مرت ليبيا بأزمات ومحاولات عديدة للتسوية السياسية منذ اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط)»، قبل عشر سنوات، ولكن تظل منذ توقيع الاتفاق السياسي في منتجع الصخيرات بالمغرب يوم 7 ديسمبر (كانون الأول) 2015، ووصولاً إلى محطة جنيف راهناً، هي الأبرز في تاريخ هذا الصراع الدامي على السلطة. ورغم اضطلاع البعثة الأممية بالسعي لحلحة هذه الأزمة عبر الدفع بستة مبعوثين بداية من وزير الخارجية الأردني الأسبق عبد الإله الخطيب، وانتهاءً بتعيين الدبلوماسي السلوفاكي المخضرم يان كوبيش، مروراً بالأكاديمي اللبناني غسان سلامة، توقفت الأزمة طويلاً عند محطة «اتفاق الصخيرات». هذا الاتفاق أفرز المجلس الرئاسي لـ«حكومة الوفاق» كي يتولى إدارة شؤون البلاد. ومنذ ذلك الحين ساد ليبيا انقسام سياسي حاد، لم يخل من اشتباكات وحروب وتصاعد لغة الكراهية.
اثنان من المبعوثين السابقين، هما الدبلوماسي الإسباني برناردينو ليون والدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر، توليا إخراج ورعاية هذه المرحلة التي يراها غالبية المنتمين إلى شرق ليبيا سبباً في تردي الأوضاع السياسية بالبلاد. ووصفت الفترة التي تولى فيها ليون عمله بأنها الأصعب بين كل المبعوثين؛ إذ كان الاقتتال وتسلّط الميليشيات المسلحة على أشده، لكنه غادر منصبه تاركاً وراءه حالة من الغضب، ومعه «تركة» ثقيلة لخلفه كوبلر. غير أن الأخير، الذي عيّن في الفترة من 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 إلى 21 من يونيو (حزيران) 2017، أخفق أيضاً على الرغم من تجاربه السابقة في العراق وأفغانستان والكونغو الديمقراطية، وذلك بسبب خلافات الأطراف الليبية التي ساهمت إلى حد كبير في إفشال الاتفاق.
في المقابل، يُحسب للمبعوث الأممي السابق الدكتور غسان سلامة، أنه أحدث تقدماً ملحوظاً - وفقاً لليبيين أنفسهم - في ملفات عدة، أهمها المصالحة والحوار بين كثير من الأطراف والقبائل الليبية المتناحرة، منذ تعيينه في يونيو 2017. كذلك نجح في إجراء تعديلات على «اتفاق الصخيرات»، معتمداً على تراكم خبرات سابقة بصفته وزيراً وأستاذاً جامعياً. لكن العملية العسكرية على طرابلس، التي أمر بها المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي»، قبل أيام من عقد «مؤتمر جامع» كان يعد له سلامة عطّلت خطته الأممية لإجراء انتخابات نيابية ورئاسية في البلاد، ولـ«أسباب صحية» فضّل سلامة ترك منصبه في مطلع مارس (آذار) 2020، لتتولى نائبته ستيفاني ويليامز، رئاسة البعثة بالإنابة.
وسارت ويليامز (الأميركية الجنسية) على خطى سلامة، فراحت تعمل على إكمال المسارات الثلاثة التي انتهى إليها «مؤتمر برلين» في 19 يناير (كانون الثاني) 2020، بحضور 12 رئيس دولة، وهي المسارات العسكري (5+5)، والاقتصادي، والسياسي. ويوم 9 نوفمبر 2020 احتضنت تونس أولى جلسات الحوار بين الأفرقاء الليبيين بإشراف الأمم المتحدة، في مسعى للتوصل إلى تفاهمات لإنهاء النزاع والترتيب لوضع مؤسسات الحكم الدائمة. وبدأت البعثة من خلال قائمة ضمت 75 اسماً، من مختلف مدن ومناطق ليبيا، يمثلون التوجهات السياسية والاجتماعية كافة، العمل على اختيار السلطة التنفيذية المؤقتة.
في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2020 وقّع وفدا اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» في جنيف، اتفاقاً دائماً لوقف إطلاق النار يهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية؛ وجاء الاتفاق بعد أربعة أيام من بدء جولة مباحثات هي الرابعة من نوعها للجنة، ووصفت ويليامز هذه الخطوة بأنها «علامة فارقة تبعث على الأمل لدى الشعب الليبي».
ويوم 16 يناير 2021، أعلنت الممثلة الأممية، أن «ملتقى الحوار السياسي» سيصوّت على آلية لاختيار السلطة التنفيذية المؤقتة، بعدما لفتت إلى أن اللجنة الاستشارية الليبية المكونة من 18 عضواً توصلت لاتفاق على مقترح آلية اختيار السلطة التنفيذية المؤقتة.
وأخيراً، في 5 فبراير 2021 نجح المشاركون في «ملتقى الحوار السياسي» بجنيف في اختيار السلطة التنفيذية الجديدة، لتحدث المبعوثة بالإنابة ويليامز اخترقاً غير مسبوق في الأزمة الليبية، بالنظر إلى ما حظيت به هذه الخطوة من تأييد وإجماع دولي وإقليمية ومحلي. وقالت فور الإعلان عن الفائزين: «بالنيابة عن الأمم المتحدة، يسعدني أن أشهد هذه اللحظة التاريخية».
محطات تسوية الأزمة الليبية... من الصخيرات إلى جنيف
محطات تسوية الأزمة الليبية... من الصخيرات إلى جنيف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة