«الناجون»... دعوة فنية للتفاؤل وتحدي إحباطات الحياة

معرض تشكيلي سوداني في القاهرة يضم 65 عملاً

TT

«الناجون»... دعوة فنية للتفاؤل وتحدي إحباطات الحياة

شغلت المشاعر الإنسانية الفنانين والأدباء والمفكرين في جغرافيات العالم والحقب الزمنية المختلفة. ولأن الإنسانية تُبرز ذروتها و«تكشف معدنها» بعد الخيبات والنكسات والإحباطات، فإنها دوماً تجتذبهم وتستثير إبداعهم حين تتعرض للصدام الموجع مع الحياة على وجه الخصوص. وفي معرض التشكيلي السوداني معتز الإمام، المقام بغاليري «أوبونتو» بالقاهرة، المستمر حتى 13 مارس (آذار) المقبل، نلمس صدى عميقاً لمفهوم الإنسانية في لوحاته، عبر حالات متباينة، وأحياناً متنافرة، لشخوص مروا بمواقف قاسية أو عادية، لكن في النهاية لا يمكن تصنيفهم سوى على أنهم إما «ناجون» وإما «ضحايا مضطهدون»!
متعمداً أو غير متعمد، يدفعك الفنان عبر لوحاته إلى فكرة الهجرة إلى النفس ومع النفس من أجل وجود أفضل أو عالم أجمل، فربما يكون الوقت ملائماً الآن للاقتراب منها لإعادة اكتشافها وشحذ قوتها الداخلية في وقت الجائحة، لكن في أعماله بعضهم يفوز بعد النهوض بالنفس متمسكاً بالنجاة، وبعض آخر يركن إلى مزيد من السلبية، مستنداً إلى مبرر «الاضطهاد»، ما يجعلنا نستعيد المقولة الشهيرة للكاتبة الألمانية ساشا زالتسمان في روايتها «خارج النفس»: «الهجرة تكون سبيل النجاة فقط حين تكون للمهاجر إمكانية أو عزيمة الارتقاء بنفسه». فالمعرض الذي يحمل عنوان «الناجون»، ويضم نحو 65 لوحة، هو احتفاء صريح بهم وبإيجابيتهم، لكنه من جهة أخرى يقدم أيضاً المضطهدين، إذ يمكن تقسيم الناس في المطلق -بحسب الفنان- إلى فئتين، هما الناجي والضحية، إذ يقول معتز الإمام لـ«الشرق الأوسط»: «الناجون هم الناجون من كل شيء: الحروب أو الصراعات أو الانكسارات أو الهزائم الشخصية أو جائحة كورونا أو غير ذلك، فهم دوماً يفكرون بـ(عقلية الناجي) وروحه التي تتبنى رؤية صائبة وعاطفة ناضجة ومنظوراً يسوده التفاؤل والأمل. وانطلاقاً من ذلك، يشعر بالقوة والقدرة على المواجهة والتخطي، ولهؤلاء أقدم لهم التحية في أعمالي، وأطلب منهم أن يستمروا مهما بلغت تحديات الحياة».
من هنا، يلتقي الزائر لمعرضه بوجوه تجذبها جماليات الحياة حولها، ولا تتأثر سوى بدائرة صغيرة من الإحباطات لفترة زمنية محدودة، سرعان ما تسترد عافيتها وتعود إلى طبيعتها. وفي المقابل، يقدم الفنان شخوصاً يصرون على أنهم ضحايا لمصاعب الحياة ومعاركها، وهم بالضرورة يرون أنفسهم أيضاً مضطهدين، إذ يقول: «الذين لا يعرفون العيش سوى في أجواء تصور لهم أنهم يتعرضون للظلم والنبذ أو التنمر، وهم أنفسهم الذين لا يركزون إلا على الأخطاء والعيوب والمشكلات في أي مكان أو زمان، فهم يسقطون خواءهم الفكري وفراغهم العاطفي على أي شيء، فكل ما يشغلهم هو تعليق أخطائهم وفشلهم على (شماعة الآخرين)، كما يقول المصريون».
