نصر الله «يتفهّم» هواجس الحريري ويطلب توسيع الحكومة لاسترضاء باسيل

حاول الجمع بين موقفيهما المتناقضين من «الثلث الضامن» تحت سقف واحد

TT

نصر الله «يتفهّم» هواجس الحريري ويطلب توسيع الحكومة لاسترضاء باسيل

لم يطرح الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، في خطابه الذي ألقاه، ليل أول من أمس، أي جديد يتعلق بأزمة تشكيل الحكومة يمكن التعويل عليه وتطويره باتجاه فتح ثغرة في الحائط المسدود الذي يؤخر ولادتها بمقدار ما أنه جاء توصيفاً لواقع الحال المأزوم، خصوصاً أن تفهّمه لموقف الرئيس المكلف سعد الحريري من وزارة الداخلية ومن رفضه إعطاء الثلث الضامن لأي حزب لا يُصرف سياسياً في عملية التأليف، ما دام ربطه بعدم تفهّمه لإصرار الحريري على حكومة من 18 وزيراً بدلاً من رفع العدد إلى 20 أو 22 وزيراً لتمثيل شرائح سياسية.
فالتسوية التي طرحها نصر الله باقتراحه زيادة عدد الوزراء، بذريعة أنها تشكّل المعالجات الممكنة أو المعقولة التي تُخرج من الطريق المسدود تتعارض، كما تقول مصادر سياسية، مع آلية الطريق لتشكيل الحكومة لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار هواجس الحريري الرافض إعطاء الثلث الضامن لرئيس الجمهورية ميشال عون بالنيابة عن رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل.
وتسأل المصادر نفسها: كيف يوفّق نصر الله بين تفهّمه لهواجس الحريري ودعوته إلى توسيع الحكومة لضمان تمثيل شرائح سياسية متحالفة مع عون - باسيل، وتؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن مجرد موافقة الحريري على مبدأ توسيعها يعني أن يوافق على إتاحة الفرصة لهما بتأمين حصولهما على الثلث الضامن، وبصورة تلقائية هذه المرة، لأن زيادة العدد سيكون لمصلحتهما؛ سواء بتمثيل النائب طلال أرسلان أو الكاثوليك.
وترى أن مطالبة نصر الله بزيادة عدد أعضاء الحكومة يمكن أن تفتح الباب أمام إحياء البحث في أن تشكّل حكومة مهمة من خليط يجمع بين وزراء من التكنوقراط وآخرين من القوى السياسية، وهذا ما يقود حتماً إلى تجويف المبادرة الفرنسية من مضامينها، وبذلك يفقدها إمكانية تسويقها لدى المجتمع الدولي واستعادتها لثقة اللبنانيين.
وتعتقد هذه المصادر أن نصر الله بتفهمه لهواجس الحريري أراد أن يعطيه بيده اليمنى، في مقابل إعطائه الفرصة وبيده اليسرى لباسيل للحصول على الثلث الضامن، وتقول إن عون كان تخلى عن دوره المفاوض في مسألة تشكيل الحكومة، وبادر إلى تجييره لمصلحة وريثه السياسي باسيل الذي يتصرف على أنه الآمر الناهي، وبالتالي يعود له القرار النهائي في عملية التأليف.
وتلفت إلى أن عون ينظر إلى باسيل على أنه يشكل خط الدفاع الأول لوضع العراقيل أمام الرئيس المكلّف لعله يدفع به إلى الاعتذار، ما لم يخضع لشروطه التي تعيده إلى طاولة المفاوضات، مع أنه يدرك أن الحريري لن يتخلى عن تكليفه تشكيل الحكومة، وتقول إن نصر الله لم يقفل الباب في وجه حليفه للحصول على الثلث الضامن، بدلاً من أن يؤمّن له «حزب الله» هذا الثلث.
وتعزو السبب إلى أمرين؛ الأول: يحاول نصر الله أن ينأى بنفسه بأن يكون «حزب الله» شريكاً لباسيل لضمان حصوله على الثلث الضامن لئلا يستفز الشارع السنّي، في الوقت الذي يحرص فيه على قطع الطريق لاستحضار جولات جديدة من الاحتقان المذهبي والطائفي، وتحديداً بين السنة والشيعة، فيما الأمر الثاني يتعلق بحرصه على وحدة الموقف الشيعي بعدم الالتفاف على موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي يرفض إعطاء أي طرف الثلث الضامن وأولهم «التيار الوطني الحر»، وهذا ما عكسه في مبادرته الإنقاذية التي قوبلت برفض من عون بالنيابة عن باسيل.
لذلك، فإن تفهّم نصر الله لهواجس الحريري (بحسب المصادر) يبقى في حدوده الإعلامية، ما لم يُقرن تفهّمه برفضه لحصول باسيل على الثلث الضامن سواء مباشرة أو من خلال حلفائه بتوسيع الحكومة، خصوصاً أنهم أقرب إليه من حليفه ولديه القدرة في منعهم من الارتماء سياسياً في أحضانه، لئلا يستغل تمثيلهم للإيحاء بأن المشكلة ليست محصورة بينه وبين الحريري، وإنما هناك قوى من طوائف أخرى لا تزال على خلاف معه لاستبعادهم من تمثيلهم في الحكومة.
وعليه، فإن نصر الله بدعوته لتوسيع الحكومة أراد أن يُدخل تعديلاً على المشاورات الجارية لتأليفها من شأنه أن يخفف من منسوب الإحراج المحلي والدولي الذي يحاصر باسيل لجهة تحميله وعون مسؤولية وضع العراقيل لتأخير ولادتها، وإلا فكيف يجمع بين الضدّين تحت سقف واحد، وتحديداً بين تفهّمه لهواجس الحريري ودعوته لتمثيل قوى جديدة في الحكومة تتموضع في منتصف الطريق بين باسيل و«حزب الله»، وإن كانت أقرب بكثير إلى الأخير من حليفه.
وأخيراً، فإن دعوة نصر الله لتوسيع الحكومة تعني (كما تقول المصادر) أنه يُطلق يد باسيل للحصول على الثلث الضامن الذي لا يستطيع تأمينه ما لم يتلقّ حلفاء الحزب غمزة منه تصب في مصلحته، مع أن نصر الله كان وافق على أن تتشكّل الحكومة من 18 وزيراً قبل أن يبادر إلى معاودة النظر في موقفه الذي فتح الباب أمام التأويل والاجتهاد اللذين يمكن لباسيل الإفادة منهما.
على كل حال، فإن موقف نصر الله من الحكومة سيؤدي إلى تمديد الأزمة، وكأنه (بحسب المصادر) ليس في عجلة لتأليفها، بعد أن أعاد التأخير إلى الخلافات في الداخل، نافياً ربط ولادتها بانتظار الملف النووي، مؤكداً في الوقت ذاته أن الجميع يريدون تأليفها، لكن كيف ومتى؟ ما دام نصر الله تصرّف في خطابه وكأنه يشغل حالياً موقع المراقب لما يدور، وبالتالي يقف على الحياد ويحرص على توصيف الأسباب الكامنة وراء تعثر ولادة الحكومة، ما يعني أنه يعفي حزبه من التدخل لتذليل العقبات.



سكان في غرب اليمن يكابدون للحصول على المياه النظيفة

انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
TT

سكان في غرب اليمن يكابدون للحصول على المياه النظيفة

انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)

مع دخول الحرب التي أشعلها الحوثيون عامها العاشر، لا يزال ملايين من النازحين يعانون جراء غياب الخدمات ويعيشون في تجمعات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، حيث تشكل أزمة المياه النظيفة في مناطق الساحل الغربي لليمن واحدة من صور المعاناة التي يعيشها النازحون بسبب الحرب.

يقول حسن، وهو أب لأربعة أطفال وصل إلى منطقة «يختل» قبل خمس سنوات، إنهم يسيرون لساعات من أجل جلب بضعة صفائح من الماء، وفي بعض الأيام، يعود وأطفاله خالي الوفاض، حيث يبدو أن المياه تفرّ بعيداً عن متناول اليد.

الصراع من أجل المياه في اليمن تفاقم بسبب سنوات الحرب (الأمم المتحدة)

ولأن الحرب أجبرت أكثر من 4.5 مليون يمني على ترك منازلهم، فقد لجأ الكثير منهم إلى قرى ريفية مثل «يختل» القريبة من ميناء المخا على ساحل البحر الأحمر، ومع وصول المزيد من الأسر النازحة، وغالباً لا يحملون سوى الملابس على ظهورهم، زاد الضغط على الموارد الشحيحة بالفعل.

وفي ظل هذه الظروف، يتنافس السكان المتزايدون على الوصول إلى المياه والمأوى والخدمات الأساسية؛ مما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي يواجهها كل من النازحين والسكان المحليين. كما أدى انخفاض خصوبة التربة وزيادة ملوحة مصادر المياه وارتفاع مستويات سطح البحر إلى تهديد الزراعة على طول الساحل الغربي، خصوصاً في هذه المنطقة.

لهذا؛ يجد سكان المنطقة، الذين اعتمدوا في السابق على الزراعة على نطاق صغير لإعالة أسرهم، أنه من المستحيل تقريباً زراعة المحاصيل أو إطعام مواشيهم، حيث أصبح المناخ معادياً بشكل متزايد لأساليب الزراعة التقليدية.

