الصحة هدفاً إقليمياً للتنمية المستدامة في البلدان العربية

جائحة «كورونا» تكشف التفاوت في نظم الرعاية الصحية

الصحة هدفاً إقليمياً للتنمية المستدامة في البلدان العربية
TT

الصحة هدفاً إقليمياً للتنمية المستدامة في البلدان العربية

الصحة هدفاً إقليمياً للتنمية المستدامة في البلدان العربية

الصحة بصفتها هدفاً إقليمياً للتنمية المستدامة هي موضوع الحلقة السادسة من سلسلة المقالات عن الصحة والبيئة في البلدان العربية. ويستند هذا المقال إلى الفصل الخاص بالعلاقة بين الصحة والتنمية في تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) الذي صدر مؤخراً. وقد أشرفت على تأليف الفصل الدكتورة ريما حبيب، رئيسة قسم الصحة البيئية في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت، بالاشتراك مع الباحثتين ناتالي الحداد وشيلبي سورديك.
وتواجه نُظم الرعاية الصحية في معظم الدول العربية عدداً من التحديات، تتمثل في: قلة عدد الأطباء، ومحدودية البيانات عن مرافق الرعاية الصحية، ونقص الاستعداد للطوارئ، إلى جانب ضعف الميزانيات المخصصة للقطاع. وقد ظهرت هشاشة هذه النُظم مع تفشي جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) التي من المتوقع أن تترك آثارها المنهجية الشديدة -وربما الكارثية- على العالم العربي.
ويناقش تقرير «الصحة والبيئة» الذي صدر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) الدوافع البيئية الرئيسية التي لها تأثير كبير على مختلف جوانب صحة الإنسان، ويستعرض التقدم الذي أحرزته الدول العربية في تحقيق الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة الذي ينطوي على «ضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية والرفاهية للبشر من جميع الأعمار».
ويلخّص التقرير كذلك التحديات التي تواجه الدول العربية في تحقيق هذه الأهداف، ويقترح إطاراً متكاملاً للصحة والتنمية المستدامة، ويوصي بآفاق جديدة للعمل المحلي والإقليمي، إلى جانب نهج التغطية الصحية الشاملة لتحقيق الصحة للجميع.
- كيف تتحقق «الصحة للجميع»
يشتمل الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة على تسعة مقاصد لعدد من المؤشرات التي تضم: صحة الأم، وصحة الطفل، والأمراض المعدية وغير المعدية، وتعاطي المخدرات، وإصابات ووفيات حوادث الطرق، والصحة الجنسية والإنجابية، والتغطية الصحية الشاملة، والصحة البيئية. وهو يلحظ أربع وسائل للتنفيذ مع مقاصد محددة، تتعلق باعتماد أطر لمكافحة التدخين، والابتكار في الطب والتحصين، وبناء القدرات والدعم المالي للصحة، والتأهب والاستجابة للمخاطر الصحية.
وتتأثر الصحة في الدول العربية بالحالة الاجتماعية والسياسية في كل بلد. وتعد التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، وغياب الاستقرار السياسي، وطغيان النزاعات المسلحة، وندرة الموارد، عوامل ضاغطة تترك بصمتها على الصحة العامة.
وتؤدي الاضطرابات النفسية، كالاكتئاب والقلق، إلى جانب التهابات الجهاز التنفسي السفلي، إلى زيادة سنوات العمر الضائعة بسبب اعتلال الصحة في منطقة شرق البحر المتوسط. كما يسجل مرض السكري، من بين أمراض أخرى غير معدية، زيادة في العالم العربي، مما يستوجب التدخل للسيطرة على هذا المرض الذي بلغ حد «الوباء».
وتنتشر أمراض سرطانات الرئة والمثانة والبروستات والثدي والقولون والمستقيم والكبد على نحو واسع في مختلف البلدان العربية. ولا تزال هناك تفاوتات في معدلات الإصابة والوفيات بين الدول، حيث يسجل لبنان أحد أعلى معدلات الإصابة بجميع أنواع السرطان في منطقة شرق البحر المتوسط.
ووفقاً لبيانات سنة 2017 الصادرة عن معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن، توجد مجموعة من الأسباب وعوامل الخطر الرئيسية التي تؤثر في سنوات الحياة الصحية المفقودة في العالم العربي، أهمها أمراض نقص التروية القلبية، واضطرابات حديثي الولادة، والتهابات الجهاز التنفسي السفلي، وأمراض الإسهال، واضطرابات تعاطي المخدرات، والتشوهات الخلقية، والإصابات المرورية، والسكتات الدماغية، واضطرابات الصداع، وآلام أسفل الظهر، والسكري، وفيروس نقص المناعة (الإيدز).
وتحتل الأمراض غير المعدية وإصابات الطرق والصحة العقلية المرتبة الأولى في البلدان ذات الدخل المرتفع، في حين تزداد وطأة الأمراض المعدية وأمراض حديثي الولادة في البلدان المنخفضة الدخل. أما أهم عوامل الخطر التي تؤدي إلى اعتلال الصحة في البلدان ذات الدخل المنخفض، فهي سوء التغذية، والمياه والصرف الصحي والنظافة، وتلوث الهواء. ويقابلها في البلدان ذات الدخل المرتفع ارتفاع مؤشر كتلة الجسم (البدانة)، وارتفاع ضغط الدم، وتعاطي المخدرات، وارتفاع نسبة الغلوكوز في البلازما في أثناء الصوم، والتدخين.
وتزداد المخاوف بشأن صحة السكان في العالم العربي مع تفشي الأمراض المعدية الناشئة، مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) وجائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، مما يعطل الإجراءات لتحسين الصحة وتحقيق الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة.
- أثر كورونا على النُظم الصحية
بعد أسابيع من ظهور فيروس «كورونا» المتجدد، أعلنت منظمة الصحة العالمية تحوُّله إلى جائحة تشكل حالة طوارئ صحية عامة، وتثير قلقاً دولياً، وتشكل خطراً وجودياً على البلدان ذات النُظم الصحية الضعيفة. وقد انتشر الفيروس في جميع الدول العربية، وعدد الحالات في ازدياد دائم. ومؤخراً، ارتفعت أعداد الإصابات والوفيات الناتجة عن فيروس كورونا بشكل ملحوظ في معظم الدول العربية، بحيث إن الأعداد المتراكمة في العالم العربي قاربت 4 ملايين في منتصف شهر فبراير (شباط)، إلى جانب نحو 70 ألف وفاة. وقد استمر مركز أنظمة العلوم والهندسة في جامعة جونز هوبكنز في تسجيل ما بين 12 و26 ألف إصابة يومياً منذ 4 أشهر في الدول العربية. فقد سجلت بعض الدول العربية أرقاماً قياسية بعدد الإصابات اليومية، مثل الإمارات ولبنان، التي تخطت 3 آلاف إصابة في اليوم الواحد في بعض الأحيان، وتجاوزت 6 آلاف في لبنان، وهو من الأعلى في العالم نسبة إلى عدد السكان. أما معدل الوفيات فتعدى 2 في المائة في 45 في المائة من الدول العربية. وتظهر اختلافات ملحوظة بين الدول، بحيث حصلت اليمن على أعلى نسبة وفيات (29 في المائة)، تتبعها سوريا والسودان ومصر بنسبة 5-6 في المائة، بينما سجلت قطر والإمارات والبحرين ودول الخليج الأخرى ولبنان النسب الأقل في معدلات الوفيات (أقل من 1 في المائة). هذا الاختلاف في نسب الوفيات ليس مفاجئاً، نظراً إلى الاختلاف الكبير بين البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المرتفعة الدخل في الموارد والبنية التحتية الصحية وخدمات الرعاية الصحية المتاحة لرعاية المرضى المصابين ودعمهم. ومن جهة أخرى، يؤشر انخفاض عدد الحالات المبلغ عنها في اليمن، في مقابل الأعداد الأعلى المبلغ عنها في الدول المجاورة، إلى الاختلاف الكبير في قدرة إجراء فحوصات تشخيص المرض.
ويشير تقرير «أفد» إلى أن تفشي فيروس كورونا المستجد كشف عن العواقب الوخيمة للنُظم الصحية الهشة، وعدم الاستعداد للطوارئ في معظم الدول العربية، وكذلك ضعف القدرة على حشد الموارد لصالح الصحة العامة ورعاية المرضى في البلدان العربية المنخفضة الدخل أو ذات الدخل المتوسط الأقرب إلى المنخفض.
- العلاقة بين الصحة والاقتصاد
يزداد عبء المرض في الدول العربية التي يميل دخلها إلى الانخفاض، في مقابل تلك التي تتمتع بدخل أعلى، رغم التاريخ والثقافة المشتركين بين بعض البلدان. وفي مقابل التقديرات الواردة في إحصاءات منظمة الصحة العالمية لسنة 2016، زادت الأمراض غير المعدية ومعدلات وفيات تلوث الهواء بمرور الوقت في جميع البلدان العربية. ومن ناحية أخرى، انخفض معدل الوفيات الناجمة عن حوادث المرور في البلدان ذات الدخل المرتفع أو المتوسط، وتراجعت معدلات الانتحار في البلدان التي يميل دخلها إلى الانخفاض.