لكن في ظل تحيز الفنان لـ«الناجين» الذي يظهر بوضوح من اختيار اسم المعرض، هل تُعد أعماله هي أيضاً انعكاس لهذ التحيز أم أنه يقف على الحياد في تناوله الفني لهم على مسطح لوحاته؟ يجيب الإمام قائلاً: «لست قاضياً في محكمة، ومن الطبيعي أن أتحيز بصفتي إنساناً وفناناً لفئة من البشر، من دون أخرى، لكن لم أسمح لانحيازاتي أن تتعدى عنوان المعرض، في حين جاءت اللوحات تقدم الجانبين بحيادية»، ويتابع: «لكن لم أتعمد تجميل بعض الوجوه أو تشويهها، أو جعل الناجين يبدون في صورة ما على حساب المضطهدين، بل تركت الأمر للمتلقي ليحدد إلى أي فئة منهما ينتمي البورتريه الذي يتأمله بحسب رؤيته».
وعلى عكس المتوقع، قد يشعر المشاهد أن حتى التشوهات التي جسدها الفنان في بعض الوجوه قد تكون للناجين، ولا يشترط أن تكون للفئة الأخرى، فلربما من فرط إيجابيتهم قد خاضوا من المعارك ما كان كفيلاً بحفر كثير من الندبات والجروح والتشوهات داخل النفس التي لا يمحوها الزمن، لكنهم في الوقت نفسه لا يلتفتون إليها، ويسيرون في طريقهم يحملون مبادرات البناء والتجميل في الحياة. يقول الإمام: «لا أفرض وصاية على الشخوص في لوحاتي، وإلا ستكون ساذجة سطحية للغاية، ولا أطلب حتى من المتلقي أن يقوم بالفرز والانتقاء؛ فقط أنتظر منه أن يتفاعل مع العمل، ويسأل نفسه لمن ينتمي هو، ومن ثم يجيب نفسه في صدق لعله يطور نفسه ويعرف طريقه».
البطولة في لوحاته فردية، إذ تجسد معظم أعماله بالمعرض بورتريهات شخصية، وقلما تعثر على أكثر من شخص في اللوحة الواحدة، كأنها صور لجواز سفر أو بطاقة هوية، لذلك لا يستطيع المشاهد أن يتجاوزها من دون أن يتمعن فيها بتأنٍ، ويستشف مشاعرها المخبوءة بشغف، ويرتحل في دلالات نظرات شخوصها وتعبيرات وجوههم وعوالمهم الشاسعة منتظراً أن يسردوا له حكاياتهم، لا سيما هؤلاء الذين طالت التشوهات وجوههم أو تم حجبها بغمامة من الألوان أو الخطوط أو الأشكال. وقد نفذ الفنان ذلك كله بضربات فرشاة عريضة وانطباعات عفوية تثير أحاسيس المتلقي تجاهها، ومن ثم تجاه أصحاب هذه الوجوه «لأن الحالة النفسية على سطح الوجه هي انعكاس لكل أجهزة الجسم، ولمعارفه، ولمعاركه واتجاهاته الحياتية وخبراته، وغير ذلك باختصار هي انعكاس لسنوات عمره وتاريخه»، بحسب الفنان.
ورغم استخدام الإمام في معارضه الأخيرة الألوان الرمادية بكثافة، نجد السطوة في معرضه الحالي للألوان الدافئة الصريحة، ربما لكسر وتعويض حالة البرود العاطفي التي تعيشها الإنسانية في ظل الجائحة، وما فرضته من تباعد اجتماعي، وربما أيضاً تأثراً بسطوع الشمس في بيئته السودانية.



مشاجرة «مدرسة التجمع» تثير غضباً وانتقادات في مصر

وزارة التربية والتعليم في مصر (صفحة الوزارة على فيسبوك)
وزارة التربية والتعليم في مصر (صفحة الوزارة على فيسبوك)
TT

مشاجرة «مدرسة التجمع» تثير غضباً وانتقادات في مصر

وزارة التربية والتعليم في مصر (صفحة الوزارة على فيسبوك)
وزارة التربية والتعليم في مصر (صفحة الوزارة على فيسبوك)

أثارت مشاجرة وتلاسن بين فتيات في إحدى المدارس الخاصة الدولية بالتجمع الخامس (شرق القاهرة) غضباً وانتقادات، وطرحت تساؤلات حول مستوى التربية والتعليم، خصوصاً في المدارس الدولية التي يتطلّب الالتحاق بها مبالغ مالية كبيرة.

الواقعة -حسب ما رصدها متابعون نشروا مقاطع فيديو لها على «السوشيال ميديا»- جرت بين طالبة وثلاث طالبات، ويُظهر الفيديو جانباً من المعركة بين الطالبات، وإطلاق الشتائم بألفاظ نابية، في حين يقف زملاؤهن في حلقة مكتفين بمشاهدة المشاجرة.

وأصدرت المدرسة بياناً، السبت، بخصوص الواقعة، معلنةً أنها حدثت بعد نهاية اليوم الدراسي. وأوضحت في البيان أنه تمّ فصل الطالبات الثلاث اللاتي اعتدين على الطالبة، وتطبيق العقوبات الواردة في لائحة الانضباط الطلابي على الطلاب الذين صوّروا الواقعة والتفاعل معها بشكل سلبي. وأكد البيان أن المدرسة تحمّلت مسؤولياتها منذ اللحظة الأولى؛ حيث تمّ فض الشجار وتقديم الإسعافات الأولية إلى الطالبة المصابة، وسماع شهادتها وإخطار ولي أمرها، والتحقيق في الواقعة بالاستعانة بكاميرات المراقبة.

وعلّق كثير من مستخدمي «السوشيال ميديا» على تلك المشاجرة، وعدّوها دليلاً على تدهور مستوى التعليم، خصوصاً في المدارس الخاصة التي يحظى فيها الطلبة والطالبات بتعليم متميز ذي طابع دولي، كونهم ينتمون إلى طبقة ميسورة.

وكتب السيناريست المصري عبد الرحيم كمال، على حسابه في «فيسبوك»، معلقاً على المشاجرة: «ما حدث في مدرسة التجمع عار على التعليم كله في مصر».

كما كتب مصطفى عمار، رئيس تحرير جريدة «الوطن» المصرية، معلقاً على صفحته في «فيسبوك»، أن حادث مدرسة التجمع يكشف عن «أزمة غياب الأخلاق»، داعياً وزير التربية والتعليم إلى أن يكون هذا الحدث دافعاً لوضع خطة لتدريس مادة الأخلاق والمواطنة بالمدارس كلها من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، وتكون مادة نجاح ورسوب، متسائلاً عن إمكانية إلزام المدارس الدولية بتدريس تلك المادة.

وكتب صاحب حساب موثق على «فيسبوك» باسم «أحمد خالد»، أن ما يحدث في مدرسة التجمع «الإنترناشيونال» التي تتطلّب أموالاً كثيرة جداً، من سباب نابٍ وتكسير أنف طفلة في الصف السادس الابتدائي من زميلتها في الصف الثالث الثانوي، والأولاد الذين اكتفوا بتصوير الواقعة دون التدخل؛ كل ذلك يؤكد أن المسألة ليست لها علاقة بالأموال و«الكمبوندات» التي تدل على مستوى اجتماعي عالٍ، ولكن يُعيدنا إلى مسألة التربية والأخلاق.

وأصدرت وزارة التربية والتعليم المصرية بياناً حول الواقعة، ووجّه الوزير محمد عبد اللطيف بإرسال لجنة، الأحد، للتحقيق في واقعة التعدي على طالبة بمدرسة خاصة دولية بالقاهرة واتخاذ الإجراءات كافّة حيال المسؤولين عنها، وذلك في إطار الفيديو المتداول حول واقعة التعدي على طالبة في إحدى المدارس الخاصة الدولية بمحافظة القاهرة.

وأعلن المتحدث الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم، شادي زلطة، أن الوزير محمد عبد اللطيف أكد تعامل وزارة التربية والتعليم بحسم مع مثل هذه الظواهر، مشدداً على أن الدور التربوي للمدرسة يأتي في مقدمة الأولويات، ولا ينفصل عن تقديم منظومة تعليمية جيدة. وشدد الوزير على متابعته لنتائج التحقيق في الواقعة واتخاذ الإجراءات المناسبة كافّة حيال المسؤولين عنها، وفق بيان الوزارة.

وارتفع عدد المدارس الدولية في مصر من 168 مدرسة عام 2011 إلى 785 مدرسة في عام 2020، وفق تقرير لوزارة التربية والتعليم في عام 2021، وهو العام الذي شهد افتتاح 20 مدرسة أخرى خاصة، وحسب تقارير رسمية فقد كان عدد الملتحقين بالتعليم ما قبل الجامعي في مصر 22.5 مليون تلميذ في عام 2022، من بينهم 2.5 مليون طالب بالمدارس الخاصة، ووصل عدد الطلاب في عام 2024 إلى 28.5 مليون تلميذ، وفق بيان للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.