واشنطن ملتزمة تعميق انخراطها الدولي وتقوية تحالفاتها

يلين أكّدت المشاركة في انتشال الاقتصاد العالمي من الركود

بايدن ويلين خلال اجتماع في البيت الأبيض الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
بايدن ويلين خلال اجتماع في البيت الأبيض الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
TT

واشنطن ملتزمة تعميق انخراطها الدولي وتقوية تحالفاتها

بايدن ويلين خلال اجتماع في البيت الأبيض الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
بايدن ويلين خلال اجتماع في البيت الأبيض الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)

أبلغت إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن الحلفاء، أول من أمس، أنها تعاود الانخراط معهم للمساعدة في انتشال الاقتصاد العالمي من «أسوأ ركود يشهده منذ الكساد العظيم»، وذلك في انقلاب على النهج الانفرادي الذي اعتمده الرئيس السابق دونالد ترمب.
وقالت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، لنظرائها من مجموعة الدول السبع الغنية، إن واشنطن ملتزمة بالنهج متعدد الأطراف، وإنها «تعطي أولوية كبيرة لتعميق انخراطنا الدولي وتقوية تحالفاتنا». كانت يلين تتحدث أثناء اجتماع لمجموعة السبع عبر الإنترنت، برئاسة بريطانيا، دعت خلاله إلى مواصلة تقديم الدعم المالي لتحقيق التعافي، قائلة إن «الوقت حان للمضي إلى أبعد مدى».
وقالت بريطانيا إن المسؤولين بحثوا مساعدة العمال والشركات الذين عصفت بهم الجائحة، لكن على نحو يكفل استدامة المالية العامة «في المدى الطويل». وإلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، تضم مجموعة السبع اليابان وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا.
وقال وزير الاقتصاد الإيطالي روبرتو غوالتيري إن المجموعة ملتزمة بمواصلة الإجراءات المنسقة لدعم الاقتصاد. وكتب على «تويتر»: «من السابق لأوانه سحب إجراءات الدعم».
واقترح بايدن إنفاقاً وتخفيضات ضريبية بنحو 1.9 تريليون دولار، تُضاف إلى إجراءات بأربعة تريليونات دولار للإغاثة من تداعيات فيروس كورونا كان قد أقرّها ترمب. كما من المتوقع أن يعلن وزير المالية البريطاني، ريشي سوناك، الشهر القادم تمديد برامج الإنقاذ الاقتصادي على أن يبدأ إصلاح أوضاع المالية العامة في مرحلة لاحقة.
وقالت بريطانيا إن مسؤولي السبع اتفقوا على أولوية التوصل إلى «حل دولي للتحديات الضريبية التي يفرضها الاقتصاد الرقمي». وتحاول الدول إحياء مساعي الاتفاق على نهج عالمي لفرض الضرائب على الشركات الرقمية العملاقة، والكثير منها شركات أميركية مثل أمازون وغوغل، بعد أن أعاقت إدارة ترمب تحقيق تقدم في هذا الاتجاه. ودعت بريطانيا دول مجموعة السبع إلى الاتفاق على نهج مشترك لفرض الضرائب على شركات الإنترنت العملاقة بحلول منتصف 2021، وهي المهلة التي أقرّتها دول مجموعة العشرين الأوسع نطاقاً.
إلى ذلك، شدّد سوناك على «المبررات الأخلاقية والصحية والاقتصادية» لتوزيع عالمي سريع للقاحات، وقال إن على المؤسسات المالية الدولية تقديم يد العون للدول الضعيفة في مواجهة الجائحة. ومن المتوقع أن تؤيد مجموعة السبع مخصّصاً جديداً لعملة صندوق النقد الدولي، حقوق السحب الخاصة، من أجل مساعدة الدول منخفضة الدخل التي تعصف بها أزمة فيروس كورونا.
وأبدى مسؤولون من الولايات المتحدة، أكبر مساهم في صندوق النقد، ترحيباً بإصدار جديد حجمه 500 مليار دولار، حسب ما نقلت «رويترز» عن مصادر، في تحول آخر ترسيه إدارة بايدن. وقالت الخزانة الأميركية إن يلين حثت دول مجموعة السبع والمؤسسات المالية الدولية على معالجة التحديات التي تواجهها الدول ذات الدخل المنخفض التي تعاني الأمرّين في ظل الجائحة.
وقال مصدر في المجموعة، طلب عدم نشر اسمه، لـ«رويترز»، إن الولايات المتحدة أبلغت الدول الأخرى بحاجتها إلى أسابيع قليلة للانتهاء من قضية زيادة حقوق السحب الخاصة.
بدوره، دعا سوناك المقرضين من القطاع الخاص إلى مساعدة الدول الأشد فقراً، وقال إن رئاسة بريطانيا لمجموعة السبع ستعطي الأولوية لتغير المناخ وحماية البيئة.
ويستضيف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في يونيو (حزيران) أول قمة حضورية لقادة مجموعة السبع فيما يقرب من عامين، وذلك في بلدة كورنوول الساحلية بجنوب غربي إنجلترا.
وكان ترمب قد أربك مجموعة السبع في 2018، عندما قال إنه سينسحب من بيان مشترك لاجتماع قمة بسبب نزاع تجاري مع كندا. كما لمح ترمب إلى نيته دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للانضمام إلى قمة السبع، وهو ما قوبل برفض من طرف الأعضاء الآخرين.
وقال ديفيد مالباس، رئيس البنك الدولي، إن مجموعة السبع أجرت «نقاشاً جيداً» تناول عدم المساواة ولقاحات كوفيد - 19 وتغير المناخ والتصدعات الاقتصادية وخفض ديون الدول الفقيرة. وقالت يلين إن انخراط الخزانة الأميركية في قضايا تغير المناخ «سيتغير تغيراً جذرياً قياساً إلى السنوات الأربع الماضية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