مساعٍ جزائرية لإحياء «اتفاق المصالحة» في مالي

TT

مساعٍ جزائرية لإحياء «اتفاق المصالحة» في مالي

أنهى وزير خارجية الجزائر صبري بوقادوم أمس، زيارة إلى مالي، حيث ترأس اجتماع «لجنة تنفيذ اتفاق السلام والمصالحة»، الذي وقعته حكومة مالي مع المعارضة بالجزائر عام 2015. ولم يحرز الاتفاق أي تقدم منذ 6 سنوات، ما يسبب قلقاً للجزائر التي تعد مالي عمقها الاستراتيجي، وتحرص على أن تكون لها كلمة فيما يجري من أحداث به. وعقد الاجتماع الخميس، بمدينة كيدال التي تقع بشمال البلاد قريباً من الحدود الجزائرية، وهي معقل الطوارق المسلحين المعارضين لباماكو. ويعد الاجتماع الـ42 لـ«اللجنة»، التي يترأسها سفير الجزائر لدى مالي، الأول في المواقع التي تسيطر عليها المعارضة، إذ جرت العادة أن يعقد في عاصمة البلاد، لدواعٍ أمنية. وقال بوقادوم على حسابه بـ«تويتر»، إن تنظيم الاجتماع بكيدال «حدث غير مسبوق، فهو مؤشر مهم من شأنه إعطاء دفع قوي لمسار السلم والمصالحة، الذي ترعاه الجزائر بالتعاون مع المجموعة الدولية الممثلة في اللجنة». ونقلت الإذاعة الحكومية الجزائرية، عن المنسق العام لـ«حركة ازواد في مالي» (معارضة) محمد مولود رمضان، أن «رئاسة الجزائر لاجتماع كيدال محفز على استكمال تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق السلم والمصالحة الموقع في الجزائر، خصوصاً ما تعلق بتوحيد الجيش وتنمية المناطق الحدودية شمالاً».
وبحث الاجتماع تسوية الخلاف بين طرفي النزاع، وهو تخلي المعارضة عن سلاحها طوعاً وإخلاء بعض المواقع العسكرية في الشمال ليستعيدها الجيش النظامي. وترى تنظيمات «ازواد» أن نزع سلاحها سيحرمها من ورقة للضغط على الحكومة، في حال حاولت التملص من تعهداتها الواردة في «اتفاق السلام»، منها تنمية مناطق الشمال اقتصادياً، وتوسيع تمثيل سكان الشمال بالبرلمان وتمكين أعيان منهم، من مناصب ووظائف في أجهزة الدولة. وتحرص الجزائر على إبعاد قوى أجنبية، خصوصاً فرنسا، بشأن «ملف المصالحة» الذي تعتبره قضيتها حصرياً. كما ترى أن استمرار الصراع كان سبباً في انتشار التنظيمات الإرهابية، خصوصاً بالشمال، وأن ذلك يضرب أمنها القومي.
وأكد بوقادوم في تغريدته أن الرئيس الانتقالي باه نداو استقبله الأربعاء، مبرزاً أن اللقاء «شكل فرصة للتطرق للعلاقات الثنائية وآفاق تعزيزها، وكذا السبل الكفيلة بتسريع وتيرة تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر للتسوية». كما قال إنه أجرى محادثات مع نائب رئيس الدولة المالي، العقيد عاصمي غويتا ومع وزير الخارجية زيني مولاي، ووزير المصالحة الوطنية العقيد إسماعيل واغي، وهي لقاءات تناولت حسب بوقادوم، «العلاقات الثنائية وكيفية الدفع قدماً بعملية السلم والمصالحة الوطنية في مالي». يشار إلى أن العقيد عاصمي غويتا، هو من قاد الانقلاب ضد الرئيس إبراهيم بوبكر كايتا في أغسطس (آب) الماضي، وقد فرض نفسه رئيساً للبلاد لفترة قصيرة، وهو ما رفضه الاتحاد الأفريقي بشدة. وكان كايتا أهم حليف للجزائر بالمنطقة، خصوصاً ما تعلق بقضايا محاربة الإرهاب ومراقبة الحدود ضد تجارة السلاح والهجرة السرية.
وزار بوقادوم مدينة غاوو، إحدى أهم مدن الشمال التي طالما سيطر عليها المتطرفون، مبرزاً في تغريدته أنه «استذكر زملاءنا شهداء الواجب»، بوعلام سياس القنصل الجزائري سابقاً بغاوو ونائبه طاهر تواتي، اللذين قتلهما تنظيم موالٍ لـ«القاعدة» عام 2005 بعد فترة من احتجازهما.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.