كيف يمكن أن تسهم جدة في تحسين الأمن المائي السعودي؟

أبحاث من «كاوست» حول عواصف الأمطار فوق المدن الصحراوية

صورتان بالأقمار الصناعية تُظهِران التغيرات التي طرأت على غطاء الأراضي الحضرية في جدّة خلال العقود الثلاثة الماضية • بحر – (الأزرق الغامق). • مياه – (الأزرق الفاتح).• أراضٍ ذات غطاء نباتي قليل – (الأصفر). • أراضي شجيرات – (الوردي).• منطقة حضرية – (الأحمر)
صورتان بالأقمار الصناعية تُظهِران التغيرات التي طرأت على غطاء الأراضي الحضرية في جدّة خلال العقود الثلاثة الماضية • بحر – (الأزرق الغامق). • مياه – (الأزرق الفاتح).• أراضٍ ذات غطاء نباتي قليل – (الأصفر). • أراضي شجيرات – (الوردي).• منطقة حضرية – (الأحمر)
TT

كيف يمكن أن تسهم جدة في تحسين الأمن المائي السعودي؟

صورتان بالأقمار الصناعية تُظهِران التغيرات التي طرأت على غطاء الأراضي الحضرية في جدّة خلال العقود الثلاثة الماضية • بحر – (الأزرق الغامق). • مياه – (الأزرق الفاتح).• أراضٍ ذات غطاء نباتي قليل – (الأصفر). • أراضي شجيرات – (الوردي).• منطقة حضرية – (الأحمر)
صورتان بالأقمار الصناعية تُظهِران التغيرات التي طرأت على غطاء الأراضي الحضرية في جدّة خلال العقود الثلاثة الماضية • بحر – (الأزرق الغامق). • مياه – (الأزرق الفاتح).• أراضٍ ذات غطاء نباتي قليل – (الأصفر). • أراضي شجيرات – (الوردي).• منطقة حضرية – (الأحمر)

تمثل العواصف الشتوية التي تجلب أمطاراً غزيرة ورياحاً شديدة وفيضانات مفاجئة ناجمة عن السيول، التهديد المناخي الرئيسي الذي تواجهه مدينة جدة الساحلية. ففي عام 2009، حصدت عاصفة شديدة ضربت المدينة أرواح 161 شخصاً، وتسببت في خسائر بقيمة مليار دولار أميركي، ومع ذلك، فهذه العواصف التي قد تكون لها عواقب تدميرية هي أيضاً مصدر مهم للمياه في هذه المنطقة القاحلة.
جدير بالذكر أن تعداد السكان في مدينة جدة المُطلة على البحر الأحمر يبلغ نحو 4 ملايين نسمة، وتُعتبر المركز التجاري للسعودية. ويمكن أن يتسبب التحضّر في زيادة هطول الأمطار على المدينة بنسبة 26 في المائة بالمقارنة مع المناطق الصحراوية المحيطة بها في أثناء العواصف.
ويوضح الدكتور تان لوونج، زميل ما بعد الدكتوراة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) أن لدى السعودية خطةً وطنيةً لمضاعفة حصاد مياه الأمطار بحلول عام 2030 لمواجهة تحديات الموارد المائية.
ومن شأن فهم كيفية نشأة العواصف في سماء جدة أن يساعد المدينة على التنبؤ بالأحداث المستقبلية على نحو أفضل، مما سيخفض حجم الأضرار الناجمة، ويدعم خطط الاستفادة من مياه الأمطار الثمينة. وعلى غرار مدن كثيرة، تشهد مدينة جدة تأثير «الجزيرة الحرارية الحضرية» إذ تتحرّر ببطء ليلاً الحرارة التي تمتصّها البنايات والطرق في أثناء النهار، وقد يؤثر هذا الأمر في الطقس المحليّ، لكن كيفية تأثيره، إن وُجد، غير معروفة على العواصف الرعدية الشتوية، رغم أنه يبدو أن العواصف الرعدية تحدث بشكل رئيسي في الصباح الباكر.
وتأثير «الجزيرة الحرارية الحضرية» هو مصطلح يقصد به منطقة حضرية أو مدينة كبرى أكثر دفئاً من المناطق الريفية المحيطة بها، بسبب الأنشطة البشرية المتمركزة فيها، وعادة ما يكون الفرق في درجة الحرارة فيها ليلاً أكبر منه خلال النهار. وكمثال على ذلك نجد أن درجة الحرارة في مدن سويسرية، مثل زيوريخ وبرن وجنيف، أعلى بعدة درجات عنها في المناطق الريفية المحيطة، وقد يصل الفرق في ليالي الصيف إلى 7 درجات مئوية.
من جانبه، مزج أستاذ علوم الأرض وهندستها في «كاوست» البروفسور إبراهيم حطيط، الذي يتعاون مع لوونج وفريقه بين نماذج جوية وأخرى لسطح الأرض لمحاكاة هطول الأمطار أثناء 10 عواصف شديدة ضربت مدينة جدة السعودية، في سيناريوهات لما قبل مناطق الحضر، وبعدها.
في سيناريو المناطق الحضرية، طبّق الفريق نموذج ما يُعرف باسم «المظلة الحضرية» لبيان انبعاثات الحرارة من أسطح البنايات والجدران والطرق فضلاً عن دور الشوارع والبنايات في تعديل الرياح، أما في السيناريو الصحراوي (ما قبل المناطق الحضرية)، فاعتبر الغطاء الأرضي قاحلاً أو شحيح النباتات.
هطلت الأمطار بغزارة على جدة وبمعدلات أكثر ولوقت أطول في ظل سيناريو (المناطق الحضرية)، مما يشير إلى أن شيئاً ما زاد من قوة العاصفة وأعاق مرورها، إذ كانت الأمطار أكثر غزارة بنسبة 26 في المائة في سيناريو الحضر مقارنة بالسيناريو الصحراوي.
يوضّح لوونج: «وجدنا أن الطاقة الفائضة المـُخَزَّنة في السطح الحضري في الوقت المبكر من اليوم يمكن أن تتحرّر وتتسبب في زيادة شدة العواصف في الليل»، فيما أظهرت النماذج انخفاضاً فورياً في هطول الأمطار في حالة الرياح القادمة من المدينة، غالباً بسبب المباني التي تعرقل تدفق الهواء.
وفّر فيضان عام 2009 الموَثَّق جيداً حالة اختبار نموذجية، واكتشف الفريق أن نموذجهم استنسخ بدقة معدل هطول الأمطار المرصود، وهنا يقول حطيط: «تُعتبر تلك القدرات على النمذجة أدواتٍ قيِّمة لتوقع حدوث الفيضانات المفاجئة الناجمة عن السيول في مدينة جدة، كما ستساعد واضعي السياسات والخطط على الحدّ من وقوع مزيد من الضرر الناجم عن الظواهر الجوية القاسية».
إلا أن بعض الأسئلة تظل دون إجابات، خاصة في ظل التغيرات المناخية الحالية والقادمة التي تتطلب الكشف وتحليل الكميات الفيزيائية، من أجل إدارة أفضل لتطوير المدن وتلبية القيود الاقتصادية والبيئية. ويقول لوونج: «نريد أن نعرف أيّاً من عناصر الفيزياء الحضرية الأهم في تحفيز هطول الأمطار، وأن ندرس ما سيحدث لتطوّر العواصف إذا توسعت المنطقة الحضرية وامتدّت على طول ساحل البحر الأحمر».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً