في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، أعلن مدير وكالة الفضاء الأميركية، جيم برايدنستاين، عن اكتشاف هام توصلت له «ناسا»، وهي العثور على مياه على سطح القمر المنير. وقبل هذا الإعلان كانت دراسات أخرى اكتشفت جليداً بالحفر القطبية، ومياهاً مقيدة في الصخور البركانية، ورواسب من الحديد الصدئة في تربة القمر. كل ذلك أكد وجود المياه القمرية، لينسف اعتقادات سابقة نظرت للقمر على أنه جاف كصحراء بسبب درجات الحرارة الشديدة وقساوة بيئة الفضاء. وكان الشغل الشاغل للباحثين، هو معرفة أصل هذه المياه. والنظرية التي كانت سائدة هي أن مصدرها أيونات الهيدروجين موجبة الشحنة التي تدفعها الرياح الشمسية، لتقصف سطح القمر وتتفاعل تلقائياً لتكوين الماء. لكن دراسة جديدة متعددة الجنسيات نُشرت في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، بدورية «رسائل مجلة الفيزياء الفلكية»، تفترض أن الرياح الشمسية قد لا تكون المصدر الوحيد للأيونات المكونة للماء. وأظهر الباحثون، أن الغلاف المغناطيسي للأرض، يمكن أن يوصل الماء إلى القمر أيضاً؛ ما يعني أن الكواكب الأخرى يمكن أن تساهم أيضاً في تكوين المياه في الأقمار التابعة لها. وينتشر الماء في الفضاء أكثر بكثير مما اعتقده علماء الفلك في البداية، من سطح المريخ إلى أقمار المشتري وحلقات زحل والمذنبات والكويكبات وبلوتو، حتى إنه تم اكتشافه في السحب خارج نظامنا الشمسي، وكان من المفترض سابقاً أن الماء تم دمجه في هذه الأجسام أثناء تكوين النظام الشمسي، لكن هناك أدلة متزايدة على أن الماء في الفضاء أكثر ديناميكية. ورغم أن الرياح الشمسية هي مصدر محتمل للمياه السطحية القمرية، فإن نماذج الكومبيوتر تتنبأ بأن ما يصل إلى نصفها يجب أن يتبخر ويختفي في مناطق خطوط العرض العليا خلال الأيام الثلاثة تقريباً من اكتمال القمر عندما يمر داخل الغلاف المغناطيسي للأرض. وكان يُعتقد أن المجال المغناطيسي للأرض يمنع الرياح الشمسية من الوصول إلى القمر بحيث لا يمكن تجديد المياه بشكل أسرع مما فقده، لكن الباحثين وجدوا أن هذا ليس هو الحال. من خلال مقارنة سلسلة زمنية من خرائط سطح الماء قبل وأثناء وبعد عبور الغلاف المغناطيسي، يجادل الباحثون بأن المياه القمرية يمكن أن تتجدد بتدفقات أيونات الغلاف المغناطيسي، والمعروفة أيضاً باسم «رياح الأرض»، والتي تتكون من أيونات الأكسجين وأيونات الهيدروجين، والتي يمكن أن تتفاعل مع سطح القمر لتكوين الماء. تم تأكيد وجود هذه الأيونات المشتقة من الأرض بالقرب من القمر بواسطة القمر الصناعي «كاجويا»، في حين تم استخدام ملاحظات الأقمار الصناعية «ثيمس» و«أرتميس»، لتحديد السمات المميزة للأيونات في الرياح الشمسية، مقابل تلك الموجودة في الغلاف المغناطيسي لرياح الأرض. اكتشفت ملاحظات «كاغويا» السابقة للأقمار الصناعية أثناء اكتمال القمر تركيزات عالية من نظائر الأكسجين التي تسربت من طبقة الأوزون على الأرض ومضمنة في التربة القمرية، إلى جانب وفرة من أيونات الهيدروجين في الغلاف الجوي الواسع لكوكبنا، والمعروف باسم الغلاف الخارجي. وتختلف هذه التدفقات المجمعة لجسيمات الغلاف المغناطيسي اختلافاً جوهرياً عن تلك الموجودة في الرياح الشمسية، وبالتالي، فإن أحدث اكتشاف للمياه السطحية في هذه الدراسة يفترض أن الغلاف المغناطيسي نفسه يخلق «جسراً مائياً» يمكنه تجديد مياه القمر. ويقول علي شوقي، الأستاذ بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، إن هذا الاكتشاف من شأنه تغيير طبيعة المهام الفضائية المستقبلية إلى القمر، مضيفاً أن الدراسات التالية يجب أن تبحث في مواصفات الماء، وهي يمكن استغلاله خلال تلك الرحلات أم لا. وتأمل وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) في إنشاء قاعدة على سطح القمر، ويعطي هذا الاكتشاف الذي رصدته الدراسة زخماً لهذا التوجه، كما يؤكد شوقي.
«نيويورك تايمز» تتحدث عن محنة العلماء الفلسطينيينhttps://aawsat.com/%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85/5090129-%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D9%88%D8%B1%D9%83-%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%85%D8%B2-%D8%AA%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D9%85%D8%AD%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86
صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
نيويورك:«الشرق الأوسط»
TT
نيويورك:«الشرق الأوسط»
TT
«نيويورك تايمز» تتحدث عن محنة العلماء الفلسطينيين
صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
لعقود من الزمن كان السعي وراء مهنة علمية في الأراضي الفلسطينية محفوفاً بالمخاطر. ثم هاجمت «حماس» إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مما أشعل حرباً في قطاع غزة مستمرة منذ أكثر من عام.
حوار مع علماء فلسطينيين
ومع قصف إسرائيل وغزو غزة في حملة للقضاء على «حماس»، تم تدمير المدارس واضطر الطلاب إلى مواصلة دراستهم عن بُعد أو وقفها تماماً. أما الأطباء فقد عملوا في ظروف متدهورة على نحو متزايد. وشعر الفلسطينيون خارج المنطقة أيضاً بآثار الحرب.
وقد تحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أربعة فلسطينيين يعيشون في غزة والضفة الغربية والخارج، حول الصراع الذي يَلوح في الأفق بشأن أبحاثهم العلمية وعملهم الطبي: كما كتبت كاترينا ميلر(*).
من فلسطين الداخل... نحو هارفارد
* أسيد السر (32 عاماً): في عام 1948، انتقلت عائلة الدكتور أسيد السر إلى غزة من حمامة، وهي قرية على أرض أصبحت الآن جزءاً من إسرائيل. وقال السر، وهو طبيب مقيم في الجراحة العامة وباحث في تكساس، إنه أكمل دراسته في كلية الطب في غزة عام 2016، ودرس في جامعة أكسفورد لبعض الوقت، ثم انتقل إلى جامعة هارفارد عام 2019 لإجراء بحث حول جراحة الصدمات الطارئة.
وقال إن الدراسة في أوروبا والولايات المتحدة تختلف عن الدراسة في غزة. فالوصول غير المحدود إلى الكهرباء والمياه والإنترنت أمر مفروغ منه، والسفر، في الغالب، غير مقيد. وقال: «كان هذا صادماً بالنسبة لي».
في غزة، اختار والدا السر مكان العيش بناءً على المكان الذي سيكون لديهم فيه وصول ثابت إلى الإنترنت، حتى يتمكن هو وإخوته من متابعة دراستهم. بالنسبة إلى الكهرباء، كان لديهم مولد للطاقة. وإذا نفد غازه، كانوا يعتمدون على الألواح الشمسية والشموع والبطاريات.
وتوفر الدراسة في الخارج مزيداً من الفرص. لفعل ذلك، كان على السر التقدم بطلب للحصول على تصاريح من الحكومات في إسرائيل ومصر والأردن وغزة. وقال إن العملية قد تستغرق شهوراً. واستغرق الأمر منه ثلاث محاولات للحصول على القبول في أكسفورد. تقدم بطلب للحصول على ما يقرب من 20 منحة دراسية وفاز بواحدة. ومع هارفارد، استمر في التقديم. وقال السر إن هذه المثابرة شيء تعلمه من العيش في غزة.
كان السر في تكساس في 7 أكتوبر 2023. لكنَّ عائلته عادت إلى منزلها في غزة، وتعيش بالقرب من مستشفى الشفاء. في العام الماضي، داهمت إسرائيل مستشفى الشفاء. ثم انتقلت عائلة السر المباشرة منذ ذلك الحين إلى الجنوب، ودُمرت منازلهم في غزة، كما قال، فيما كان يواصل تدريبه الطبي في تكساس.
فيزيائية بجامعة بيرزيت
* وفاء خاطر (49 عاماً). نشأت وفاء خاطر في الضفة الغربية، وهي منطقة تقع غرب نهر الأردن تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. ثم انتقلت إلى النرويج لمتابعة دراستها للدكتوراه في الفيزياء بجامعة بيرغن.
أتيحت لها الفرصة للبقاء في النرويج بشكل دائم، لكنها عادت إلى الضفة الغربية للتدريس في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية ضد الاحتلال الإسرائيلي. تتذكر قائلةً: «قال لي جميع زملائي النرويجيين في ذلك الوقت: هل أنتِ مجنونة؟ لكنني قلت لهم: «هذا هو الوطن، وأنا في مهمة».
والآن، تعمل خاطر أستاذة في جامعة بيرزيت، وهي من أوائل الفلسطينيين الذين مارسوا مهنة دراسة طبيعة وسلوك الجسيمات دون الذرية. وقالت: «لم يتخيل كثير من الناس أبداً أن هناك علوماً توجد في فلسطين».
وأضافت أن غياب مجتمع بحثي صحي في الضفة الغربية المحتلة يحد من فرصها للتعاون العلمي، لذا فقد سعت إلى بناء شبكة. وقد دعت زملاء أوروبيين للتحدث في جامعات الضفة الغربية، ودفعت طلاب الفيزياء الفلسطينيين لحضور برامج بحثية صيفية في الخارج.
وقالت إن البحث النظري يمكن أن يزدهر في الضفة الغربية، لكنَّ «الفيزياء التجريبية ليست لها أي فرصة تقريباً». وأوضحت أن الجامعات تكافح لدفع ثمن المعدات والبنية الأساسية للمختبرات، وتعتمد على التبرعات.
مرصد جامعة بيرزيت
وقد افتُتح في عام 2015، وهو أحد المرافق الفلكية القليلة في الضفة الغربية. موَّله رامز حكيم، رجل أعمال فلسطيني - أمريكي. وقالت خاطر: «كانت هذه هي المرة الأولى التي يمكن فيها لطلابنا رؤية تلسكوب والنظر إلى السماء».
حتى عندما يتم تأمين التمويل، قد يكون من الصعب استيراد الأدوات التجريبية إلى الضفة الغربية وغزة، لأن بعض المعدات اللازمة للبحث يمكن استخدامها أيضاً لأغراض عسكرية. تصنف إسرائيل مثل هذه السلع على أنها «استخدام مزدوج» وتتطلب إذناً للمدنيين في الأراضي الفلسطينية لشرائها.
التدريس عن بُعد في الضفة الغربية
بعد هجوم 7 أكتوبر، بدأت خاطر وأعضاء هيئة التدريس الآخرون في جامعتها التدريس عن بُعد. وقالت إن زيادة نقاط التفتيش في الضفة الغربية، نتيجة للوجود العسكري الإسرائيلي المتزايد بعد هجوم «حماس»، جعلت من الصعب على الطلاب والأساتذة حضور الفصول الدراسية شخصياً. استؤنفت التدريس وجهاً لوجه بشكل محدود في الربيع الماضي. ولكن بعد ذلك في أكتوبر، بعد وقت قصير من شن إيران هجوماً صاروخياً على إسرائيل تسبب في سقوط الشظايا على الضفة الغربية، أعلنت بيرزيت أن واجبات التدريس والإدارة ستنتقل عبر الإنترنت من أجل السلامة.
أمضت خاطر الصيف في تدريس دورة فيزياء عبر الإنترنت للطلاب في قطاع غزة. وقالت إن تسعة عشر طالباً سجلوا، لكن أكثر من نصفهم تركوا الدراسة لأنهم يفتقرون إلى الكهرباء المستقرة أو الوصول إلى الإنترنت.
طبيبة وابنة عالم في الفيزياء الفلكية
ضحى البرغوثي (25 عاماً). درست الدكتورة ضحى البرغوثي، وهي طبيبة باطنية في الضفة الغربية، الطب لمدة ست سنوات في جامعة القدس. أنهت عامها التدريبي أو التدريب بعد التخرج في أكتوبر من العام الماضي، قبل أسبوع واحد من اندلاع الحرب.
كان مستشفى «المقاصد» في القدس، حيث تدربت البرغوثي، على بُعد بضع دقائق فقط سيراً على الأقدام من منزلها. ولكن حتى قبل الحرب، كان عليها أن تغادر مبكراً لساعات للتنقل عبر نقاط التفتيش المطلوبة للوصول إلى العمل في الوقت المحدد. بعد 7 أكتوبر 2023، داهم جنود إسرائيليون مستشفى «المقاصد»، واعتقلوا المرضى من غزة وأقاربهم.
في أكتوبر الماضي، اعتُقل والد ضحى، عماد البرغوثي، وهو عالم فيزياء فلكية في جامعة القدس، ووُضع قيد الاعتقال الإداري، وهي ممارسة تُستخدم لاحتجاز الفلسطينيين دون توجيه اتهامات رسمية، للمرة الرابعة.
بعد اعتقاله الأول في عام 2015، منعته السلطات الإسرائيلية من مغادرة الضفة الغربية، وهو ما قالت ضحى البرغوثي إنه قيَّد فرصه في التعاون العلمي.
في بيان لصحيفة «نيويورك تايمز»، قال الجيش الإسرائيلي إن عماد البرغوثي اعتُقل بسبب شكوك في «العضوية والنشاط في جمعية غير قانونية، والتحريض والمشاركة في أنشطة تُعرِّض الأمن الإقليمي للخطر». فيما صرّح عالم الفيزياء الفلكية بأنه ليس منتمياً أو مؤيداً لـ«حماس».
بعد ستة أشهر من الاعتقال، أُطلق سراح والدها فيما وصفته البرغوثي بـ«ظروف صحية مروعة»، بما في ذلك فقدان الوزن الشديد، والاشتباه في كسر الأضلاع وتلف الأعصاب في أصابعه.
مركّبات جديدة مضادة للسرطان
* رامي مرجان (50 عاماً). وصف رامي مرجان، الكيميائي العضوي في الجامعة الإسلامية في غزة، حياته المهنية بأنها طريق مليء بالعقبات، حيث قضى سنوات في محاولة إنشاء مجموعة بحثية وقليل من الأدوات العلمية أو المواد الكيميائية التي يمكن استخدامها لإجراء تجارب متطورة. وكتب في نص لصحيفة «التايمز»: «ليست لدينا بنية أساسية للبحث».
يركز مرجان على إنشاء مركَّبات جديدة ذات تطبيقات محتملة في الأدوية المضادة للبكتيريا والفطريات والسرطان. وهو يستخدم التخليق متعدد الخطوات، وهي تقنية تخضع فيها المركّبات المبدئية لسلسلة من التفاعلات الكيميائية لتحويلها إلى المنتج النهائي المطلوب. تتطلب هذه العملية استخدام المذيبات والأجهزة لتحديد التركيب الكيميائي للمركب في كل خطوة، ولكن لأن كثيراً من هذه الأدوات تعدها إسرائيل معدات ذات استخدام مزدوج، فإن مرجان وزملاءه غير قادرين على أداء ذلك بشكل صحيح.
«غزة أجمل مكان في وطني»
تمكن مرجان من نشر بعض أعماله في المجلات الأكاديمية. لكنه قال إن نقص الموارد في غزة حدَّ من إنتاجه البحثي مقارنةً بأبحاث زملائه في الخارج.
وقد حصل على الدكتوراه من جامعة مانشستر في عام 2004، ثم عاد إلى غزة. وقال: «أردت أن أنقل الخبرة والمعرفة إلى شعبي». أجبره العنف على إخلاء منزله في مدينة غزة والانتقال إلى دير البلح، وهي مدينة في الجزء الأوسط من غزة تعرضت لإطلاق النار حيث استهدف الجيش الإسرائيلي ما قال إنها «مراكز قيادة وسيطرة» لـ«حماس» هناك.
واعترف مرجان بأن قراره العودة إلى القطاع منعه من تحقيق أحلامه في مهنة علمية. لكنه لم يندم على ذلك، وقال: «غزة هي أجمل مكان، وهي جزء صغير من وطني».