السفير الفرنسي يخرج ما في صدره عن أفغانستان قبل رحيله

قال إن المشروع الأفغاني على طبقة جليد رقيقة.. وإن الغرب ككل مسؤول عن أغلب الأخطاء

السفير الفرنسي يخرج ما في صدره عن أفغانستان قبل رحيله
TT

السفير الفرنسي يخرج ما في صدره عن أفغانستان قبل رحيله

السفير الفرنسي يخرج ما في صدره عن أفغانستان قبل رحيله

دائما ما يكون من الصعب تحديد ما يعتقده الدبلوماسيون بدقة إلا إذا عرفت واحدة من المراسلات طريقها إلى موقع «ويكيليكس»، لكن تتداعى الحواجز بين آن وآخر وتتسرب بعض الحقيقة إلى الرأي العام. يصدق هذا بوجه خاص على أفغانستان، حيث يفكر الدبلوماسيون مليا في كل كلمة ليروا ما إذا كانت تتوافق مع الأهداف السياسية لبلادهم أم لا. تتوالى مواقف الأميركيين الإيجابية بقوة خلال الأسابيع القليلة الماضية في ظل تركيز لجان الكونغرس في واشنطن على فواتير النفقات ومحاولة إدارة أوباما توفير المال اللازم للسنوات القليلة المقبلة والتحدث عن تقدم البلاد. ويحدث هذا أيضا في الاتحاد الأوروبي، حيث باتت النبرة أكثر صرامة عن ذي قبل، لكنها لا تزال تفسر التوقعات الخاصة بمستقبل أفغانستان بكلمات مثل «وعد» و«محتمل».
رغم هذا، جاءت واحدة من تلك اللحظات النادرة التي تنكشف فيها الحقيقة خلال حفل وداع أقامه الأسبوع الماضي السفير الفرنسي في كابل، برنارد باجوليه، الموشك على مغادرة منصبه ليتولى رئاسة الإدارة العامة للأمن الخارجي. بعد تناول الدبلوماسيين ثالث دورة من الكحول، اعتلى باجوليه المنبر الافتراضي وكشف عن نظرة فرنسا، التي تعاني من اقتصاد متباطئ ودعم شعبي متناقص لمساعي الأفغان وطلبات بالتدخل في صراعات خارجية أخرى، من ضمنها الصراع في سوريا وشمال أفريقيا، لأفغانستان. وفي الوقت الذي يكون فيه توجيه فرنسا للانتقادات أسهل من الدول التي لها قوات تقاتل في أفغانستان، تستطيع القول إنها قامت بواجبها. وقبل سحبها للقوات المقاتلة خلال الخريف خسرت فرنسا قوات أكثر من أي دولة أخرى.
ران صمت القبور على الغرفة التي كانت تعج بالدبلوماسيين وبعض الجنود رفيعي المستوى، وأحد الأفغان البارزين. وعندما انتهى باجوليه كان هناك إطراء مقيد وتعبيرات وقورة متزنة. رفع أحد الدبلوماسيين حاجبيه دهشة وأومأ برأسه قليلا، في حين قال آخر: «لا تراجع». فما الذي قاله؟ لقد قال إن المشروع الأفغاني على طبقة جليد رقيقة وإن الغرب ككل مسؤول عن أغلب الأخطاء، بينما يتحمل الأفغان الباقي تقريبا، وإن الغرب قام بدور كبير مهم في مكافحة الإرهاب، لكن الجزء الأكبر من هذا تم على أراضٍ باكستانية لا على الجانب الأفغاني من الحدود. وأوضح أنه من دون إجراء أفغانستان لتغييرات جذرية في أسلوب عملها وفي الحكومة الأفغانية وبالتبعية في استثمار الغرب بها لن يحدث الكثير. لم تكن نبرته حادة ولا تحمل التوبيخ، بل كانت تقريرية. وقال باجوليه في تعليقاته الأولى: «ما زلت غير قادر على فهم كيف تمكنّا نحن والمجتمع الدولي والحكومة الأفغانية من الوصول إلى هذا الوضع الذي يحدث فيه كل شيء عام 2014 من انتخاب رئيس جديد وتحول اقتصادي وعسكري، في الوقت الذي لم تبدأ فيه المفاوضات الخاصة بعملية السلام فعليا». لقد كان يعبر عن رأي يؤمن به دبلوماسيون آخرون لكن لا يفصحون عنه، وهو أن عام 2014 سيكون «عاصفة قوية» من ثورة إصلاح سياسي وعسكري تتزامن مع انتهاء المهمة القتالية لحلف شمال الأطلسي في أفغانستان.
أما بالنسبة إلى نجاح عمليات القتال على الأرض، التي اعتاد القادة الأميركيون على وصفها حاليا بأنها «تحت قيادة أفغانية»، بدا باجوليه متشككا، فهو يقول: «لسنا على بعد يسمح لنا بالخروج بتقييم موضوعي، لكن في كل الأحوال أعتقد أنه من المهم سيطرة القيادة العليا الأفغانية على الجيش بشكل أوضح».
كانت لنبرته التي يتحدث بها عن ملاحظات رزينة قلقة لدبلوماسي يختتم فصلا من حياته، مختلفة، لتختلف بالكاد عن نبرة مفاجئة من التغير الجديد في القيادة الأميركية المسؤولة عن الوضع في أفغانستان، خصوصا الجنرال جوزيف دانفورد، القائد الأميركي الجديد هنا. وأصدر الجنرال دانفورد خلال الأسبوع الحالي بيانا صحافيا يشيد بالتقدم الذي أحرزته أفغانستان، مشيرا إلى بعض الإحصاءات التي تتجه نحو الإيجابية ويمتدح قدرات الجيش الأفغاني. وقال الجنرال دانفورد: «ستكون قوات الأمن الأفغانية مسؤولة عن الأمن في كل أنحاء البلاد قريبا جدا. إنهم يكتسبون الثقة في النفس والكفاءة والقدرة على الالتزام بخطى ثابتة».
في حفل الوداع أنهى باجوليه مكاشفاته الدبلوماسية بتحليل سريع لما يجب على الحكومة الأفغانية فعله، وهو الحد من الفساد، الذي يبعد المستثمرين، ومعالجة مشكلة المخدرات، وتحقيق الاستقلال المالي. وأكد على ضرورة زيادة الحكومة لعائداتها بدلا من السماح للسياسيين بتحويلها.
وكان يومئ عدد من الدبلوماسيين في الغرفة رؤوسهم عندما كان يشير إلى أن المخدرات تسبب أضرار وضحايا أكثر من الإرهاب في روسيا وأوروبا والبلقان، وأنه من الصعب على الحكومات الغربية الاستمرار في الإنفاق على أفغانستان إذا ظلت أكبر مورد للهيروين في العالم. وكان أكبر تعارض بين باجوليه والخطاب الأميركي والبريطاني يتمثل في تكرار حديثه عن السيادة، وهي الكلمة السياسية التي أصبحت شعار اليوم. سيعيد الأميركيون والمجتمع الدولي السيادة إلى أفغانستان التي تؤكد طوال الوقت أنها دولة ذات سيادة. وكرر الرئيس حميد كرزاي، خلال الجدل حول تولي مسؤولية سجن باغرام، أن أفغانستان لديها مسؤولية سيادية تجاه سجنائها. وكان السؤال الضمني الذي يطرحه هو: ما الذي يعنيه هذا بالضبط؟، وقال: «يجب أن نكون واضحين ونتحدث بصراحة. لا يمكن لبلد يعتمد بالكامل تقريبا على المجتمع الدولي في دفع رواتب الجنود وأفراد الشرطة، وفي أكثر استثماراته وجزئيا لتوفير النفقات المدنية حاليا، أن يكون مستقلا بحق».
* خدمة «نيويورك تايمز»



مغادرة لبنان جواً مهمة صعبة... ولبنانيون يغادرون براً أو على متن يخت

مسافران يتفقدان لوحة المغادرة في مطار رفيق الحريري الدولي في 27 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
مسافران يتفقدان لوحة المغادرة في مطار رفيق الحريري الدولي في 27 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

مغادرة لبنان جواً مهمة صعبة... ولبنانيون يغادرون براً أو على متن يخت

مسافران يتفقدان لوحة المغادرة في مطار رفيق الحريري الدولي في 27 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
مسافران يتفقدان لوحة المغادرة في مطار رفيق الحريري الدولي في 27 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

على وقع الغارات الإسرائيلية الكثيفة على لبنان، أصبح العثور على مقعد في طائرة مغادرة من بيروت مهمّة شبه مستحيلة، مع إلغاء غالبية شركات الطيران الأجنبية رحلاتها واقتصار حركة النقل الجويّ على الشركة اللبنانية.

وبعدما ألغت «الخطوط الجوية التركية» رحلاتها من بيروت وإليها، حاول المهندس الزراعي جيلبير مدوّر مراراً حجز تذكرة سفر إلى لشبونة حيث تعقد شركة أسمدة عالمية يعمل لحسابها الأسبوع المقبل اجتماعاً لجميع موظفيها مقرراً منذ مطلع العام.

وقال الشاب البالغ 32 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «الثلاثاء أُلغيت رحلتي من بيروت إلى إسطنبول، التي كانت مقررة الاثنين المقبل، فحاولت إيجاد رحلات أخرى عبر إسطنبول ومنها إلى لشبونة، من دون أن أوفّق».

وعلى غرار مسافرين كثر، لم يبقَ أمام مدوّر الذي يسافر بمعدّل ثلاث مرات شهرياً، خيار سوى شركة «طيران الشرق الأوسط» اللبنانية التي حاول إيجاد مقعد على إحدى طائراتها.

وأكد أن «أول رحلة متوفرة إلى إسطنبول كانت الخميس المقبل، لكن ذلك لا يناسبنا، أنا وزميلَيّ؛ لأن الندوة تنتهي في ذلك اليوم».

ويُظهر الموقع الرسمي لمطار رفيق الحريري الدولي الوحيد العامل في لبنان، إلغاء عشرات الرحلات القادمة والمغادرة، مع تسيير معظم الرحلات من جانب شركة الطيران اللبنانية وبعض الشركات الأخرى على غرار الخطوط الإثيوبية والعراقية وشركة «بيغاسوس» التركية المنخفضة التكلفة.

«أزمة» سفر

وحاول مدوّر التوجه إلى أي دولة يمكنه أن يستقلّ منها طائرة إلى لشبونة، لكنه وجد أن «كل الرحلات المغادرة من بيروت هذا الأسبوع أو مطلع الأسبوع المقبل إما محجوزة بالكامل أو تكلفة التذكرة باهظة الثمن».

ومنذ مطلع الأسبوع، كثّفت إسرائيل وتيرة ضرباتها على «حزب الله» في مناطق مختلفة في لبنان، في تصعيد غير مسبوق منذ بدء تبادل إطلاق النار بين الحزب المدعوم من إيران والدولة العبرية قبل نحو عام، على خلفية الحرب في قطاع غزة.

وأثار ذلك المخاوف من توسع رقعة الصراع، ودفع شركات طيران كثيرة إلى وقف رحلاتها أو تمديد إجراء تعليق رحلاتها الذي كان سارياً أساساً. وطلبت دول عدة من رعاياها المغادرة أو تجنّب السفر إلى لبنان.

على غرار مدوّر، واجه المخرج هيثم شمص صعوبة في إيجاد تذكرة سفر في رحلة مباشرة إلى بوخارست بعدما أوقفت شركة «تاروم» الرومانية رحلاتها.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «منذ الاثنين، بدأت البحث عن تذكرة عن طريق مكتب سفر».

وروى بانزعاج أن لديه عملاً في رومانيا بدءاً من مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، لكنه قرر السفر مبكراً، مضيفاً: «لا يُعقل أن أعلق في لبنان وأخسر عقد عمل»، خصوصاً أنه المعيل الوحيد لعائلته.

بعد انتظار دام يومين، عرض مكتب السفر على شمص تذكرة عبر «طيران الشرق الأوسط» إلى إسطنبول، ومنها إلى بوخارست، مانحاً إياه نصف ساعة ليقرر. وقال: «شعرت بضغط شديد لكنني قررت ألا أفوّت الفرصة»، وبالتالي فرصة العمل التي ينتظرها.

والتذكرة الوحيدة التي توفرت لشمص كانت على درجة «الأعمال» إلى إسطنبول «بتكلفة لامست 1300 دولار ذهاباً وإياباً»، وفق قوله.

وتلبية لارتفاع الطلب، أكد مدير المبيعات في «طيران الشرق الأوسط»، أنطوان طبال، للوكالة أن الشركة «تشغّل يومياً بين ثلاث وخمس رحلات إضافية إلى وجهات عدة» بينها باريس وإسطنبول ودبي.

وأوضح: «الطلب أكبر من عدد المقاعد المتاحة... وهذا ما يخلق أزمة».

«اليخت ينتظرك»

وقال رئيس نقابة أصحاب مكاتب السياحة والسفر، جان عبود، إن «الطلب ازداد أضعاف الأضعاف في حين أن العرض ضئيل جداً».

وشرح أن «مئات وكلاء السياحة والسفر يرصدون الإعلان عن رحلات جديدة، وما إن تتاح لهم طائرة إضافية حتى يحجزون كافة مقاعدها لزبائنهم في غضون عشر دقائق».

وشكا لبنانيون تحدّثت إليهم الوكالة من ارتفاع أسعار البطاقات المتوفرة، الأمر الذي ردّه عبود لاحتساب التكلفة التشغيلية لرحلتَي الذهاب والإياب، ذلك أن «رحلة الذهاب تكون محجوزة بالكامل أما العودة فتكون فارغة».

ومع عقبات السفر جواً، يلجأ كثرٌ للسفر براً إلى الأردن، أو بحراً إلى جزيرة قبرص التي تبعد نحو 250 كيلومتراً عن السواحل اللبنانية.

ويعرض أحد مكاتب السفر رحلات على متن حافلات من بيروت إلى عمّان مروراً بسوريا، تستغرق نحو 12 ساعة، بتكلفة تراوح بين 65 و125 دولاراً.

وتسيّر شركات نقل بحري رحلات على متن يخوت تستغرق خمس ساعات من ميناء ضبية شمال بيروت إلى مدينة آيا نابا في شرق قبرص.

وقال رئيس شركة «بوتينغ ليبانون» الكابتن بيار أبي سعد للوكالة: «سيّرنا هذا الأسبوع 12 يختاً يقل كل منها بين 9 و14 راكباً».

وبلغ متوسط سعر البطاقة للشخص الواحد 1200 دولار، وفق أبي سعد الذي يعتبر التكلفة «مدروسة»؛ نظراً إلى أن «التكلفة التشغيلية لليخت أكبر من تكلفة تشغيل طائرة»؛ بسبب عوامل عدة بينها عدد الركاب وأسعار «الفيول».

وتنتشر مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لهذا البديل. وكتب أحدهم على «تيك توك» وهو يقف أمام يخت: «إن كانت الطائرة غير متوفّرة، فاليخت ينتظرك!».