وفي دراسة أجريت على مدى 25 سنة، أظهرت وفيات الأمهات انخفاضاً ملحوظاً في معظم البلدان العربية، ومع ذلك لا تزال المعدلات مرتفعة نسبياً في البلدان التي يميل دخلها إلى الانخفاض. وبين سنتي 2016 و2019، أظهرت بعض البلدان انخفاضاً في معدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة، وفي معدلات وفيات الأطفال حديثي الولادة.
وتتباين معدلات الوفيات بسبب سوء نوعية المياه والصرف الصحي والنظافة بين الدول العربية، وهي الأعلى في الصومال. ومن الشائع نسبياً تدخين التبغ بين المواطنين العرب، ويسجل لبنان أعلى نسبة للمدخنين بمعدل 33.8 في المائة.
ويحذر تقرير «أفد» من الزيادة الملحوظة لمعدلات الوفيات الناتجة عن تلوث الهواء في العالم العربي بين سنتي 2016 و2019، فمن بين كل 100 ألف شخص ارتفعت الوفيات من 32.2 إلى 50.9 في العراق، ومن 29.7 إلى 51.4 في لبنان، ومن 13.5 إلى 53.9 في عُمان، ومن 9 إلى 47.4 في قطر. وتبرز الزيادة المقلقة في معدل الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء أهمية حماية البيئة، بصفتها جانباً أساسياً لتحسين الصحة في المنطقة.
ورغم وجود تطور إيجابي في عدد من المؤشرات، بما في ذلك تراجع معدلات الإصابة بالملاريا ومعدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة والمواليد، فإن مؤشرات أخرى ظلت من دون تغيير نسبياً، مثل معدلات الإصابة بالسلّ، وتفاقم القليل منها، ومعدلات وفيات تلوث الهواء. وهذا يدل على أن الصحة في العالم العربي تتحسن على نحو متواضع، ولكن هناك مجالات معينة بحاجة إلى معالجة للنجاح في تحقيق الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة.
وتواجه الدول العربية تحديات مختلفة تعيق قدرتها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة وضمان «الصحة للجميع». وتشمل هذه التحديات الأوضاع السياسية والاقتصادية، لا سيما النزاعات المسلحة في عدد من البلدان التي كان لها تأثير إقليمي واسع النطاق.
وإلى جانب المعدلات المرتفعة للإصابات والوفيات، تؤدي النزاعات المسلحة في العالم العربي إلى تدمير النُظم البيئية والبنى التحتية، وتدهور النُظم الصحية، واضطراب خدمات الرعاية الصحية، وظهور أمراض تم القضاء عليها سابقاً، أو زيادة معدلات بعض الأمراض، كما في ظهور شلل الأطفال من جديد، وزيادة الإصابة بالليشمانيات في سوريا، واتساع المجاعة وانتشار الكوليرا في اليمن. وتتجاوز هذه النزاعات نطاقها الجغرافي لتؤثر على البلدان المجاورة بفعل آثارها الاقتصادية الإقليمية والأعداد الهائلة من اللاجئين الذين يعبرون الحدود بحثاً عن الملجأ الآمن.
وتمثل الأزمات البيئية عقبات أمام التقدم في العالم العربي، حيث يعد تلوث الهواء أحد أكثر المشكلات شيوعاً في المنطقة. كما تؤدي الإدارة غير الملائمة للمياه العادمة والنفايات الصلبة إلى عبء بيئي في بعض البلدان. وتشير التقديرات إلى أنه بحلول سنة 2030، سيقيم 70 في المائة من المواطنين العرب في المدن، مما يؤدي إلى زيادة الاكتظاظ.
وفي حين يشير تقرير «أفد» إلى أن جائحة «كورونا» ستؤثر سلباً على التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدول العربية، من خلال زيادة معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات، وإجهاد أنظمة الرعاية الصحية والبنى التحتية، يخلص إلى أن نجاح العالم العربي في تحقيق الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة يتوقف على اعتماد مقاربة أفضل على المستويين المحلي والإقليمي لخلق بيئة مناسبة تضمن الصحة والرفاهية للجميع. وهذا يستدعي التعاون بين الدول العربية عبر تبادل القدرات والموارد، والتأهب لحالات الطوارئ التي تؤثر على الصحة.


مقالات ذات صلة

عدوى كوفيد أكثر خطورة على القلب من التطعيم

صحتك عدوى كوفيد أكثر خطورة على القلب من التطعيم

عدوى كوفيد أكثر خطورة على القلب من التطعيم

تحليل بيانات 14 مليون طفل ومراهق في بريطانيا

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك دراسة تشير إلى أن تطعيم الأطفال والمراهقين ضد كوفيد له ارتدادات إيجابية (رويترز)

دراسة تؤكد منافع تطعيم الأطفال والمراهقين ضد «كوفيد»

خلصت دراسة نُشرت الأربعاء إلى أن تطعيم الأطفال والمراهقين ضد كوفيد يشكّل إجراء سليماً له ارتدادات إيجابية على صعيد الصحة العامة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
صحتك المخاطر المرتبطة بعدوى «كوفيد-19» استمرت «لفترة أطول بكثير» مقارنةً بتلك التي لوحظت بعد التطعيم (رويترز)

دراسة تكشف: لقاح «كوفيد» أقل ضرراً من الفيروس نفسه

كشفت أكبر دراسة من نوعها أن لقاح «فايزر-بيونتيك» المضاد لـ«كوفيد-19 » يُسبب مشاكل أقل بكثير للأطفال والشباب مقارنةً بالفيروس نفسه.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس «كوفيد-19» أو الإنفلونزا واجهوا خطراً للإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية (بكساباي)

تحذير علمي: عدوى فيروسية شائعة قد تضاعف مخاطر أمراض القلب والدماغ

تشير أبحاث جديدة إلى أن بعض الفيروسات قد تجعل الناس أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك امرأة حامل تتلقى لقاحاً مضاداً لفيروس «كورونا» في أميركا (رويترز)

دراسة تربط بين إصابة الأمهات بـ«كورونا» أثناء الحمل والتوحد لدى أطفالهن

كشفت دراسة حديثة أن الأطفال أكثر عرضة لتشخيص التوحد واضطرابات النمو العصبي الأخرى إذا أصيبت أمهاتهم بعدوى «كوفيد-19» أثناء الحمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

كيف تتعامل الكائنات الحية مع السموم في الطبيعة؟

ثعابين (أ.ب)
ثعابين (أ.ب)
TT

كيف تتعامل الكائنات الحية مع السموم في الطبيعة؟

ثعابين (أ.ب)
ثعابين (أ.ب)

أجرى فريق من الباحثين في الولايات المتحدة تجربة فريدة من نوعها، حيث قاموا بتجويع عشرة أفاعٍ من فصيلة الثعابين الملكية Erythrolamprus reginae التي تعيش في غابات الأمازون في كولومبيا، على مدار أيام عدة، ثم وضعوها في صندوق زجاجي مع ثلاثة ضفادع سامة سهمية من فصيلة Ameerega trivittata.

ومن المعروف أن جلود هذه الضفادع تفرز مواد سامة مميتة تقضي على من يحاول أن يتغذى عليها. وفضلت ستة من الثعابين الابتعاد عن الضفادع السامة رغم جوعها، في حين بادرت أربعة ثعابين بمهاجمة الضفادع ثم جرها على الأرض، كما لو كانت تمسح السموم من فوق جلودها قبل التهامها.

ثعابين (أ.ب)

وتقول فاليري راميريز، الباحثة في مجال العلوم الحيوية بجامعة كاليفورنيا بيركلي الأميركية، إن التجربة أسفرت عن نجاة ثلاثة ثعابين من الوليمة المسمومة ونفوق ثعبان واحد؛ ما يعني أن أجسام الثعابين الثلاثة التي ظلت على قيد الحياة استطاعت التعامل مع المواد السامة التي تفرزها الضفادع وتحييد تأثيرها.

ويقول العلماء إن الكائنات الحية على اختلاف أنواعها تتعامل مع السموم في الطبيعة منذ مئات الملايين من السنين، فالميكروبات تستخدم أنواعاً من السموم لغزو أجسام العائل والتغلب على أنظمة المناعة لديها، وبعض النباتات تفرز مواد سامة لحماية نفسها من الحيوانات العشبية، وبعض الحيوانات والزواحف والحشرات تستخدم السموم لقتل فرائسها، أو لحماية نفسها من هجمات أعدائها الطبيعيين في البيئة التي تعيش فيها.

وكتبت الباحثة ريبيكا تارفين، من جامعة كاليفورنيا بيركلي، في الدورية العلمية Annual Review of Ecology, Evolution and Systematics لعام 2023، تقول إن العلماء يعملون على سبر أغوار السموم الطبيعية ووسائل مقاومتها لدى الأنواع الحية في محاولة لاكتشاف أفضل السبل لعلاج حالات تسمم البشر.

وتقول في تصريحات نقلها الموقع الإلكتروني Knowable Magazine المتخصص في الأبحاث العلمية، إن «بضع ملليغرامات من مركب واحد يمكن أن تغير جميع أشكال التفاعلات في النظام البيئي».

وتكتسب الأنواع الحية الخواص السامة بأساليب مختلفة، حيث يصنع بعضها السموم بشكل طبيعي داخل الجسم مثل الضفدع النقاز الذي يفرز جزيئات سامة تعرف باسم «الغليكوسيدات القلبية» والتي تعطل عمل بعض الوظائف الحيوية الأساسية داخل خلايا خصومها، في حين تأوي كائنات أخرى مثل السمكة الينفوخية Puffer Fish نوعاً من البكتريا يفرز مادة سامة تستهدف الجهاز العصبي تسمى «تيترودوكسين»، وتجعل تلك المادة لحوم هذه الأسماك غير صالحة للأكل. وتحصل أنواع عدّة من الكائنات على السموم من الأغذية التي تقتات عليها مثل بعض الضفادع التي تعتمد في غذائها على حشرات سامة، وتستطيع تطويع هذه السموم واستخدامها لصناعة مواد سامة خاصة بها لمحاربة خصومها وأعدائها في الطبيعة.

وفي الطبيعة، تتطور أجسام المخلوقات السامة على نحو يجعلها قادرة على مقاومة السموم نفسها التي تفرزها حتى لا تسمم نفسها، وكذلك تتطور الكائنات التي تتغذى على هذه المخلوقات السامة؛ فالحشرات التي تنمو وتتغذى على نبات الصقلاب أو حشيشة اللبن، وهو نبات غني بسموم الغليكوسيدات القلبية، تكونت لديها مناعة ضد هذا النوع من السموم.

ووجدت سوزانا دوبلر، الباحثة في مجال بيولوجيا الجزيئات بجامعة هامبورغ في ألمانيا، أن حشرة الصقلاب التي تتغذى على بذور هذا النبات السام تكونت لديها مقاومة ضد هذه المادة السامة عن طريق نوع من البروتينات الناقلة يحمل اسم «إيه بي سي بي»، حيث تغلف هذه البروتينات غشاء الخلايا في الأنسجة العصبية وتطرد المواد الضارة وغير المرغوب فيها خارج الخلية. وتبحث دوبلر بالاشتراك مع فريقها البحثي أيضاً فرضية أن البروتينات نفسها تغلف أغشية خلايا الأمعاء وتمنع امتصاص المواد السامة أو دخولها الجسم من البداية.

ثعابين (رويترز)

ووجد الباحثون أن فصيلة أخرى من الخنافس يطلق عليها اسم dogbane beetle قطعت شوطاً أطول في مقاومة المواد السامة في النباتات، حيث تقوم بتخزين هذه السموم في أجسامها وتفرزها على ظهرها كوسيلة للدفاع عن النفس عندما تستشعر الخطر.

أما بالنسبة للثعابين الملكية، فترى الباحثة ريبيكا تارفين أن السر في مقاومة السموم يكمن في أكبادها، حيث تفترض أن أكباد هذه الثعابين تفرز إنزيمات يمكنها تحويل السموم المميتة مواد غير ضارة، مثلما تتعامل أجسام البشر مع الكحوليات والنيكوتين على سبيل المثال. وتقول تارفين إن أكباد الثعابين تحتوي على أنواع من البروتينات التي تلتصق بالمادة السامة وتجعلها غير قابلة للالتحام مع الخلايا المستهدفة، بل وتقوم بمحوها مثلما تفعل قطعة «الإسفنج». وقد اكتشف علماء وجود هذه البروتينات «الإسفنج» داخل دماء بعض الضفادع السامة؛ ما يجعلها قادرة على مقاومة سموم مميتة مثل ساكسيتوكسين وألكالويد التي توجد في مصادر الغذاء الخاصة بها.

ويرى الباحثون أن بعض السناجب الأرضية في كاليفورنيا تستخدم الحيلة عينها للدفاع عن نفسها من سم الأفاعي الجرسية، حيث تحتوي دماء تلك السناجب على بروتينات تعطل مفعول هذه السموم، تماماً مثل البروتينات التي تستخدمها تلك الأفاعي نفسها لحماية ذاتها في حالة إذا ما تسربت السموم من الغدد السامة داخلها إلى أجسامها.

ويقول ماثيو هولدينغ، الباحث في مجال علوم الأحياء التطورية بجامعة ميشيغان الأميركية، إن السناجب الأرضية لديها مزيج من البروتينات في دمائها يتماشى مع السموم التي تفرزها الثعابين المحلية في المناطق التي تعيش فيها. وفي تصريحات لموقع Knowable Magazine، يقول هولدينغ إن تلك الدفاعات لا تكفل حصانة كاملة من السموم؛ لأن الثعابين - على حد قوله - تطور باستمرار أشكالاً جديدة من السموم تكون أكثر فاعلية للتغلب على فرائسها وخصومها، ويقول إن الأفعى الجرسية نفسها قد تموت إذا ما تم حقنها بكمية كافية من السم الذي تفرزه. ومن هذا المنطلق، فإن تجنب السموم هو حصن الدفاع الأول الذي تعتمد عليه المخلوقات بأنواعها للنجاة، وهو ما فعلته الثعابين الملكية قبل محاولة التهاب الضفادع السامة، وهو ما تفعله نفسه بعض السلاحف البحرية عندما تلتهم البطون والأجزاء الداخلية من أسماك السمندل وتترك ظهورها التي تحتوي على مواد سامة، بل إن يرقات بعض الحشرات التي لديها حصانة من سموم الغليكوسيدات في نبات الصقلاب تقوم باعتصار ساق النبات أولاً للتخلص من المواد السامة قبل التهامه.

ولعل الدرس المستفاد الذي اكتسبته الكائنات الحية بالغريزة كأول خطوة للنجاة عند التعامل مع السموم في بيئتها الطبيعية هو ألا تشرب السم.


غوتيريش للدول في قمة المناخ: إما أن نقود أو نُساق إلى الدمار

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يلقي كلمة خلال الجلسة العامة للقادة في إطار مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 30» في بيليم بولاية بارا بالبرازيل 6 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يلقي كلمة خلال الجلسة العامة للقادة في إطار مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 30» في بيليم بولاية بارا بالبرازيل 6 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

غوتيريش للدول في قمة المناخ: إما أن نقود أو نُساق إلى الدمار

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يلقي كلمة خلال الجلسة العامة للقادة في إطار مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 30» في بيليم بولاية بارا بالبرازيل 6 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يلقي كلمة خلال الجلسة العامة للقادة في إطار مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 30» في بيليم بولاية بارا بالبرازيل 6 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

رأى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الخميس، أن العالم فشل في الوفاء بالتزاماته للحد من ارتفاع حرارة الأرض عند مستوى 1.5 درجة.

وقال غوتيريش أمام قادة الدول، قبيل انعقاد المؤتمر الثلاثين للأمم المتحدة بشأن المناخ «كوب 30»، إن عقوداً من المماطلة والتجاهل أدت إلى «فشل في البقاء تحت مستوى 1.5 درجة» من ارتفاع حرارة الأرض، مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة الصناعية منتصف القرن التاسع عشر.

وأضاف: «هذا فشل أخلاقي، وإهمال قاتل»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ودعا غوتيريش الدول إلى التحلي بروح القيادة لمعالجة تغير المناخ، وقال في القمة: «يمكننا اختيار إما أن نقود أو نُساق إلى الدمار».


الأمم المتحدة: 2025 ستكون بين أكثر 3 سنوات حراً على الإطلاق

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة في كاليفورنيا (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة في كاليفورنيا (رويترز)
TT

الأمم المتحدة: 2025 ستكون بين أكثر 3 سنوات حراً على الإطلاق

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة في كاليفورنيا (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة في كاليفورنيا (رويترز)

رجحت الأمم المتحدة، الخميس، أنّ تكون 2025 من بين أكثر 3 أعوام حرّاً على الإطلاق، مختتمةً أكثر من عقد من الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في تحديث لحالة المناخ العالمي صدر قبل مؤتمر الأطراف الثلاثين (كوب30) الذي سيُعقد الأسبوع المقبل في البرازيل إنّ «الموجة المقلقة من درجات الحرارة الاستثنائية استمرت في 2025 الذي يُتوقَّع أن يكون ثاني أو ثالث أكثر عام حراً على الإطلاق».

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشارت المنظمة في تحديث لحالة المناخ العالمي صدر قبل مؤتمر الأطراف الثلاثين (كوب30) الذي تستضيفه البرازيل، إلى أنّ تركيزات غازات الدفيئة ارتفعت إلى مستويات قياسية جديدة، مما سيؤدي إلى ارتفاع إضافي في درجات الحرارة مستقبلاً.
وقالت الأمينة العامة للمنظمة سيليست ساولو، في بيان، إنّ هذه التطورات مجتمعة «توضح أنه سيكون من شبه المستحيل الحدّ من الاحترار العالمي عند 1,5 درجة مئوية في السنوات القليلة المقبلة من دون تجاوز هذا الهدف موقتاً».
وتهدف اتفاقية باريس للمناخ التي اعتُمدت عام 2015 إلى الحد من الاحترار العالمي إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، والسعي إلى الحفاظ على الاحترار عند عتبة 1,5 درجة مئوية.
ومع أنّ الوضع خطر، «توضح الحقائق العلمية أنه لا يزال من الممكن ومن الضروري خفض الاحترار إلى 1,5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن»، بحسب ساولو.