التوابل والأعشاب... ريشة الطهاة في المطبخ

عطور المطبخ تحوّل الأطباق إلى لوحة فنية

التوابل والأعشاب... ريشة الطهاة في المطبخ
TT

التوابل والأعشاب... ريشة الطهاة في المطبخ

التوابل والأعشاب... ريشة الطهاة في المطبخ

إذا قدمت لشخص قطعة من اللحم دون أي إضافات، هل تتوقع أن تلقى إعجابه؟ بالطبع لا، فأسرار المذاق تكمن في رشة من الفلفل الأسود، مع حبات الكزبرة الجافة، أو حتى أعواد الزعتر أو أكليل الجبل، لذا فمن دون التوابل والأعشاب لن تحصل على مذاق مميز أبداً، وبالتالي فـإن بعض الطهاة يطلقون على هذه المكملات عطور المطبخ، منها تفوح الرائحة لتغازل الخيال، وبها يحمل الطبق توقيعاً يميز كل طاه، فضلاً عن القيمة الغذائية.
تقول الطاهية اللبنانية وداد زرزور، مقدمة فقرة المطبخ في برنامج «صباح الخير يا عرب» على «إم بي سي»، لـ«الشرق الأوسط» إن «الحب والشغف هما الدافع وراء كل وصفة شهية، أما التوابل والأعشاب فهي اللمسة الفريدة لكل طاهٍ؛ رشة بسيطة من توابل معينة ربما تروي أسرار كثيرة عن الطبق».
وتتحدث زرزور عن علاقتها بالتوابل والأعشاب، قائلة: «التوابل هي واحدة من أدواتي التي أُقدرها وأعي تأثيرها الساحر؛ قليل من توابلي المفضلة تمنح الطبق شخصية فريدة، لذلك أحاول الحصول على عصارة النكهات من خلال تقلية التوابل في الزبدة أو الزيت قبل إضافة اللحم أو الخضراوات».
وتردف «زرزور»: «التوابل هي سر خلطات التتبيل لتحضير أنواع اللحوم المختلفة؛ دون غمس قطعة اللحم أو الدجاج داخل توليفة من التوابل مع الأعشاب المجففة لوقت كافٍ يسمح باختراق المذاق والرائحة للأنسجة، لن تحصل على النكهة المميزة».
والتناغم بين التوابل والأعشاب مع المكونات الأساسية للطبق هو سر المذاق الفريد، هكذا ترى زرزور التي تقول: «مزج التوابل والأعشاب له أصول، فهناك أكلات تتماشى مع مجموعة توابل معينة تنتمي للعائلة نفسها، تتكامل من أجل مذاقٍ متوازنٍ لا يغلب عليه نكهة مزعجة؛ الهدف هنا هو التناغم بين الإضافات والمكونات الأساسية، مثلاً الدجاج يتناغم مع القرفة، أما الفلفل الأسود فهو أفضل للحم».
وتؤمن زرزور بالقيمة الغذائية للتوابل والأعشاب، حيث تقول: «قبل احتراف الطهي، كنت أصدق في القيمة الغذائية للأعشاب والتوابل، حتى باتوا أصدقائي وأحد أسراري؛ أصبحت أُقدر هذه القيمة أكثر. هذه النعم البسيطة هي هبة الطبيعة، وكل ما هو آتٍ من الطبيعة فيه شفاء للعليل، فلمسة الكركم أو الزنجبيل أو إكليل الجبل أو السماق أو الزعتر لا تضيف نكهة ورائحة مُشهية فحسب، بل تعزز المناعة، وترفع القيمة الغذائية للطبق».
والأعشاب هي ريشة الطاهي لإضافة لمسات جمالية للطبق، فمن لا يشتهي طبقاً من اللحم المشوي المزين بأوراق خضراء من الكزبرة. تقول زرزور: «أفضل الأعشاب الصغيرة قبل أن يكتمل نموها، مثل عشبة الخردل والفجل والبراعم والزعتر البري الأخضر وإكليل الجبل، فجميعها يضيف شكلاً يثير الشهية، كما أن تناولها طازجة يمد الجسم بالفيتامينات والألياف».
كل مطبخ عالمي يميزه عائلة من التوابل والأعشاب تنبت في الأرض التي ينتمي إليها المطبخ: رشة من الكركم تسافر بك إلى الهند، ثم تعيدك إلى الشرق لمسة من جوزة الطيب. وبالنسبة لزرزور، فإنها تقول: «أعشق عشبة الليمون وخلطات الكاري المنكهة من المطبخ الآسيوي، أما المذاق الحار المميز للمطبخ الهندي فكثيراً ما يلهمني بوصفات». وتردف: «مطبخنا العربي معروف بالتوابل المميزة، مثل القرفة والزعتر والسماق؛ بمجرد أن تشم رائحة هذا التوابل، يذهب خيالك إلى طبق من الأرز بالمكسرات مع اللحم المشوي بالتوابل العربية».
إذا كانت التوابل والأعشاب هي لمسة التميز لتحضير أنواع اللحوم والدجاج، فهي روح المأكولات البحرية... هكذا بدأ الطاهي اللبناني المتخصص في المأكولات البحرية أحمد الدواش حديثه مع «الشرق الأوسط»، ليُفرق في البداية بين الأعشاب والتوابل، ويقول: «الأعشاب هي المرحلة الطازجة من النبتة، ويمكن تجفيفها؛ مذاقها ورائحتها أخف في مقابل التوابل التي تستخرج من بذور الأعشاب أو لحاء الأشجار».
وعن دورها في وصفات المأكولات البحرية، يقول الدواش: «قائمة المأكولات البحرية عادة متشابهة، لكن كيف لطاهي أن يقدم طبق الأخطبوط بطريقة مختلفة كلياً؟ السر في توليفة الإضافات من التوابل والأعشاب».
وعن قائمة مفضلاته من الأعشاب والتوابل، يقول الدواش: «أنتمي إلى المطبخ اليوناني الذي يعتمد على الأعشاب الخضراء، مثل النعناع والشبت والريحان والزعتر والكزبرة والبقدونس، للتزيين. أيضاً الكركم والزنجبيل الطازجان هما مخزن لمضادات الأكسدة. وأنصحكم ببشر الزنجبيل الطازج، والضغط على هذا المبشور لاستخراج العصير الداخلي لتعزيز جهاز المناعة».
ويردف: «الأعشاب غيرت حياتي لأن أطباقي عُرفت بالصلصات (الصوص) التي تأتي بسحرها من الأعشاب». ويروي لنا الموقف التالي: «المطرب اللبناني راغب علامة في إحدى المرات طلب أن يعرف سر وصفة أحد الأطباق، والحقيقة أنها كانت في لمستي من الأعشاب والتوابل، مثل الكزبرة والفلفل الأبيض، مع خضراوات ملونة مثل الجزر والفلفل الأحمر».
أهمية التوابل والأعشاب للمأكولات البحرية تعود إلى التخلص من «زنخة» البحر، حسب تعبير الدواش الذي يوضح أن «البحر له مذاق غير مستساغ، ولكن عند إضافة البهار والعشبات الطازجة، تزول رائحة الزنخة، ليظهر المذاق الحقيقي لخيرات البحر». وهنا، يشاركنا سراً آخر لتحضير المأكولات البحرية دون أي رائحة مزعجة، ويقول: «لتحضير الجمبري أو الأخطبوط، أجهز باقة من الأعشاب والتوابل العطرية التي تتميز برائحتها القوية داخل كيس من الشبك، ثم يُضاف حبوب البهار الأسود وعود قرفة وبقدونس وليمون وبصل وثوم وورق غار إلى ماء السلق؛ هذه الطريقة تضيف رائحة ومذاقاً طيباً للطبق».


