الطفرات والسلالات الجديدة تهدد بإقفال الحدود الداخلية لأوروبا

عنصرا أمن على الحدود النمساوية - الألمانية أمس (أ.ف.ب)
عنصرا أمن على الحدود النمساوية - الألمانية أمس (أ.ف.ب)
TT

الطفرات والسلالات الجديدة تهدد بإقفال الحدود الداخلية لأوروبا

عنصرا أمن على الحدود النمساوية - الألمانية أمس (أ.ف.ب)
عنصرا أمن على الحدود النمساوية - الألمانية أمس (أ.ف.ب)

يتزايد القلق في المفوضية الأوروبية من تداعيات انتشار الطفرات والسلالات الفيروسية الجديدة على حريّة التنقّل عبر الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي، وذلك بعد التدابير التي اتخذتها بعض البلدان بإقفال حدودها بوجه الوافدين من المناطق التي تسجّل سرياناً واسعاً لهذه السلالات والطفرات.
وتخشى المفوضية أن يؤدي هذا الوضع لتكرار أزمة الحدود التي شهدها الاتحاد في ربيع العام الفائت بعد ثلاثة أشهر من ظهور الجائحة. وكما حصل في العام الماضي، كانت ألمانيا الدولة الأولى التي فرضت قيوداً صارمة على عبور المركبات والأشخاص إلى أراضيها، ما أدى إلى ظهور طوابير طويلة من الشاحنات والسيّارات وراء حدودها مع النمسا والجمهورية التشيكية. ويُخشى أن تلجأ دول أخرى، مثل إيطاليا والدنمارك، إلى فرض تدابير مماثلة في الأيام القليلة المقبلة.
وتكتفي المفوضية في الوقت الحاضر بتذكير الدول الأعضاء بواجب إبقاء الحدود مفتوحة أمام نقل البضائع، لعدم عرقلة سلاسل التوريد، وتنقّل العمّال الذين يؤدون خدمات أساسية في البلدان المجاورة. لكنها بدأت تخشى من عواقب ارتفاع التوتّر الذي تشهده العلاقات بين برلين والعواصم المجاورة واحتمال انتقاله إلى عواصم أخرى، بما يهدّد مرة أخرى منطقة «شنغين» التي تحرص المفوضية أشد الحرص على حرية التنقّل داخلها.
ومنذ مطلع الشهر الفائت عندما بدأت الطفرات والسلالات الجديدة بالانتشار داخل الاتحاد الأوروبي تبلغت المفوضية من ست دول، هي فنلندا والمجر وبلجيكا والنمسا وإسبانيا والنرويج والبرتغال وألمانيا، قرارها بإعادة فرض تدابير مراقبة عند بعض نقاط العبور على حدودها الداخلية. وتسهر المفوضية على أن تكون التدابير المفروضة متناسبة مع خطر انتشار الوباء، وألا تؤدي إلى عرقلة السوق الداخلية للاتحاد أو إلى التقييد المفرط لحريّة التنقّل.
لكن المسؤولين في المفوضية لا يخفون قلقهم من التدابير التي اتخذتها بعض الدول، مثل بلجيكا التي قررت إعادة فرض إجراءات المراقبة على جميع حدودها، وألمانيا التي أوقفت منذ الأحد الماضي حرية عبور حدودها البريّة مع النمسا والجمهورية التشيكية.
ويذكر أن المجلس الأوروبي كان قد اتخذ قراراً مطلع هذا الشهر بعدم فرض الفحوصات على عمّال قطاع النقل، أو أن يُكتفى بالفحص السريع عند الضرورة. كما اعتمد المجلس آنذاك قراراً باستحداث فئة جديدة على الخريطة الوبائية هي «الأحمر القاتم» للإشارة إلى المناطق التي تسجّل أكثر من 500 إصابة بالفيروس لكل مائة ألف مواطن على مدى 14 يوماً، بحيث يجوز للدول عزل هذه المناطق وتقييد الحركة منها وإليها، لكن من غير وقف حركة النقل والمواصلات.
لكن القيود التي فرضتها ألمانيا على حدودها مع الجمهورية التشيكية تؤدي منذ مطلع هذا الأسبوع إلى تشكيل طوابير طويلة من الشاحنات يضطر سائقوها للانتظار أكثر من ست ساعات للدخول إلى بعض المناطق الألمانية. وتجدر الإشارة أن ما يزيد على 34 ألف مواطن تشيكي يعبرون الحدود يومياً للعمل في ألمانيا، منهم 1500 في قطاع الصحة.
وكانت المستشارة الألمانية قد حذّرت مطلع هذا العام من أنها لن تسمح بالتنقلات غير الضرورية إلى أراضيها حتى السيطرة الكاملة عل الوباء. ويذكر أن معدّل الإصابات بـ(كوفيد - 19) في ألمانيا يتراجع للأسبوع الرابع على التوالي حيث وصل إلى 137 إصابة لكل مائة ألف مواطن يوم الاثنين الماضي، فيما بلغ هذا المعدّل 964 في الجمهورية التشيكية المجاورة. والمعروف أن ألمانيا تعيش تحت الإقفال شبه التام منذ أواخر العام الفائت، حيث أقفلت الفنادق والمقاهي والمتاجر غير الأساسية والمدارس وتوقفت الأنشطة الثقافية.
وكان رئيس حكومة إقليم بافاريا قد أعلن الثلاثاء أن مناطق الإقليم المحاذية للجمهورية التشيكية يصل فيها معدّل الإصابات إلى 300 لكل مائة ألف مواطن، بينما في المناطق الأخرى من الإقليم لا يتجاوز 60 إصابة. وقال إن هذه التدابير ليست إقفالاً للحدود، بل هي إجراءات مؤقتة واستثنائية.
أما قرار إقفال الحدود الألمانية مع النمسا فهو يعود إلى وجود بؤرة إصابات بالسلالة الفيروسية التي ظهرت في جنوب أفريقيا في منطقة «تيرول» حيث أفادت السلطات الصحية عن رصدها أكثر من 250 إصابة يوم الأحد الفائت. ويذكر أن هذه المنطقة النمساوية، وبخاصة منتجع التزلّج الشهير فيها، كانت البؤرة الأساسية لانتشار الفيروس في أوروبا أواسط مارس (آذار) من العام الماضي.
ومن القطاعات التي تخشى تداعيات إقفال الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي أو عرقلتها، قطاع صناعة السيارات الذي يعتمد على شبكة واسعة لتوريد قطع الغيار موزّعة في طول الاتحاد وعرضه. ويتخوّف المسؤولون في هذا القطاع من أن يؤدي إقفال الحدود إلى تراجع الإنتاج وفقدان عدد كبير من فرص العمل.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