدفه للتضخم من كثب، وهو ما قد يؤدي إلى تثبيط النمو بشكل غير ضروري.

وخفّض البنك المركزي الأوروبي معدلات الفائدة ثلاث مرات هذا العام بالفعل، ويتوقع المستثمرون مزيداً من التيسير النقدي في كل اجتماع حتى يونيو (حزيران) المقبل، وهو ما قد يؤدي إلى خفض سعر الفائدة على الودائع، الذي يبلغ حالياً 3.25 في المائة، إلى 2 في المائة على الأقل وربما أقل، وفق «رويترز».

ومع ذلك، تدعم البيانات الاقتصادية الضعيفة، كما يتضح من تقرير مسح الأعمال المخيّب للآمال الذي نُشر يوم الجمعة، الرأي القائل إن البنك المركزي الأوروبي قد يحتاج إلى تسريع إجراءات التيسير النقدي، وقد يضطر إلى اتخاذ تدابير إضافية لدعم الاقتصاد.

وقال دي غالهاو في فرنكفورت: «نحن لسنا متأخرين في المسار اليوم. الاقتصاد الأوروبي يسير نحو هبوط ناعم».

واعترف بوجود مخاطر على التوقعات المستقبلية، مشيراً إلى أنه يجب على صانعي السياسات التأكد من أن أسعار الفائدة لا تبقى مرتفعة لمدة طويلة، مما قد يضرّ بالنمو الاقتصادي.

وأضاف قائلاً: «سوف نراقب بعناية توازن المخاطر، بما في ذلك احتمال عدم بلوغ هدف التضخم لدينا، وكذلك تأثير ذلك في الحفاظ على النشاط الاقتصادي بمستويات منخفضة بشكل غير ضروري».

وكانت التوقعات تشير إلى خفض للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في 12 ديسمبر (كانون الأول) بوصفه أمراً شبه مؤكد، لكن بعد نشر أرقام مؤشر مديري المشتريات الجديدة يوم الجمعة، أصبح هناك احتمال بنسبة 50 في المائة لخيار خفض أكبر يبلغ 50 نقطة أساس، نتيجة لتزايد المخاوف من ركود اقتصادي.

ومع ذلك، يشير صانعو السياسات إلى أن المسوحات الاقتصادية قد تكون قد قدّمت صورة أكثر تشاؤماً عن وضع الاقتصاد مقارنة بالبيانات الفعلية التي كانت أكثر تفاؤلاً.

ورغم التباطؤ في التضخم الذي وصل إلى أدنى مستوى له بنسبة 1.7 في المائة هذا الخريف، فإنه يُتوقع أن يتجاوز 2 في المائة هذا الشهر، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرار بخفض أكبر في الفائدة.

ومع ذلك، شدّد دي غالهاو على أن التضخم في طريقه للعودة إلى الهدف المتمثل في 2 في المائة، وأنه من المتوقع أن يتحقّق بشكل مستدام قبل الموعد الذي حدّده البنك المركزي الأوروبي في نهاية 2025.

وقال: «نحن واثقون للغاية بأننا سنصل إلى هدفنا البالغ 2 في المائة بشكل مستدام». وأضاف: «من المرجح أن نحقّق هذا الهدف في وقت أقرب من المتوقع في 2025، مقارنة بتوقعاتنا في سبتمبر (أيلول) الماضي».