الشارع الإسباني ينتظر ضبط الاشتراكيين للمعادلة الانفصالية في كاتالونيا

انتخابات الإقليم أرسلت رسائل متعددة لليمين واليسار

الشارع الإسباني ينتظر ضبط الاشتراكيين للمعادلة الانفصالية في كاتالونيا
TT

الشارع الإسباني ينتظر ضبط الاشتراكيين للمعادلة الانفصالية في كاتالونيا

الشارع الإسباني ينتظر ضبط الاشتراكيين للمعادلة الانفصالية في كاتالونيا

الانتخابات الإقليمية التي أجريت يوم الأحد الفائت في إقليم كاتالونيا، الذي تضبط تطورات حركته الانفصالية إيقاع المشهد السياسي الإسباني منذ خريف عام 2017، كانت أحدث الأدلّة على التحوّل السلبي الذي تغرق فيه إسبانيا اليوم.
إسبانيا التي كانت محطّ إعجاب لنهضتها الاقتصادية السريعة وقدوة في تجربتها الفريدة بالانتقال السلمي من الديكتاتورية إلى الديمقراطية والاستقرار السياسي الذي نعمت به خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
من ناحية ثانية، كانت كاتالونيا (بشمال شرقي البلاد) قد انتظرت حتى اللحظات الأخيرة من عملية فرز الأصوات، ليلة الأحد الماضي، لتعرف هوية الفائز في الانتخابات الإقليمية التي حلّ فيها الحزب الاشتراكي في المرتبة الأولى، وبذا تعادل مع حزب اليسار الجمهوري بعدد المقاعد في البرلمان (33 لكل منهما) لكن متقدّماً عليه بعدد الأصوات. وحلّ في المرتبة الثالثة، بفارق مقعد واحد عنهما، حزب «معاً لأجل كاتالونيا» الذي يتزّعمه الرئيس الأسبق للحكومة الإقليمية كارلي بوتشيمون، الفار من العدالة الإسبانية، بعد إدانته بالتمرّد في أعقاب المحاولة الانفصالية التي كانت بداية فصل جديد من الاضطرابات السياسية والاجتماعية، ما زالت إسبانيا تتخبّط فيه إلى اليوم، وتعيش على وقع تطوراته.
ولكن رغم فوز الاشتراكيين، الذين ضاعفوا عدد المقاعد التي حصلوا عليها في الانتخابات الأخيرة منذ ثلاث سنوات، فإنه من المستبعد جداً أن يتمكّنوا من تشكيل الحكومة الإقليمية الجديدة، والسبب أن القوى الانفصالية - اليسارية منها واليمينية - عزّزت الغالبية المطلقة التي كانت تملكها مجتمعة في البرلمان. وكانت هذه القوى قد تعاهدت في اتفاق خطي قبل الانتخابات على رفض التحالف مع الحزب الاشتراكي لتشكيل الحكومة الجديدة. ومن ثم، فور صدور النتائج النهائية للانتخابات، وتأكد حصول الأحزاب والقوى المطالبة بالاستقلال على أصوات أكثر من نصف الناخبين - وذلك للمرة الأولى منذ ظهور الحركة الانفصالية - توجّه رئيس الحكومة الإقليمية ومرشّح اليسار الجمهوري بيبي آراغونيس إلى رئيس الحكومة المركزية بيدرو سانتشيز قائلاً: «أزفت ساعة الحوار للاتفاق على صيغة استفتاء حول تقرير المصير وإيجاد حل للأزمة».

صعود «فوكس» المتطرف يقلق اليمين المحافظ
إلى جانب الصعود القوي للاشتراكيين، الذين استعادوا موقع الصدارة في المشهد السياسي الكاتالوني، وتجاوز الانفصاليين عتبة الخمسين في المائة من الأصوات، أفرزت هذه الانتخابات مفاجآت أخرى أعمق تأثيراً في الوضع السياسي العام ويتوقع ألا يتأخر ظهور نتائجها. إذ تمكّن حزب «فوكس» اليميني المتطرف، الذي دخل بقوة إلى البرلمان الوطني للمرة الأولى في الانتخابات العامة الأخيرة، من الحصول على 11 مقعداً في البرلمان الكاتالوني ليحلّ في المرتبة الرابعة. في المقابل، أصيب حزب «مواطنون» الوسطي بهزيمة كبيرة؛ إذ خسر أكثر من نصف المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة، وانهار الحزب الشعبي المحافظ الذي يقود المعارضة في البرلمان المركزي الإسباني في العاصمة مدريد... فلم يحصل سوى على ثلاثة مقاعد.
الآن، يخشى الحزب الشعبي، الذي يتناوب مع الحزب الاشتراكي على الحكم في إسبانيا منذ عودة الديمقراطية بعد وفاة الجنرال فرانشيسكو فرنكو، أن يكون الدخول القوي لمنافسه الرئيسي «فوكس» إلى البرلمان الكاتالوني بداية لصعوده النهائي إلى موقع الحزب اليميني الأول وتزعم المعارضة في البرلمان المركزي.
وحقاً، يدرك الجميع أن حضور «فوكس» بقوة في البرلمان الإقليمي من شأنه تأجيج المشاعر الإقليمية التي كانت تنمو إبان سنوات حكم اليمين المحافظ في مدريد، وتتغذّى من سياسة الرفض القاطع لفتح قنوات الحوار معها. وتجدر الإشارة أن التأييد الذي كانت تحظى به القوى الانفصالية منذ عشر سنوات ما كان يتجاوز الـ20 في المائة، وفق أفضل التقديرات.
على الضفة المقابلة، قطف رئيس الحكومة المركزية والزعيم الاشتراكي بيدرو سانتشيز قطف فوزاً شخصياً ثميناً كان بأمسّ الحاجة إليه داخل حزبه. ذلك أن بعض القياديين الاشتراكيين المنافسين له كانوا يعارضون رهانه على اختيار وزير الصحة السابق سالفادور إيليا لرئاسة اللائحة الاشتراكية، الذي أصرّ هو على أن يكون مرشّح الحزب وليس أمينه العام في كاتالونيا. ويرى المحللون أن النتائج التي جاءت أفضل بكثير حتى مما كان يتوقعه سانتشيز نفسه. وهي بالتالي، ستعزز موقعه في المفاوضات المقبلة مع حزب اليسار الجمهوري الكاتالوني الذي يوفّر لحكومته دعامة أساسية في البرلمان الوطني، الذي من المرجّح أن يتولّى رئاسة الحكومة الإقليمية الجديدة.
وكان الزعيم التاريخي لحزب اليسار الجمهوري أوريول جونكيراس، الذي يقضي عقوبة في السجن لمشاركته في قيادة الحركة الانفصالية، قد صرّح بعد صدور النتائج النهائية قائلاً: «نريد التحالف مع الذين يؤيدون الحكم الذاتي والعفو، ولا مجال للتحالف مع الحزب الاشتراكي الذي هو نقيضنا».

رهان على صفقة يسارية
ولكن رغم حرص زعيم اليسار الجمهوري على قطع الطريق بسرعة أمام احتمال قيام تحالف بين القوى اليسارية لتشكيل الحكومة الإقليمية المقبلة، تشعر أوساط الحزب الاشتراكي بالارتياح لتقدم اليسار الانفصالي، ولو بمقعد واحد، على الحزب الذي يتزعمه بوتشيمون، إذ إن هذا الواقع كافٍ لإقصاء هذا الأخير عن رئاسة الحكومة الإقليمية التي أطلقت شرارة الحركة الانفصالية عندما كان يتولاها. ويعود هذا الارتياح الاشتراكي إلى أن الحزب الذي يتزعمه بوتشيمون - الذي رأس الحكومات الإقليمية السابقة - يدعو إلى إعلان الاستقلال من طرف واحد ضد إرادة الأحزاب المركزية ومن دون التوافق معها، في حين يميل اليسار الجمهوري، الذي هو خصم عقائدي لبوتشيمون، إلى مخرج تفاوضي للأزمة عن طريق استفتاء يتمّ الاتفاق على صيغته وشروطه مع القوى والأحزاب الوطنية... أو في الأقل مع الحكومة المركزية. ويضاف إلى ما سبق أن كثيرين يعتبرون التصعيد الانفصالي الذي يقوده حزب بوتشيمون، بلا ضوابط، مجرّد هروب إلى الأمام، وستاراً من الدخان لتغطية فضائح الفساد التي راكمها هذه الحزب في السنوات الأخيرة، ودفعته إلى تغيير اسمه أكثر من مرة.
الجدير بالذكر، أن نسبة المشاركة في الانتخابات الإقليمية الكاتالونية لم تتجاوز 54 في المائة بحيث إن القوى الانفصالية التي حصلت على أكثر من نصف الأصوات خسرت 630 ألف صوت بالمقارنة مع نتائجها في الانتخابات الأخيرة. وتبيّن القراءة المتأنية لنتائج هذه الانتخابات أن عدد الذين صوّتوا بلغ 2.7 مليون مقابل 4.3 مليون في انتخابات العام 2017، أي بفارق أكثر من مليون ونصف المليون ناخب. وبناءً عليه، يستبعد الخبراء أن يكون هذا الفارق ناجماً عن تأثيرات جائحة «كوفيد - 19» فحسب، بل يرجّحون أن عدداً متزايداً من مؤيدي الحركة الانفصالية أو المتعاطفين معها يعتبر أن نسبة 50 في المائة من أصوات الناخبين ليست كافية لإعلان الاستقلال من طرف واحد... بل هي غير كافية حتى لتعديل نظام الحكم الذاتي.
ومن جهتها، تضغط القوى الاقتصادية في كاتالونيا حالياً «لتبريد» أجواء المواجهة السياسية مع مدريد، وتنفيس الاحتقان الاجتماعي الذي يشهده الإقليم منذ سنوات فيما صار يُطلق عليه «العقد الضائع». ولقد أطلق هذا اللقب وشاع لما تعرّض له القطاع الاقتصادي من خسائر بسبب قلة الاستقرار السياسي والتداعيات المؤذية للحركة الانفصالية. وما يستحق الإشارة إليه في هذا السياق أن عشرات الشركات والمؤسسات الإسبانية والدولية الكبرى، ومئات الشركات الصغيرة والمتوسطة، نقلت بالفعل مقرّاتها خارج كاتالونيا، ما أدى إلى تراجع الناتج القومي الإقليمي إلى المرتبة الثانية وراء العاصمة مدريد للمرة الأولى منذ ثلاثين سنة.

