تركيا تتحرك لـ {تأمين حقوقها} في برنامج تصنيع طائرات «إف 35»

اليونان تحتج على أعمال المسح في بحر إيجة

«إف 35» الأميركية لدى عرضها في معرض برلين (رويترز)
«إف 35» الأميركية لدى عرضها في معرض برلين (رويترز)
TT

تركيا تتحرك لـ {تأمين حقوقها} في برنامج تصنيع طائرات «إف 35»

«إف 35» الأميركية لدى عرضها في معرض برلين (رويترز)
«إف 35» الأميركية لدى عرضها في معرض برلين (رويترز)

قررت تركيا بدء مسار قانوني لحماية حقوقها في برنامج تصنيع وتطوير مقاتلات «إف 35» الأميركية التي سبق أن تعاقدت على شراء 100 منها، في إطار البرنامج الخاضع لإشراف حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي استبعدتها منه الولايات المتحدة بعد مضيها في تنفيذ صفقة صواريخ «إس 400» مع روسيا وحصولها على المنظومة. وأبرمت شركة تكنولوجيا الصناعات الدفاعية، التابعة لمستشارية الصناعات الدفاعية التركية، اتفاقية مع شركة «أرنولد أند بورتر» الدولية للمحاماة، للحصول على خدمات استشارية قانونية واستراتيجية، في إطار مساعي أنقرة لحماية حقوقها في برنامج إنتاج وتطوير المقاتلة الأميركية متعددة الأطراف.
وبحسب ما ذكرت وكالة «الأناضول» الرسمية التركية، أمس (الجمعة)، تهدف الاتفاقية بالدرجة الأولى إلى الحصول على استشارات قانونية لحماية الحقوق المكتسبة لتركيا في إطار البرنامج، أكثر من قضية العودة إلى البرنامج. وفي وقت سابق، قال مستشار الصناعات الدفاعية بالرئاسة التركية إسماعيل دمير إن إخراج بلاده من برنامج مقاتلات «إف 35» يعد «خطوة أحادية وغير قانونية» وإن أنقرة ستتخذ جميع الخطوات اللازمة لحماية حقوقها. وأوقفت الولايات المتحدة، فعلياً، تسليم مقاتلات كانت تركيا حصلت عليها رسمياً، بعد أن وصلت أجزاء منظومة «إس 400» الروسية إلى أنقرة في يوليو (تموز) 2019.
ويتعلق الأمر بأربع طائرات أعدت لتسليمها إلى تركيا، لكنها بقيت في قاعدة لوك الجوية في ولاية أريزونا لتدريب الطيارين الأتراك عليها، ثم أوقفت واشنطن عمليات التدريب أيضاً. وهذا العدد من بين 100 طائرة تعاقدت عليها تركيا مقابل 1.4 مليار دولار، دفعت نحو 900 مليون منها، ولم تتم إعادة الأموال بعد وقف تسليم المقاتلات واستبعاد تركيا من البرنامج. وسبق أن هدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأن بلاده ستلجأ للقانون من أجل إعادة ما دفعته إذا لم يتم تسليمها الطائرات التي تم التعاقد عليها.
وقالت مصادر تركية إن مسألة عودة تركيا إلى برنامج مقاتلات «إف 35» أو بقائها خارجه، ستتبلور في ضوء تقييمات وقرارات بمعزل عن الخطوة الأخيرة المتعلقة بالاتفاق مع شركة محاماة دولية.
وكشف عقد مقدم إلى وزارة العدل الأميركية أن تركيا كلفت شركة «آرنولد آند بورتر» بتقديم «نصيحة استراتيجية وتوجيهات» إلى السلطات الأميركية في عقد مدته 6 أشهر مقابل 750 ألف دولار بدءاً من شهر فبراير (شباط) الجاري. وتواصل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، رغم استبعاد تركيا من برنامج مقاتلات «إف 35» وفرض عقوبات على مستشار الصناعات الدفاعية التركي و3 من مسؤولي المستشارية ضمن قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات (كاتسا) في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الاعتماد على متعاقدين أتراك للحصول على مكونات أساسية تدخل في تصنيع المقاتلات الأميركية. وكانت واشنطن تعهدت بإيجاد البديل عن المزودين الأتراك في وقت سريع، لكن يبدو الأمر صعباً، وقد يستغرق حتى نهاية العام الحالي. وتقدم مصانع تركية مواد تدخل في صناعة هيكل المقاتلات الأميركية ومجموعة العجلات. كما كانت تستعد لإنتاج أسلحة يتم تزويدها بها.
وترفض تركيا التراجع عن خطط شراء منظومة «إس 400» الروسية للدفاع الصاروخي التي تقول الولايات المتحدة إنها ستقوض أمن طائرات «إف 35»، وتهدد منظومة الناتو الدفاعية وتعتبر أن استبعادها من البرنامج كان مجحفاً. ورغم إبداء استعدادها لعدم تفعيل المنظومة الروسية، فإن إدارة الرئيس جو بايدن أكدت أنه لا خيار أمام تركيا سوى التخلص منها، وقال المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، إن إدارة بايدن لن ترفع الحظر الذي فرضته إدارة سلفه دونالد ترمب على شراء تركيا مقاتلات «إف 35».
على صعيد آخر، أبلغت اليونان تركيا احتجاجها على إرسال سفينة أبحاث إلى بحر إيجة، ووصفت الخطوة بأنها «تحرك غير ضروري». وأظهر إخطار صادر عن البحرية التركية (نافتكس) أن سفينة الأبحاث «تشيشمه» ستجري مسحاً بحرياً اعتباراً من أول من أمس وحتى 2 مارس (آذار) في منطقة تقع بالمياه الدولية في بحر إيجة. وقال المتحدث باسم الحكومة اليونانية، خريستوس تارانتيليس، إن «هذا تحرك غير ضروري لا يساعد في خلق أجواء إيجابية».
وذكر مسؤولون بالحكومة اليونانية، مساء الخميس، أن وزارة الخارجية قدمت شكوى شفهية لتركيا، مؤكدين أن إطار البحرية التركية «غير قانوني» لأنه صادر عن محطة تابعة للبحرية لا تتمتع بهذه الصلاحية.
في شأن آخر، جدد الادعاء العام التركي مطالبته بسجن المواطن الألماني من أصل تركي أنور الطايلي لمدة تصل إلى 42 سنة و6 أشهر، بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية، وقالت ديلارا يلماظ، ابنة الطايلي ومحاميته في الوقت ذاته، إنه تم رفض طلب تغيير هيئة المحكمة، وذكرت أنها تعتزم الطعن في هذا القرار. ومن المنتظر أن يتم استئناف جلسات المحاكمة، يومي الرابع عشر والخامس عشر من أبريل (نيسان) المقبل. وكان الطايلي (76 عاما) أوقف في أنطاليا، جنوب تركيا، عام 2017، ووجهت له السلطات تهمة تأسيس أو قيادة منظمة إرهابية، كما اتهمته بجمع أسرار الدولة لأغراض تجسس عسكري وسياسي. واتهمت يلماظ المحكمة بالتحيز، وطالبت بتغيير القضاة. وأضافت أنه تم قبول أدلة الإثبات رغم اعتراضها، مؤكدة أن هذه الأدلة تم الحصول عليها تحت التعذيب والخطف، وأن هناك العديد من الأدلة التي تثبت انحياز القضاة، وأن العديد من طلبات الدفاع رفضت في الماضي بشكل غير مبرر.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