مقالات ذات صلة

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

مذاقات غلاش محشو بالبطاطا الحلوة من الشيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

البطاطا الحلوة بلونها البرتقالي، تُمثِّل إضافةً حقيقيةً لأي وصفة، لا سيما في المناسبات المختلفة. إذ يمكنك الاستمتاع بهذا الطبق في جميع الأوقات

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات برغر دجاج لشيف أحمد إسماعيل (الشرق الأوسط)

كيف تحصل على برغر صحي ولذيذ في المنزل؟

عندما نفكر في الوجبات السريعة، تكون تلك الشريحة اللذيذة من اللحم التي تضمّها قطعتان من الخبز، والممتزجة بالقليل من الخضراوات والصلصات، أول ما يتبادر إلى أذهاننا

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات فطور مصري (إنستغرام)

«ألذ»... أكل بيت مصري في مطعم

ألذ الأطباق هي تلك التي تذكرك بمذاق الأكل المنزلي، فهناك إجماع على أن النَفَس في الطهي بالمنزل يزيد من نكهة الطبق

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات 
شوكولاته مع الفراولة (الشرق الأوسط)

ودّع العام بوصفات مبتكرة للشوكولاته البيضاء

تُعرف الشوكولاته البيضاء بقوامها الحريري الكريمي، ونكهتها الحلوة، وعلى الرغم من أن البعض يُطلِق عليها اسم الشوكولاته «المزيفة»

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات طاولة العيد مزينة بالشموع (إنستغرام)

5 أفكار لأطباق جديدة وسريعة لرأس السنة

تحتار ربّات المنزل ماذا يحضّرن من أطباق بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة؛ فهي مائدة يجب أن تتفوّق بأفكارها وكيفية تقديمها عن بقية أيام السنة.

فيفيان حداد (بيروت)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.