شاشة الناقد

المخرجة رجينا كينغ تدير مشهداً
المخرجة رجينا كينغ تدير مشهداً
TT

شاشة الناقد

المخرجة رجينا كينغ تدير مشهداً
المخرجة رجينا كينغ تدير مشهداً

أربعة رجال في عاصفة
* الفيلم : One Night in Miami
* إخراج: رجينا كينغ
* الولايات المتحدة | دراما (2021)
* تقييم: ****

فيلم الممثلة الأفرو - أميركية رجينا كينغ الأول كمخرجة عمل مفاجئ على أكثر من صعيد.
هو دراما حول أربعة شخصيات معروفة وحقيقية تلتقي في ليلة من المفترض بها أن تكون احتفاء وإعادة الروح لصداقة ربطت بين هؤلاء من قبل. المفاجئ هنا هو الطرح الجديد لفكرة فيلم قائم على حبكة كهذه حيث لا يهم الرأي الواحد المتبادل بين هؤلاء، وهناك الكثير من الآراء، بل آراء الجميع معاً. أيضاً مفاجئ على نحو إيجابي كيف ضخّت كينغ من تجربتها كممثلة بحيث انتقل فهمها للأداء الرصين إلى كل واحد من شخصياتها على تنوّع شخصياتهم. ثم يُضاف إلى ذلك، صعيد الفيلم ككل حيث لا زلّة قدم تطيح بكل الجهود التي وضعها صانعوه فيه.
الملاكم محمد علي (حين كان لا يزال معروفاً باسم كاسيوس كلاي) والداعي السياسي مالكولم أكس الذي كان على وشك الانفصال عن الداعي أليجا محمد وجماعة «أمة الإسلام» والمغني سام وود في قمّة نجاحه ثم الممثل جيم براون الذي كان بدأ يفكّر جدياً باعتزال كرة القدم ومنح التمثيل كل مستقبله، يلتقون للاحتفاء بانتصار محمد علي الأخير على حلبة الملاكمة وتتويجه، والأحداث تقع سنة 1964.
موقع اللقاء شقة في فندق استأجرها مالكولم للغاية. واللقاء يتم بعد التمهيد بعرض موجز لوضع كل من هؤلاء قبل لقائهم هذا. وهو تمهيد يقود مباشرة إلى البحث في العلاقة التي تربط كل واحد من هؤلاء بالآخر وتربطه في الوقت ذاته إلى الوضع السياسي المتأزم في واحدة من السنوات التي شهدت ذروة المشاكل العنصرية في البلاد وبعد اغتيال الداعي مارتن لوثر كينغ وقبل سنتين من اغتيال مالكولم أكس ذاته.
كلاي كان قبل اعتناق الإسلام بدعوة من مالكولم أكس والكثير من الحوار بين هذا الرباعي ينطلق من نيّة محمد علي ليدر عن الإسلام والعنصرية عموماً. مالكولم يروّج لسياسة مناوأة العنصرية سياسياً. ينتقد الوضع القائم حيث الأميركي محكوم بلون بشرته وحيث السُلطة تدفع باتجاه الدفاع عن المؤسسة كما هي. المواجهة المحورية تدور بينه وبين المغني سام وود. هنا يرى مالكولم إكس إن وود باع نفسه، من خلال أغانيه، لتكريس الوضع القائم، إذ تخلو أغانيه من أي روح نقد أو مقاومة. وسام وود يدافع عن غنائه بأن الفن يأتي أولاً وأنه، كمنتج، يساعد الكثير من ذوي البشرة السوداء.
إذ نراقب ما يدور وننصت لما نسمعه ينتقل النقاش الحاد بدراية مسرحية خبيرة. تمنح المخرجة كل من الداعي والمغني الوقت الكافي للتعبير عن وجهة نظره وما أن تميل، كمشاهد، لوجهة نظر الأول حتى تأتيك وجهة نظر ثانية لا تقل صواباً.
الخلاف يتسع هنا ثم يترك أثراً إيجابياً على الجميع. لن يتكرر اللقاء بينهم لكن سام وود سيؤلف لاحقاً أغنيته الشهيرة «ولدت على جانب النهر» ليعكس فيها نداء مالكولم إكس له بتوجيه أغانيه لتصبح هادفة.
تشذيب الحديقة |
Taming the Garden
***
* إخراج: سالوما ياشي
* جورجيا | تسجيلي (2021)

أثار هذا الفيلم إعجاباً كبيراً في دورة هذا العام من مهرجان صندانس الأميركي. رئيس وزراء جيورجي سابق يبعث باختصاصيين لاقتلاع الأشجار المميّزة بحجمها أو جمالها من غابات جورجيا وقراها ونقلها إلى حديقته. للمخرجة منوالها من العرض الهادئ لفعل مؤلم وغريب. مشكلته في النهاية تصوير الحديقة بجمالها كما لو أنها تمنح مالكها تبريراً.

عاش يا كابتن
**
* إخراج: مي زايد
* مصر | تسجيلي (2020)

استعرضت بعض شخصيات هذا الفيلم التسجيلي عن رافعة الأثقال الشابة زبيبة، قدراتهن على رفع الحديد خلال عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير. لكن الفيلم في واقعه كان يحتاج لرفع من نوع آخر ينقله من منهج تقليدي في العرض إلى البحث عن أسلوب بصري أمضى وأفضل. على كل نيّاته الطيّبة هو فيلم موضوع منفّذ بأقل قدر من الإبداع.

أخبار طارئة | Breaking News
***
* إخراج: تايت تايلور
* الولايات المتحدة | دراما (2021)

هناك زوجة محرومة من الألفة والحب وبلدة مستعدة لالتهام أي حدث يقع لها في هذا الفيلم التشويقي حول الزوجة (أليسون جيني) كحالة فردية ذات انعكاسات اجتماعية. هذا يوم مولدها ولا أحد يهتم إلا عندما تعلن للإعلام بأن زوجها (ماثيو مودين) مفقود. في الواقع قتلته عندما ضبطته مع عشيقته. للمخرج تات تايلور حسناته التي تهيؤ بعضنا للمتابعة بشغف.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).