مصر تواصل تضييق الخناق على السوق السوداء للدولار وخسائر فادحة للمتعاملين

التخفيض العاشر على التوالي للجنيه في السوق الرسمية

مصر تواصل تضييق الخناق على السوق السوداء للدولار وخسائر فادحة للمتعاملين
TT

مصر تواصل تضييق الخناق على السوق السوداء للدولار وخسائر فادحة للمتعاملين

مصر تواصل تضييق الخناق على السوق السوداء للدولار وخسائر فادحة للمتعاملين

لم يتسن لأحد المتعاملين في السوق السوداء للدولار بمصر اتخاذ إجراءات احترازية مع استمرار الضربات التي يوجهها البنك المركزي المصري للسوق الموازية في مصر التي لاقت رواجا كبيرا في أعقاب ثورة 25 يناير. وبنبرة يملأها الحزن يقول: محمود.ع، أحد المتعاملين في السوق السوداء للدولار الذي رفض الكشف عن هويته كاملة لتجريم السوق الموازية في مصر، لـ«الشرق الأوسط»: «اشتريت الدولار من السوق السوداء حينما كانت الأسعار في قمتها حول مستوى 7.9 للجنيه».
ويضيف: «وبعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذها البنك، هبطت الأسعار في السوق السوداء إلى نحو 7.74 جنيه للبيع. لا أحد يشتري أو يبيع في الوقت الحالي في انتظار ما ستؤول إليه الأمور».
وبدأ البنك المركزي المصري في السماح للجنيه بالهبوط مقابل الدولار قبل نحو أسبوعين في خطوة إصلاحية هامة قبيل قمة مارس (آذار) الاقتصادية التي تعول القاهرة عليها لجذب استثمارات أجنبية تدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام في بلد يعاني من الاضطرابات بعد القيام بثورتين. ومنذ سماح البنك للجنيه بالتراجع، فقدت العملة المصرية نحو 5 في المائة من قيمتها في مقابل الدولار، ما قلص الفارق بين السعر الرسمي في البنوك وسعر السوق السوداء.
وأمس الاثنين، هبط الجنيه المصري إلى مستوى قياسي جديد مسجلا 7.53 جنيه للدولار في أحدث مزاد للبنك المركزي، كما واصل الهبوط في البنوك ليصل إلى 7.63 جنيه. وهذا هو عاشر تخفيض رسمي للجنيه من خلال عطاءات البنك المركزي.
وعرض البنك المركزي، 40 مليون دولار للبيع وباع 38.4 مليون دولار، إذ بلغ أقل سعر مقبول 7.5301 جنيه مقارنة مع 7.5101. الأحد.
وبدأ البنك المركزي منذ أسبوعين السماح للجنيه بالانخفاض عن 7.14 جنيه للدولار للمرة الأولى في 6 أشهر، بينما تسعى مصر للتصدي للسوق السوداء وتشجيع الاستثمار.
وفي خطوة جيدة للبنك المركزي لتضييق الخناق على السوق السوداء، سمح البنك المركزي للبنوك في نهاية الأسبوع الماضي بتوسيع هامش بيع وشراء الدولار إلى 10 قروش، مما دفع العملة للنزول إلى 7.59 جنيه. وقال محلل لـ«الشرق الأوسط» إن تلك الخطوة ستعجل بالقضاء على السوق السوداء للدولار كما كان مستهدفا من قبل البنك المركزي قبيل قمة مارس الهامة.
وأوضح هاني جنينة، كبير المحللين لدى فاروس للأبحاث، لـ«الشرق الأوسط»: «ستختفي السوق السوداء قريبا جدا ليعود الوضع عما كان عليه قبيل 2011».
وازدهرت السوق السوداء للدولار في مصر بشدة خلال حقبة التسعينات من القرن الماضي واختفت تماما في مطلع القرن الجاري، لتعاود الظهور بقوة مع مراهنة المتعاملين في السوق على تراجع الاحتياطات الأجنبية لأكبر بلد عربي من حيث عدد السكان.
ويقول محمود، الذي يؤكد على حداثة عهده بالتعامل في السوق السوداء للدولار: «أكد لي أحد الأصدقاء الذي له باع طويل في التعامل بتجارة العملة أن مكاسب الاستثمار في السوق السوداء لا يضاهيها مكسب آخر مع الهبوط الحاد في احتياطات العملة الصعبة».
وخسر احتياطي النقد الأجنبي نحو 1.576 مليار دولار خلال شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) الماضيين، ووصل إلى مستوى 15.333 مليار دولار بنهاية العام الماضي بعد أن بلغ نحو 36 مليار دولار قبيل اندلاع ثورة 25 يناير 2011. وارتفع الدولار من 6.04 جنيه للشراء و6.07 جنيه للبيع في يونيو (حزيران) 2012. إلى نحو 6.99 جنيه للشراء و7.01 جنيه للبيع في نهاية يونيو 2013. واستقر متوسط سعره خلال العام الماضي عند 7.14 جنيه.
كما تواصل القاهرة الوفاء بديونها حيث سددت مصر خلال الفترة الماضية مستحقات لشركات الطاقة الأجنبية بلغت نحو 2.1 مليار دولار، بالإضافة إلى دفع قسط نادي باريس الذي تبلغ قيمته نحو 700 مليون دولار.
يتابع محمود: «حتى اليورو هو الآخر، الذي وضعت فيه جزءا من الأموال، يسجل خسائر فادحة».
وتراجع اليورو، العملة الأوروبية الموحدة، نحو 7 في المائة خلال تعاملات الأسبوع الماضي مقابل الجنيه المصري بعد أن أقر البنك المركزي الأوروبي حزمة تحفيز تبلغ نحو 60 مليار يورو شهريا، وهو ما أدى إلى تراجعه أمام سلة العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار.
ولم يعلق البنك المركزي حتى الآن على هبوط الجنيه مقابل الدولار، ولكن محافظ البنك هشام رامز توعد السوق السوداء خلال تصريحات صحافية في أواخر العام الماضي.
وفيما يبدو، فإن المركزي المصري ماض نحو إصلاح سعر الصرف، بدا أن تلك الخطوة ستلقي بظلالها على الأسعار في بلد يستورد الجزء الأكبر من احتياجاته في مجالات الغذاء والطاقة بالعملة الصعبة.
وقال هاني عمارة، اقتصادي أول لدى سي أي فايننشيال سرفيس: «قد يكون التوقيت الذي اختاره البنك جيدا للسماح بالجنيه بالهبوط مقابل الدولار مع تراجع أسعار السلع العالمية جراء هبوط أسعار النفط، ولكن كان يتعين على الحكومة في نفس التوقيت تشديد الرقابة على الأسواق المحلية فالكثير من التجار يلجأون لرفع فوري لأسعار السلع بمجرد هبوط الجنيه حتى وإن تراجعت أسعار تلك السلع المستوردة من الخارج».
وتراجع معدل التضخم السنوي الأساسي في مصر إلى 7.69 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) من 7.81 في المائة في الشهر السابق في رابع تراجع متتال له على أساس شهري. وارتفع التضخم بشدة بعد أن قلصت الحكومة الدعم في يوليو (تموز) الماضي عندما رفعت أسعار الوقود بما يصل إلى 78 في المائة.
ويتابع عمارة: «سترتفع بكل تأكيد أسعار السلع المستوردة من الخارج، أو التي يدخل في تكوينها مواد يتم استيرادها من الخارج». وتستورد مصر شهريا سلعا من الخارج قيمتها 5 مليارات دولار وفقا لبيانات مستقاة من موقع البنك المركزي المصري على الإنترنت.
وعلى الأرض، بدأت بعض الشركات تستعد لرفع أسعار منتجاتها بما يتوافق مع الهبوط الجديد للعملة الرسمية في مصر.
وقال مصدر في غرفة الصناعات الغذائية، التابعة لاتحاد الصناعات المصرية، لـ«الشرق الأوسط» إن نحو 5 شركات تابعة للغرفة تستعد لتحريك الأسعار بنسب تتراوح ما بين 10 - 15 في المائة مع ارتفاع قيمة المواد التي يتم استيرادها من الخارج والتي تدخل في منتجاتها النهائية.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: «ستبدأ عملية تحريك الأسعار خلال الشهر الجاري».
فيما تؤكد التصريحات الرسمية على انخفاض أسعار السلع، حيث قال وزير التموين المصري في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي بأعقاب السماح للجنيه بالهبوط إن وزارته تتابع عن كثب أسعار السلع حيث شهدت الأسواق انخفاض السلع الأساسية، فيما ارتفعت بعض أسعار السلع غير الأساسية على حد توصيفه.



