تمثل العواصف الشتوية التي تجلب أمطاراً غزيرة ورياحاً شديدة وفيضانات مفاجئة ناجمة عن السيول، التهديد المناخي الرئيسي الذي تواجهه مدينة جدة الساحلية. ففي عام 2009، حصدت عاصفة شديدة ضربت المدينة أرواح 161 شخصاً، وتسببت في خسائر بقيمة مليار دولار أميركي، ومع ذلك، فهذه العواصف التي قد تكون لها عواقب تدميرية هي أيضاً مصدر مهم للمياه في هذه المنطقة القاحلة.
جدير بالذكر أن تعداد السكان في مدينة جدة المُطلة على البحر الأحمر يبلغ نحو 4 ملايين نسمة، وتُعتبر المركز التجاري للسعودية. ويمكن أن يتسبب التحضّر في زيادة هطول الأمطار على المدينة بنسبة 26 في المائة بالمقارنة مع المناطق الصحراوية المحيطة بها في أثناء العواصف.
ويوضح الدكتور تان لوونج، زميل ما بعد الدكتوراة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) أن لدى السعودية خطةً وطنيةً لمضاعفة حصاد مياه الأمطار بحلول عام 2030 لمواجهة تحديات الموارد المائية.
ومن شأن فهم كيفية نشأة العواصف في سماء جدة أن يساعد المدينة على التنبؤ بالأحداث المستقبلية على نحو أفضل، مما سيخفض حجم الأضرار الناجمة، ويدعم خطط الاستفادة من مياه الأمطار الثمينة. وعلى غرار مدن كثيرة، تشهد مدينة جدة تأثير «الجزيرة الحرارية الحضرية» إذ تتحرّر ببطء ليلاً الحرارة التي تمتصّها البنايات والطرق في أثناء النهار، وقد يؤثر هذا الأمر في الطقس المحليّ، لكن كيفية تأثيره، إن وُجد، غير معروفة على العواصف الرعدية الشتوية، رغم أنه يبدو أن العواصف الرعدية تحدث بشكل رئيسي في الصباح الباكر.
وتأثير «الجزيرة الحرارية الحضرية» هو مصطلح يقصد به منطقة حضرية أو مدينة كبرى أكثر دفئاً من المناطق الريفية المحيطة بها، بسبب الأنشطة البشرية المتمركزة فيها، وعادة ما يكون الفرق في درجة الحرارة فيها ليلاً أكبر منه خلال النهار. وكمثال على ذلك نجد أن درجة الحرارة في مدن سويسرية، مثل زيوريخ وبرن وجنيف، أعلى بعدة درجات عنها في المناطق الريفية المحيطة، وقد يصل الفرق في ليالي الصيف إلى 7 درجات مئوية.
من جانبه، مزج أستاذ علوم الأرض وهندستها في «كاوست» البروفسور إبراهيم حطيط، الذي يتعاون مع لوونج وفريقه بين نماذج جوية وأخرى لسطح الأرض لمحاكاة هطول الأمطار أثناء 10 عواصف شديدة ضربت مدينة جدة السعودية، في سيناريوهات لما قبل مناطق الحضر، وبعدها.
في سيناريو المناطق الحضرية، طبّق الفريق نموذج ما يُعرف باسم «المظلة الحضرية» لبيان انبعاثات الحرارة من أسطح البنايات والجدران والطرق فضلاً عن دور الشوارع والبنايات في تعديل الرياح، أما في السيناريو الصحراوي (ما قبل المناطق الحضرية)، فاعتبر الغطاء الأرضي قاحلاً أو شحيح النباتات.
هطلت الأمطار بغزارة على جدة وبمعدلات أكثر ولوقت أطول في ظل سيناريو (المناطق الحضرية)، مما يشير إلى أن شيئاً ما زاد من قوة العاصفة وأعاق مرورها، إذ كانت الأمطار أكثر غزارة بنسبة 26 في المائة في سيناريو الحضر مقارنة بالسيناريو الصحراوي.
يوضّح لوونج: «وجدنا أن الطاقة الفائضة المـُخَزَّنة في السطح الحضري في الوقت المبكر من اليوم يمكن أن تتحرّر وتتسبب في زيادة شدة العواصف في الليل»، فيما أظهرت النماذج انخفاضاً فورياً في هطول الأمطار في حالة الرياح القادمة من المدينة، غالباً بسبب المباني التي تعرقل تدفق الهواء.
وفّر فيضان عام 2009 الموَثَّق جيداً حالة اختبار نموذجية، واكتشف الفريق أن نموذجهم استنسخ بدقة معدل هطول الأمطار المرصود، وهنا يقول حطيط: «تُعتبر تلك القدرات على النمذجة أدواتٍ قيِّمة لتوقع حدوث الفيضانات المفاجئة الناجمة عن السيول في مدينة جدة، كما ستساعد واضعي السياسات والخطط على الحدّ من وقوع مزيد من الضرر الناجم عن الظواهر الجوية القاسية».
إلا أن بعض الأسئلة تظل دون إجابات، خاصة في ظل التغيرات المناخية الحالية والقادمة التي تتطلب الكشف وتحليل الكميات الفيزيائية، من أجل إدارة أفضل لتطوير المدن وتلبية القيود الاقتصادية والبيئية. ويقول لوونج: «نريد أن نعرف أيّاً من عناصر الفيزياء الحضرية الأهم في تحفيز هطول الأمطار، وأن ندرس ما سيحدث لتطوّر العواصف إذا توسعت المنطقة الحضرية وامتدّت على طول ساحل البحر الأحمر».
كيف يمكن أن تسهم جدة في تحسين الأمن المائي السعودي؟
أبحاث من «كاوست» حول عواصف الأمطار فوق المدن الصحراوية
كيف يمكن أن تسهم جدة في تحسين الأمن المائي السعودي؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة