هل أعطت روسيا الضوء الأخضر للانقلاب العسكري في ميانمار؟

شويغو زار نايبيداو قبل أيام قليلة من استيلاء العسكريين على السلطة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو (إ.ب.أ)
TT

هل أعطت روسيا الضوء الأخضر للانقلاب العسكري في ميانمار؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو (إ.ب.أ)

قبل أيام قليلة من الانقلاب العسكري في ميانمار، أوائل الشهر الحالي، استقبل مين أونج هلاينغ، القائد العسكري البورمي، وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
ازدهرت العلاقات الدفاعية بين البلدين تحت قيادتهما؛ فعندما التقى الرجلان أواخر الشهر الماضي، أبرما آخر صفقة لميانمار لشراء أسلحة روسية، حسبما أفادت صحيفة «التايمز» البريطانية.
وقال هلاينغ عن شويغو: «إنه صديق مخلص، فقد دعمت روسيا ميانمار دائماً في اللحظات الصعبة، خصوصاً في السنوات الأربع الماضية».
توقيت الرحلة، والتعبير الدافئ عن الثقة في دعم موسكو والعلاقة الودية بين الزعيمين العسكريين، كلاهما يتحدر من خلفيات بوذية. وبعد أقل من أسبوع من فرش السجادة الحمراء لشويغو والزيارة التي استمرت ثلاثة أيام إلى ميانمار، قام هلاينج بانقلاب أطاح بالحكومة المنتخبة واعتقال زعيمتها، أونغ سان سو تشي. واستخدام عربات مدرعة روسية الصنع في الشوارع؛ يدل ذلك على عمق الروابط العسكرية بين البلدين، وفق تقرير «التايمز».
هناك أيضاً أحاديث بين الدوائر السياسية والتجارية البورمية المرتبطة بـ«Tatmadaw» (الجيش البورمي) مفادها أن الجنرال لم يشارك خطط الانقلاب فقط بل حصل على موافقة شويغو.
يواجه الجيش البورمي حظراً على مبيعات الأسلحة من الغرب. بينما قام هلاينغ بتحديث الجيش عن طريق تبنى السلاح الروسي. فقد التقى مع شويغو ثماني مرات على الأقل، حيث قام بست رحلات إلى موسكو، بينما كان يوازن العلاقات مع بكين.
أنفقت ميانمار ما يقارب من 2.4 مليار دولار على الأسلحة في العقد الماضي، وفقاً لمعهد «ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام». وتتصدر الصين قائمة البائعين، لكن حصة روسيا، التي بلغت 800 مليون دولار، نمت بشكل حاد، مع التركيز على المروحيات الهجومية والطائرات المقاتلة، بالإضافة إلى أنظمة الصواريخ والمدرعات والمدفعية.
يشير أنتوني ديفيس، الخبير في شؤون ميانمار ومراسل مجموعة «جين» للمعلومات، المتخصص في الدفاع والأمن، إلى أن الضباط البورميين كانوا في روسيا لتلقي التدريب التقني واللغوي. وأن عدة آلاف يتحدثون اللغة الروسية الآن.
وقال ديفيس: «أشرف هلاينغ على عملية إعادة توازن مهمة للغاية فيما يتعلق بشراء الأسلحة». فقد كان الجيش البورمي يعتمد بشكل كلي على الصين في المعدات. ولكن مع قيامه بتحديث الجيش، تحولوا بشكل متزايد إلى روسيا من أجل أنظمة حديثة، خصوصاً بالنسبة للقوات الجوية.
هناك أيضاً جانب آخر للعلاقة، ففي مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف يوم الجمعة، انضم مبعوث موسكو إلى بكين في نشر الحجج التي تنتقد التدخل الخارجي في «الشؤون الداخلية» للدول الأخرى، وتمكن من تخفيف قرار يدين الانقلاب البورمي، الذي تمت صياغته بشكل مشترك بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
يحتاج هلاينغ بشدة إلى دعم الصين وروسيا التي تمارس حق النقض في الأمم المتحدة في مواجهة الاحتجاجات الجماهيرية في الداخل وتوجيه اللوم من الغرب في الخارج، بما في ذلك فرض الرئيس الأميركي جو بايدن عقوبات أميركية جديدة، وتعطيه الثقة بأن أكبر موردي الأسلحة لديه سوف يحمون البلاد من العقوبات العسكرية أو الاقتصادية.
ويقول براشانث باراميسواران، الذي يتابع ميانمار كمدير للأبحاث في «Bower Group»، وهي شركة استشارية استراتيجية: «كانت روسيا تكثف لعبتها في إشراك ميانمار في السنوات الأخيرة كجزء من جهد أوسع لتعزيز وجودها في آسيا - المحيط الهادئ تحت حكم فلاديمير بوتين. وزيارة شويغو الأخيرة هي وسيلة لجيش ميانمار لتعزيز الصداقة بينهما. وإذا استمرت البلاد في فترة طويلة من السيطرة العسكرية، فيمكننا أن نتوقع استمرار العلاقات الدفاعية بين ميانمار وروسيا». ووصف ديفيز العلاقة بأنها «مربحة للجانبين، حيث تركز روسيا بقوة على توسيع مبيعات الأسلحة في جنوب شرقي آسيا».
لم تكن زيارة وزير الدفاع الروسي إلى ميانمار أول زيارة له في توقيت جيد. فقد سافر إلى العاصمة نايبيداو، لتوقيع صفقة أسلحة في أوائل عام 2018 في ذروة الغضب الدولي من حملة جيش ميانمار ضد الروهينغا.
يتحدر شويغو من توفا، وهي مقاطعة نائية في سيبيريا على الحدود مع منغوليا في روسيا الآسيوية، حيث يتبع السكان المحليون البوذية التبتية الممزوجة بالشأمانية الأرواحية.
وكانت والدته من أصل روسي ووالده من عائلة بارزة في توفا. وهناك شائعات مستمرة بأنه يمارس البوذية أو الشأمانية. واستغرق الأمر بعض الوقت حتى يقول إنه تعمد في العقيدة الأرثوذكسية، وهو في الخامسة من عمره، وتم تصويره وهو يعبر بشكل بارز أمام الكرملين.
ومع ذلك، عندما حول نشطاء مكافحة الفساد الموالون للسياسي المعارض أليكسي نافالني انتباههم إلى شويغو، تم الادعاء على أنه رغم عقود من رواتبه المحدود في الخدمة الحكومية، يبدو أن زوجته وابنته كانا يملكان قصراً قيمته 18 مليون دولار في نفس ضاحية موسكو الحصرية كمقر إقامة بوتين الرسمي. ويقع على مساحة 9000 متر مربع، ويتميز بأسقف منحنية بلطف مماثلة لتلك الموجودة في المعابد البوذية.
من غير المعروف ما إذا كان هلاينغ قد زار شويغو هناك خلال زياراته الروسية المعتادة، لكن من الواضح أنه شعر بالراحة في موسكو. ففي رحلته الأخيرة، قبل ثمانية أشهر، كان محور مقابلة في القناة التلفزيونية «آر تي». وأشار مقدم البرنامج إلى أن الجنرال قد يخدم بلاده يوماً ما «على مستوى أعلى، بما في ذلك في أعلى منصب لها». وابتسم هلاينغ للإشارة إلى تطلعاته الرئاسية. وأجاب: «شكراً». «نعم لدي دائماً مثل هذه الرغبات».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