تقنية خالية من الكيميائيات لتنقية مرشحات مياه البحر

باحثو «كاوست» يطورونها

تقنية خالية من الكيميائيات لتنقية مرشحات مياه البحر
TT

تقنية خالية من الكيميائيات لتنقية مرشحات مياه البحر

تقنية خالية من الكيميائيات لتنقية مرشحات مياه البحر

يتسبب ازدياد عدد السكان في زيادة الطلب العالمي على مياه الشرب، لكن المصادر الطبيعية للمياه العذبة آخذة في التقلص. لذا يزداد اعتماد الدول القاحلة للغاية، مثل السعودية، على مياه البحر المحلاة.
تبدأ عملية التحلية الأكثر فاعلية بالترشيح الفائق، الذي ينقي المياه من الكائنات الحية الدقيقة والجسيمات كبيرة الحجم المُعلقة داخل المياه. وتتبع هذا مرحلة التناضح العكسي، التي تسحب المياه النقية بعيداً عن المياه المالحة عبر غشاء كثيف. وفي حين يحمي الترشيح الفائق غشاء التناضح العكسي من الانسداد والتلف أو أن يصبح غير صالح للاستعمال، فإن العملية تشمل أيضاً غشاءً مسامياً يلزم تنظيفه بانتظام.
يوضح مهند الغامدي، أحد خريجي «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)» أن «مرحلة ما قبل المعالجة تعدّ جزءاً مهماً للغاية من عملية تحلية مياه البحر. لكن تنظيف المرشحات ليس سهلاً، علاوة على أنه مضر بالبيئة. ويمكن أن يؤدي الاستخدام المتكرر للمواد الكيميائية القوية إلى تلف الغشاء بشكل لا يمكن إصلاحه».
وقد نجح الغامدي، بالتعاون مع البروفسور نور الدين غفور أستاذ العلوم والهندسة البيولوجية والبيئية والمشرف على رسالته لنيل درجة الدكتوراه في «كاوست»، في تسخير التأثير الفيزيائي والكيميائي لفقاعات غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) لاقتلاع الشوائب من أغشية الترشيح الفائق. واستخدمت هذه التقنية لغسل سطح مرشحات التناضح العكسي، ولكن لم تُختبر على أغشية الترشيح الفائق، لفتح الفجوات المنسدة من خلال تقنية الغسل العكسي.
يوضح الغامدي: «بنينا التجربة بأكملها من الصفر؛ إذ لم يتوفر لدينا مختبر للتنفيذ عندما بدأت التجربة عام 2009. لذا؛ صممت الأجزاء وعملنا على تصنيعها في ورشة (كاوست)».
بعد كل ساعة من تنقية مياه البحر، يُدفع محلول الغسل العكسي بشكل مرتد عبر الغشاء لتنقيته من الشوائب المتجمعة. وابتكر الباحثون محلول غسل عكسي خاصاً بهم عن طريق إذابة ثاني أكسيد الكربون في المياه، إلى أن تتشبع به بدرجة مناسبة. وبينما يمر هذا المحلول عبر الغشاء، ينخفض الضغط وتبدأ فقاعات ثاني أكسيد الكربون التكوّن، مما يؤدي إلى إزاحة الأوساخ بالقوة. يوضح الغامدي: «كان علينا تحديد مستوى الضغط المثالي لمرحلة البدء، لتمكين معظم فقاعات ثاني أكسيد الكربون من التكون دون إتلاف الغشاء».
بالإضافة إلى التأثير الفيزيائي للفقاعات، فإن غاز ثاني أكسيد الكربون المذاب في الماء ينتج حمض الكربونيك، الذي يساعد أيضاً على تحلل الأوساخ. يقول الغامدي: «فوجئنا باستعادة 100 في المائة من وظائف المرشح دون استخدام مواد كيميائية. ومن ثم يمكن استخدام المرشح مراراً وتكراراً. وسيؤدي تحسين عملية تنظيف المرشح إلى تقليل وقت استبدال الأغشية التالفة وتكلفتها، مما يتيح الإنتاج المستمر لمياه الشرب الآمنة». ويعلق الغامدي على هذا بقوله: «لقد قدمنا محلول تنظيف صديقاً للبيئة يحدّ من استخدام المواد الكيميائية التي يُحتمل أنها ضارة».
ويوضح الغامدي أن الفريق يعمل الآن على تحسين التقنية لتقليل زمن التنظيف تحت ظروف مختلفة... «يستغرق التنظيف العكسي لكل غشاء في الوقت الحالي دقيقة واحدة، لكننا نأمل في تحقيق العملٍية نفسها في نصف ذلك الوقت».
مع ازدياد الطلب على مياه الشرب، لا يقل الحجم أهمية عن السرعة. ويقول غفور: «نعمل بالفعل على تصميم ما أثبتنا فاعليته في المختبر على نطاق أوسع من خلال مجموعة من الاختبارات التجريبية».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً