مؤامرات القصور على الطريقة الفرعونية

حسين عبد البصير يستلهم خطى محفوظ في روايته الجديدة

مؤامرات القصور على الطريقة الفرعونية
TT

مؤامرات القصور على الطريقة الفرعونية

مؤامرات القصور على الطريقة الفرعونية

«وسعوا عالم الرواية العربية»، هكذا كان يوصى أديب نوبل نجيب محفوظ الأدباء الشبان، محفزاً إياهم على اقتحام أجواء وعوالم مختلفة جديدة لا تسير في الدروب الجاهزة الممهدة. ويبدو أن الكاتب حسين عبد البصير يطبق نصيحة محفوظ في روايته الجديدة «إيبو العظيم»، الصادرة في القاهرة ضمن سلسلة «روايات الهلال».
تقع الرواية في 262 صفحة من القطع المتوسط، وتدور في أجواء مصر الفرعونية، وتحديداً في حقبة ما بعد الدولة القديمة، حين كانت العاصمة هي «منف»، وتشهد البلاد اضطرابات سياسية وحركات تمرد نظراً لشيوع الظلم وغياب العدالة الاجتماعية، حتى يظهر حاكم قوي يتخذ من العدل درعاً وسيفاً، فيستتب له الملك.
وعلى خطى نجيب محفوظ في ثلاثيته الفرعونية (عبث الأقدار، كفاح طيبة، رادوبيس)، يتدخل حسين عبد البصير بخياله ليدير حوارات رشيقة بين شخوصه، ويكشف ما تضمره نفوسهم من لوعة وأسى وعواطف ونوايا سامة، في إطار «ثيمة» تبدو تقليدية مكررة، لكنها حقيقية كاشفة للغاية في إطار صراع القلوب والعروش عبر التاريخ. فالحاكم «ميكو» اتبع هواه وغرق في بحر الملذات، وتجاهل مطالب أمته في النهضة والتنمية، فغضب من في الداخل وطمع من في الخارج. أحاط نفسه ببطانة منافقة أخذت على نفسها أن تزين له الأمر على غير الحقيقة. رجل واحد يتعهد بقول الحقيقة، مهما كانت مرة، فيصمم على مواجهة الحاكم وسط عرشه وأركان حكمه مهما كانت العواقب؛ إنه «إيبو» كبير كتاب وشعراء البلاط الملكي. تتآمر عليه الحاشية، ويذهب قائد الشرطة بنفسه لاعتقاله في اليوم التالي، فلا يجد سوى زوجته وابنه فيلقون القبض عليهما. وتحت وطأة التعذيب، ينهاران ويلفظان أنفاسهما الأخيرة. يهرب «إيبو» إلى جنوب البلاد، حيث حاكم قوي شاب استقل بهذا الإقليم، فيرحب بالحكيم الصادق، ويجلسه إلى جواره في حملته على العاصمة التي يقابلها الناس في الشوارع بالهتاف والتأييد، حيث يخلع «ميكو» من على العرش، ويرسي دعائم حكم جديد مبني على العدل والاستقامة.
ولا يتسم «إيبو» بالحكمة والشجاعة فقط، لكنه يجمع إلى جوارهما التواضع والزهد، وقد أصر على أن «يقع بيته بالقرب من حي الفقراء في العاصمة. رفض أن يقيم في حي الأثرياء بجوار القصر. بيته بسيط من طابق واحد، وسط حديقة صغيرة، هو العاشق المحب للناس وللحياة بحلوها ومرها، المتعبد الحالم العالم الثائر في وجه الظلم. في طريقة عودته للبيت، اعتاد أن يقف عند شاطئ النهر ليبثه حزنه وأشواقه وأحلامه».
إلى جوار هذا الخط الرئيسي المتصاعد، ثمة خيوط فرعية تسير بالتوازي، أبرزها لـ«ميريت» الجميلة التي تبحث عن الحب دون جدوى، والكاتب المهرطق «جحوتي» الغارق في أتون نار الشهوة والملذات، و«تي» الغانية التي يصفها بعضهم بأنها «فيلسوفة الحب والغرام».
تنحو الرواية طريقة الأعمال الكلاسيكية في الأدب العالمي، فيستهل المؤلف روايته بوصف تفصيلي للجميلة «ميريت» (ابنة ميكو)، وشقيقة نائب القائد العسكري «نخت»، فضلاً عن تصوير دقيق للقصر بشرفاته وحدائقه. تطل ميريت بوجه يشع بهجة وحسناً على النيل من شرفة قصر أخيها، يغمرها منظر النباتات النادرة والفراشات والزهور بحالة من الصفاء النفسي، لكن سعادتها تظل ناقصة بسبب تعطشها الشديد للغرام والعشق. تتجول في قصر من طابق واحد مشيد على مكان مرتفع تحيط به المياه من كل جانب. تتدلى عناقيد العنب في كل مكان، ويقف الحراس متأهبين في كل ركن في ما يسميه أخوها «قلعة حصينة»، لكن تفضل هي تسميته «السجن الكبير».
وفي مقابل رقة وبراءة «ميريت»، تتجلى شرور وفظائع «سخمت»؛ إنها سيدة القصر صاحبة المكائد مفجرة المؤامرات التي تريد انتزاع الحكم من زوجها العجوز الذي أصبح ضعيفاً، لتمنحه إلى ابنها وتضمن عدم خروج السلطة إلى الآخرين. يصطدم مخططها بضعف شخصية ابنها، وميله للهو والعبث، فتتحالف مؤقتاً مع الوزير الداهية العجوز «سوبك» وقائد الجيش «تتي». وفي الحوار التالي، بينها وبين الاثنين الأخيرين في حضرة ملك البلاد، يتجلى خوفها الشديد من عدم الحفاظ على الحكم في أسرتها:
- الرواية في مجملها تمثل محاولة جيدة للخروج بفضاء النص الإبداعي إلى عوالم مغايرة من خلال عمل يتسم بالتشويق والسلاسة والتدفق، لكن شابتها بعض «الهنات». وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك إغراق في سرد تأملات ووصايا الحكماء على نحو يجعلها عبئاً على تدفق الحدث الدرامي، فهي لا تخدم البناء بقدر ما تظل حلية لغوية جميلة في حد ذاتها، لكنها منفصلة عن السياق العام. وهناك أيضاً تكرار الوصف بجمل جاء بعضها مكرراً عند تقديم كل شخصية، ناهيك من أن الوصف يقدم أحياناً بشكل تقريري، وليس من خلال حدث محدد يساعد في تجسيد تلك الصفات. وهذا لا ينفي أن المؤلف استطاع النفاذ ببراعة إلى أجواء جديدة على مستوى الوصف الخارجي للمباني، وكذلك الوصف الداخلي للشخصيات.
تبقي الإشارة إلى خلفية المؤلف التي ساعدته في إنجاز النص على هذا النحو، حيث حصل حسين عبد البصير على درجتي الماجستير والدكتوراه في الآثار المصرية القديمة وأثار الشرق الأدنى القديم من جامعة «جونز هوبكنز» الأميركية، كما شغل كثيراً من المناصب التنفيذية المهمة، وله عدد من المؤلفات الأدبية والتاريخية، منها: «البحث عن خنوم»، و«الحب في طوكيو»، و«ملكات الفراعنة: دراما الحب والسلطة»، و«أسرار الفرعون الذهبي: توت عنخ آمون»، كما منحه المعهد الألماني للآثار عضويته الدائمة مؤخراً التي لا يحصل عيها سوى نخبة العلماء على مستوى العالم في هذا المجال.



بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
TT

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى، فإن المصرية مريم شريف تفوقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» التي تَنافس على جوائزها 16 فيلماً، وترأس لجنة تحكيمها المخرج العالمي سبايك لي، لتحوز جائزة «اليسر» لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية «إيمان»، الشابة التي تواجه التّنمر بسبب قِصرِ قامتها في فيلم «سنو وايت»، وذلك خلال حفل ختام المهرجان الذي أقيم الخميس في مدينة جدة السعودية.

وعبّرت مريم عن سعادتها بهذا الفوز قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحمد لله، هذه فرحة كبيرة تكلّل جهودنا طوال فترتي التحضير والتصوير، لكنني أحتاج وقتاً لأستوعب ذلك، وأشكر أستاذة تغريد التي أخضعتني لورشِ تمثيلٍ عدة؛ فكُنا نجلس معاً لساعات طوال لتُذاكر معي الدّور وتوضح لي أبعاد الشخصية، لذا أشكرها كثيراً، وأشكر المنتج محمد عجمي، فكلاهما دعماني ومنحاني القوة والثقة لأكون بطلة الفيلم، كما أشكر مهرجان (البحر الأحمر السينمائي) على هذا التقدير».

المخرجة تغريد أبو الحسن بين منتج الفيلم محمد عجمي والمنتج محمد حفظي (إدارة المهرجان)

سعادة مريم تضاعفت بما قاله لها المخرج سبايك لي: «لقد أذهلني وأبهجني برأيه حين قال لي، إن الفيلم أَثّر فيه كثيراً بجانب أعضاء لجنة التحكيم، وإنني جعلته يضحك في مشاهد ويبكي في أُخرى، وقلت له إنه شرفٌ عظيم لي أن الفيلم حاز إعجابك وجعلني أعيش هذه اللحظة الاستثنائية مع أهم حدث في حياتي».

وأضافت مريم شريف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تُفكّر في التمثيل قبل ذلك لأن السينما اعتادت السخرية من قِصار القامة، وهو ما ترفضه، معبّرة عن سعادتها لتحقيق العمل ردود أفعال إيجابية للغاية، وهو ما كانت تتطلّع إليه، ومخرجته، لتغيير أسلوب تعامل الناس مع قِصار القامة لرؤية الجمال في الاختلاف، وفق قولها: «نحن جميعاً نستحق المساواة والاحترام، بعيداً عن التّهكم والسخرية».

وكان قد شهد عرض الفيلم في المهرجان حضوراً لافتاً من نجوم مصريين وعرب جاءوا لدعم بطلته من بينهم، كريم فهمي الذي يشارك بصفة ضيف شرف في الفيلم، وبشرى التي أشادت بالعمل، وكذلك أمير المصري ونور النبوي والمنتج محمد حفظي.

قُبلة على يد بطلة الفيلم مريم شريف من الفنان كريم فهمي (إدارة المهرجان)

واختارت المخرجة أن تطرح عبر فيلمها الطويل الأول، أزمة ذوي القامة القصيرة الذين يواجهون مشاكل كبيرة، أقلّها تعرضهم للتنمر والسخرية، وهو ما تصدّت له وبطلتها عبر أحداث الفيلم الذي يروي قصة «إيمان» قصيرة القامة التي تعمل موظفة في أرشيف إحدى المصالح الحكومية، وتحلم مثل كل البنات بلقاءِ فارس أحلامها وتتعلق بأغنية المطربة وردة الجزائرية «في يوم وليلة» وترقص عليها.

وجمع الفيلم بين بطلته مريم شريف وبعض الفنانين، ومن بينهم، كريم فهمي، ومحمد ممدوح، ومحمد جمعة، وخالد سرحان، وصفوة، وكان الفيلم قد فاز بوصفه مشروعاً سينمائياً بجائزة الأمم المتحدة للسكان، وجائزة الجمعية الدولية للمواهب الصاعدة في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وعلى الرغم من أن مريم لم تواجه الكاميرا من قبل، بيد أنها بدت طبيعية للغاية في أدائها وكشفت عن موهبتها وتقول المخرجة: «كنت مهتمة أن تكون البطلة غير ممثلة ومن ذوات القامة القصيرة لأحقق المصداقية التي أردتها، وحين التقيت مريم كانت هي من أبحث عنها، وكان ينقصنا أن نقوم بعمل ورش تمثيل لها، خصوصاً أن شخصية مريم مختلفة تماماً عن البطلة، فأجرينا تدريبات مطوّلة قبل التصوير على الأداء ولغة الجسد والحوار، ووجدت أن مريم تتمتع بذكاء لافت وفاجأتني بموهبتها».

لم يكن التمثيل يراود مريم التي درست الصيدلة في الجامعة الألمانية، وتعمل في مجال تسويق الأدوية وفق تأكيدها: «لم يكن التمثيل من بين أحلامي لأن قِصار القامة يتعرضون للسخرية في الأفلام، لكن حين قابلت المخرجة ووجدت أن الفيلم لا يتضمّن أي سخرية وأنه سيُسهم في تغيير نظرة كثيرين لنا تحمست، فهذه تجربة مختلفة ومبهرة». وفق تعبيرها.

ترفض مريم لقب «أقزام»، وترى أن كونهم من قصار القامة لا يحدّ من قدرتهم ومواهبهم، قائلة إن «أي إنسان لديه مشاعر لا بد أن يتقبلنا بدلاً من أن ننزوي على أنفسنا ونبقى محبوسين بين جدران بيوتنا خوفاً من التنمر والسخرية».

تغريد أبو الحسن، مخرجة ومؤلفة الفيلم، درست السينما في الجامعة الأميركية بمصر، وسافرت إلى الولايات المتحدة للدراسة في «نيويورك أكاديمي» قبل أن تُخرج فيلمين قصيرين، وتعمل بصفتها مساعدة للمخرج مروان حامد لسنوات عدّة.

المخرجة تغريد أبو الحسن وبطلة الفيلم مريم شريف (إدارة المهرجان)

وكشفت تغريد عن أن فكرة الفيلم تراودها منذ 10 سنوات: «كانت مربية صديقتي من قِصار القامة، اقتربتُ منها كثيراً وهي من ألهمتني الفكرة، ولم أتخيّل أن يظهر هذا الفيلم للنور لأن القصة لم يتحمس لها كثير من المنتجين، حتى شاركنا الحلم المنتج محمد عجمي وتحمس له».

العلاقة التي جمعت بين المخرجة وبطلتها كانت أحد أسباب تميّز الفيلم، فقد تحولتا إلى صديقتين، وتكشف تغريد: «اقتربنا من بعضنا بشكل كبير، وحرِصتُ على أن تحضر مريم معي ومع مدير التصوير أحمد زيتون خلال معاينات مواقع التصوير حتى تتعايش مع الحالة، وأخبرتها قبل التصوير بأن أي مشهد لا ترغب به سأحذفه من الفيلم حتى لو صوّرناه».

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

وتلفت تغريد إلى مشروعٍ سينمائيّ يجمعهما مرة أخرى، في حين تُبدي مريم سعادتها بهذا الالتفاف والترحيب من نجوم الفن الذين شاركوها الفيلم، ومن بينهم: كريم فهمي الذي عاملها برفق ومحبة، ومحمد ممدوح الذي حمل باقة ورد لها عند التصوير، كما كان كل فريق العمل يعاملها بمودة ولطف.