هامش أمل رغم المأزق
للوهلة الأولى، لا تترك نتائج الانتخابات الإقليمية في كاتالونيا هامشاً كبيراً من الأمل أمام الذين يتوقون إلى خروج هذا الإقليم من الطريق المسدود الذي دخل فيه منذ سنوات؛ إذ إن القوى التي تطالب بالاستقلال قد عزّزت غالبيتها في البرلمان، وتاريخها الحديث ينذر بأسوأ الاحتمالات. إلا أن القراءة العميقة للمشهد السياسي الكاتالوني تفتح نوافذ صغيرة على الانفراج، واحتمالات تخفيف الاحتقان الذي بلغ منسوباً خطيراً في الفترة الأخيرة. وهو انفراج بات ضرورياً، وإن لم يكن كافياً، لمعالجة هذه الأزمة التي تكاد تكتسب طابعاً وجودياً عند الأطراف المتنازعة فيها.
فمن جهة، حصل اليسار الجمهوري، الذي يمثّل النسخة البراغماتية للمطلب الانفصالي، على موقع الصدارة للمرة الأولى داخل المشهد الاستقلالي. وعلى الضفة المقابلة، يتصدّر المشهد الحزب الاشتراكي الكاتالوني بقيادة زعامة جديدة منفتحة على الحوار ومدعومة من الحكومة الإسبانبة المركزية.
وصحيح أن الحزب الاشتراكي هو الذي حلّ أولاً في هذه الانتخابات، لكن اليسار الجمهوري هو الوحيد الذي يملك مركزية تتيح تشكيل حكومة قادرة على الحصول على الدعم الكافي داخل البرلمان، إما عبر التحالف مع القوى الانفصالية أو في ائتلاف يساري متعدد الصيغ. غير أنه في ضوء الحدّة التي اتسّم بها الخطاب السياسي إبان الحملة الانتخابية، والاتفاق الذي وقـّعته كل القوى الانفصالية لإقصاء الحزب الاشتراكي عن الحكومة، واقعان يرجّحان كفة تشكيل حكومة انفصالية.
أمر آخر يدخل في الحساب، هو أنه نظراً لصعوبة التحالف بين اليسار الجمهوري واتباع بوتشيمون - كما دلّت كل التجارب السابقة - ليس مستبعداً أن يشكّل اليسار الجمهوري وحده حكومة أقليّة في الإقليم تستند إلى غالبية يسارية في البرلمان لا تشارك في الحكومة. ويرى الذين يدفعون في هذا الاتجاه أن من شأن ذلك أن يمدّ حكومة سانتشيز بجرعة من الاستقرار بعدما تمكن الحزب الاشتراكي الكاتالوني من احتلال المرتبة الأولى، وقطف حليفه اليسار الجمهوري ثمرة سياسة اليد الممدودة إلى مدريد. إلا أن الاختلال الأخطر الذي أحدثته نتائج الانتخابات الإقليمية الكاتالونية يكمن اليوم - لا شك - على الضفة اليمينية من المشهدين السياسيين الإقليمي والوطني. ذلك أن الإهانة التي تعرّض لها الحزب الشعبي على يد اليمين المتطرف ستدفع قيادته، حتماً، إلى إعادة نظر جذرية في استراتيجيتها لإرساء قواعد مشروع جديد معتدل يطمح للعودة إلى الحكم في الانتخابات العامة المقبلة.
أيضاً، لا ريب في أن حزب «مواطنون» الذي مُني بهزيمة مدوّية أيضاً بعد النتائج الباهرة التي حققها في الانتخابات الإقليمية الأخيرة، سيجد نفسه مضطراً لمراجعة خطابه وطروحاته قبل أن يذوب في الأحزاب الأخرى. أما إذا قرر هذان الحزبان الجنوح نحو التطرّف في الملفّ الانفصالي من أجل تطويق «فوكس»، الذي يتمدّد على الصعيدين الإقليمي والوطني، فإن أبواب التصعيد السياسي والاجتماعي ستكون مفتوحة على أسوأ الاحتمالات التي قد توقظ أشباح الماضي غير البعيد... وهو ماضٍ ما زال يرخي بظلاله الثقيلة على المشهد الإسباني.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.