كما أن صيد الأسماك على نطاق صغير، الذي كان أيضاً شريان حياة للاقتصاد المحلي، في انحدار. ومع فشل المحاصيل وتناقص مخزون الأسماك، أصبح لدى السكان خيارات أقل.

مهمة صعبة

يقرّ محمد علي، وهو أحد سكان «يختل» بالصعوبة، حيث يستيقظ كل يوم قبل الفجر للبحث عن الماء، وهي مهمة تستهلك صباحاته وتستنزف طاقته، كما أن رحلاته اليومية إلى نقاط المياه المشتركة محفوفة بعدم اليقين، هل سيجد ما يكفي من المياه لأسرته أم لا.

وفق المنظمة الدولية للهجرة، تفاقم الصراع من أجل المياه بسبب سنوات الحرب التي دمَّرت البنية الأساسية التي كانت ذات يوم حيوية للبقاء؛ لأن نظام المياه، الذي تم بناؤه في الأصل لخدمة 200 منزل، أصبح الآن ممتداً إلى ما هو أبعد من حدوده، في محاولة لتلبية احتياجات أكثر من 1500 أسرة، بما في ذلك مئات النازحين الذين هربوا من العنف في مناطق خطوط التماس بين القوات الحكومية والحوثيين.

البحث اليومي عن المياه يستهلك وقت الأسر وطاقتها لفترة طويلة (الأمم المتحدة)

من خلال إعادة تأهيل خطوط الأنابيب وبناء نقاط مياه جديدة، ساعدت تدخلات المنظمة الأممية في تخفيف العبء على الأسر وتخفيف الصراع على الموارد. كما يعالج المشروع المخاطر الصحية من خلال ضمان حصول كل من المجتمعات المضيفة والأسر النازحة على وصول موثوق به إلى المياه النظيفة.

وجزءاً من هذه الجهود في منطقة «يختل»، يتم توسيع شبكة توزيع المياه. ويشمل ذلك تركيب أنابيب أكبر وبناء مرافق تخزين مياه إضافية، وضمان توزيع العرض المحدود بكفاءة عبر المجتمع.

وبحسب المنظمة الأممية، تم إدخال أنظمة ضخ المياه بالطاقة الشمسية؛ مما يوفر مصدر طاقة مستداماً يقلل من الاعتماد على الوقود الباهظ الثمن وغير المتاح في كثير من الأحيان، ومساعدة المجتمعات على تحمل التقلبات الجوية المتطرفة مثل الفيضانات بشكل أفضل.

مساعدة على الصمود

تتضمن جهود منظمة الهجرة الدولية ترقية نظام المياه لتحسين قدرته على الصمود في مواجهة الفيضانات، والتخطيط بعناية لتجنب المناطق المعرضة للفيضانات وإنشاء تدابير وقائية، بالإضافة إلى ذلك، سيتم تركيب أجهزة تعقيم المياه بالكلور الأوتوماتيكية لتطهير المياه.

وبينما يتم إحراز تقدم في منطقة «يختل»، تستمر صراعات مماثلة في أجزاء أخرى من الساحل الغربي اليمني وفقاً للمجتمع الإغاثي، ففي مخيم للنازحين في حيس، يشارك سامي، وهو أب لاثني عشر طفلاً، قصة مألوفة عن المشقة، ويذكر أن معظم الأشخاص الذين يذهبون لجلب المياه هم من الأطفال؛ فهم لا يذهبون إلى المدرسة لأنهم مضطرون إلى المساعدة.

الجفاف يهدد مناطق واسعة باليمن مما يتسبب في شح المياه (إ.ب.أ)

تؤكد المنظمات الإغاثية أن عدم القدرة على الحصول على المياه النظيفة أدى إلى حرمان أطفاله من التعليم؛ مما أجبرهم على القيام بدورة من الأعمال المنزلية اليومية.

وبغرض معالجة النقص الحاد في المياه، تشرف منظمة الهجرة الدولية على بناء بئر جديدة من شأنها أن توفر مياه نظيفة وموثوقة لآلاف الأسر النازحة والمجتمعات المضيفة.

تجزم المنظمات الإغاثية أنه ومن خلال توفير هذا المصدر الثابت للمياه، سيتم تخفيف العبء المادي على الأسر وتقليل المخاطر الصحية المرتبطة بالمياه الملوثة، لكن رغم ذلك، تظل التحديات هائلة، حيث يستمر تغير المناخ والأحداث الجوية المتطرفة في جميع أنحاء اليمن في تضخيم أزمة المياه؛ مما يزيد من ضغوط الصراع والنزوح.