مؤشر التضخم المفضل لـ«الفيدرالي» يرتفع مجدداً

شخص يتسوق لشراء الطعام في أحد المتاجر الكبرى استعداداً لعيد الشكر في شيكاغو (رويترز)
شخص يتسوق لشراء الطعام في أحد المتاجر الكبرى استعداداً لعيد الشكر في شيكاغو (رويترز)
TT

مؤشر التضخم المفضل لـ«الفيدرالي» يرتفع مجدداً

شخص يتسوق لشراء الطعام في أحد المتاجر الكبرى استعداداً لعيد الشكر في شيكاغو (رويترز)
شخص يتسوق لشراء الطعام في أحد المتاجر الكبرى استعداداً لعيد الشكر في شيكاغو (رويترز)

تسارعت زيادات الأسعار للمستهلكين في الشهر الماضي، مما يشير إلى أن التراجع المستمر في التضخم على مدار العامين الماضيين قد بدأ يواجه تحديات.

ووفقاً لمؤشر التضخم المفضل لدى «الاحتياطي الفيدرالي»، ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 2.3 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب بيانات وزارة التجارة التي نُشرت يوم الأربعاء. وتجاوزت هذه الزيادة معدل 2.1 في المائة الذي تم تسجيله في سبتمبر (أيلول)، على الرغم من أنها تبقى أعلى قليلاً من هدف «الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

من جهة أخرى، وفيما يتعلق بأسعار «الأساس» التي تستثني العناصر المتقلبة مثل الطعام والطاقة، فقد ارتفعت بنسبة 2.8 في المائة في أكتوبر مقارنة بالعام الماضي، مقابل 2.7 في المائة في سبتمبر. وتعتبر الأسعار الأساسية مقياساً بالغ الأهمية لدى الاقتصاديين، لأنها توفر رؤية أكثر دقة حول الاتجاه المستقبلي للتضخم.

وشهد التضخم انخفاضاً كبيراً منذ بلوغه ذروته عند 7 في المائة في منتصف عام 2022، وفقاً للمقياس المفضل لدى «الاحتياطي الفيدرالي». ومع ذلك، لا يزال التضخم الأساسي السنوي ثابتاً عند 2.8 في المائة منذ فبراير (شباط). ويستمر الارتفاع في أسعار الخدمات، مثل إيجارات الشقق، ووجبات المطاعم، وتأمين السيارات والمنازل.

كما أظهر التقرير الصادر يوم الأربعاء أن الدخل والإنفاق لدى الأميركيين ما يزالان قويين، وهو ما يعد أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار نمو الاقتصاد هذا العام رغم المخاوف واسعة الانتشار من حدوث تباطؤ اقتصادي. فقد نما الدخل الشخصي بنسبة 0.6 في المائة من سبتمبر إلى أكتوبر، وهي زيادة تفوق التوقعات، في حين ارتفع الإنفاق الاستهلاكي بنسبة ثابتة بلغت 0.4 في المائة الشهر الماضي.