ميليشيات «الحشد الشعبي» نسخة عراقية من «الباسيج» الإيراني

جاءت رد فعل لسقوط الموصل.. ولإيجاد بديل للجيش العراقي المنهار

ميليشيات «الحشد الشعبي» نسخة عراقية من «الباسيج» الإيراني
TT

ميليشيات «الحشد الشعبي» نسخة عراقية من «الباسيج» الإيراني

ميليشيات «الحشد الشعبي» نسخة عراقية من «الباسيج» الإيراني

أصبح الصراع حول العراق حالة مفسرة للواقع العربي والدولي الموسوم بالتغيرات السريعة، فلم يعد الأمر مجرد صراع مختزل بين «داعش» الإرهابي والمجموعة الدولية المناهضة للإرهاب، بل إن الصراع متعدد الأطراف والأهداف، وهذا ما يخفي حسابات بعض الدول، ويجعل من استعمال جميع الوسائل والأسلحة جائزا لأغراض جيوستراتيجية. من تلك الأسلحة الخطرة التي استعملتها إيران باعتبارها طرفا أساسيا في الصراع الساعي للسيطرة على العراق المعاصر، سلاح الدين والمذهبية الشيعية؛ وهي بذلك تسعى لتعزيز القوة المادية العسكرية وجمع أهل المذهب لبناء قوة عسكرية أقوى من الدولة. وفي الوقت ذاته إنشاء هياكل مؤسساتية جديدة تحتل الميليشيات نواتها الصلبة، وتهيمن على مفاصلها.

ليس غريبا أن تكون خطبة صلاة الجمعة ليوم (12 يونيو «حزيران» 2014) في كربلاء، هي زمان إعلان الجهاد المقدس الطائفي، حيث تلا الخطيب الشيخ عبد المهدي الكربلائي فتوى المرجعية الدينية الشيعية آية الله السيستاني، التي دعت الشيعة القادرين لحمل السلاح بدعوى حماية المقدسات والأعراض ومواجهة الإرهاب والتكفيريين. وعلى هذا الأساس قاد هادي العامري وزير النقل في حكومة نوري المالكي، والأمين العام لمنظمة «بدر»، مجاميع هذه الميليشيات لفك الحصار عن مدينة آمرلي، وكانت العملية بمساندة جوية أميركية فيما يمكن اعتباره غطاء جويا للميليشيات الشيعية. كما قاد زعيم «بدر» شخصيا المعارك القتالية، إلى جانب القوات المشتركة من الجيش العراقي بقيادة «عمليات دجلة» والقوات الساعية لاستعادة مدن محافظة ديالى، وهو ما تم بالفعل، حيث اعتبرها العامري في ندوة صحافية عقدها يوم 26 يناير (كانون الثاني) 2015م مدينة آمنة.

* تأسيس «الجيش الطائفي»
* رغم أن تأسيس «قوات الحشد الشعبي» ينظر إليه كرد فعل طبيعي على سقوط الموصل بيد «داعش» في عهد نوري المالكي؛ فإن الدارس لجوانب القضية سرعان ما يكتشف أن الأمر يتجاوز ذلك، ليتعلق بشكل مباشر بطبيعة الاستراتيجية الإيرانية التي يقودها عمليا الحرس الثوري، وينفذها فيلق القدس على الأرض. ذلك أن طبيعة تدخل المرجعية الدينية المذهبية، وتركيبة قادة «الحشد الشعبي» من جهة، وكذا طبيعة القيادة المشرفة والمتحكمة في هذه الميليشيات، تؤكد من جديد أن «قوات الحشد الشعبي» هي جيش غير عشوائي التكوين والقصد والوسائل، وأن فيه الحس الوطني العراقي، بالقدر الذي يخدم هذا الأخير، ما هو استراتيجي إيراني ونظرته لمستقبل المنطقة.
ولأن الرؤية الطائفية والاستراتيجية الشيعية كانت واضحة حيال ضرورة إيجاد «جيش بديل» للجيش العراقي المنهار، فقد دعت الحكومة العراقية في 11 حزيران 2014 إلى تشكيل هذه القوة الجديدة، لتأتي بعد ذلك المرجعية الشيعية لإعلان «الجهاد الكفائي» في 13 من الشهر نفسه، فأصبح السياسي والديني خادما للطائفي، تحت ستار الواجب والفرض المقدس، وهذا ما يفسر سرعة استجابة حكومة نوري المالكي السابقة لتأسيس إطار رسمي تحت اسم «مديرية الحشد الشعبي»، لتسجيل وتدريب وتسليح حاملي السلاح من القوة الجديدة، وما رافقه من دعوة للجنود الفارين للرجوع إلى الخدمة العسكرية دفاعا عن بغداد ومحيطها.
وحسب مصادر عراقية رسمية تم تسجيل «1000000» متطوع ضمن هذا «الجيش البديل»، أما اللجنة العسكرية المشرفة على تجهيز المتطوعين، فأكدت أن عدد المتطوعين وصل إلى مليون ونصف المليون متطوع، تم تزويدهم بالسلاح، كما دعت الحكومة هؤلاء الأفراد لإحضار أسلحتهم. وفتحت الدولة المخازن لهم على المستوى الوطني، ووفرت لهم التدريب بمشاركة إيرانية مباشرة، في جو مليء بدعوات التحريض وتجييش الشيعة لممارسة العمل المسلح.
كل هذا سهّل اندماج عشرات الميليشيات العراقية الطائفية في فلك منظومة عسكرية يُعاد تكوينها، بفلسفة وعقيدة عسكرية جديدة. فهذه الميليشيات تتمتع بما يتمتع به الجيش النظامي العراقي من حقوق تجاه الدولة؛ فمن الناحية المالية، تدفع الدولة رواتب هذه الميليشيات، وتزودها بالسلاح والزي العسكري الرسمي. ولوجيستيا تمدها الدولة بالآليات والمعدات العسكرية بمختلف أنواعها، كما أنها تتمتع باستقلال في اتخاذ بعض القرارات العسكرية، حيث تخضع الميليشيات لقياداتها، وبالتالي يمكنها اتخاذ مبادرات وخوض معارك دون إذن رسمي من الدولة، وهذا ما يجعل منها أداة لتصفية الحسابات السياسية والطائفية، ويشجعها على ارتكاب مجازر، كتلك التي ارتكبتها في معركتها الأخيرة بمحافظة ديالى، حيث أعدمت 70 مدنيا، واحتفلت بالرقص فوق جثثهم. كما أنها تمارس التغيير الديموغرافي بالتهجير، وتمنع العوائل السنية من العودة إلى مناطقها في أكثر من مدينة عراقية.

* قوات عسكرية محلية ببعد إقليمي
* والحقيقة أن هناك نوعين من القوات المسلحة العسكرية بالعراق حاليا؛ القوات العراقية النظامية، التي تتكون أساسا من ميليشيا «بدر» بقيادة هادي العامري، و«العصائب» بزعامة قيس الخزعلي، و«الكتائب» و«سرايا السلام» التابعة لمقتدى الصدر؛ وهناك قوات عسكرية من نوع ثانٍ، وهي ما أطلق عليه «الحشد الشعبي»، وفصائل أخرى. وكما أشرنا سابقا، فإن استقلالية «الحشد الشعبي» على المستوى الميداني أمر واقع، ليس لطبيعة الظروف العسكرية، لكن لطبيعة مهمة كل القوات العسكرية. لكن ذلك لا ينفي اعتمادها على العقيدة الدينية المذهبية باعتبارها عقيدة مشتركة لكل القوات العسكرية.
وقد وضح ذلك القيادي بميليشيا «بدر» مثنى التميمي، حيث أكد أن «فتوى الجهاد الكفائي للمرجعية الدينية أباحت لنا التدخل في كل جزء من العراق».
وإذا كانت الميليشيات كما رأينا في مقالة متعلقة بميليشيا بدر (انظر جريدة «الشرق الأوسط» 26 يناير 2015) تشتغل تحت إشراف الحرس الثوري، فإن «الحشد الشعبي» هو الآخر يخضع لإشراف من قوات «الباسيج - التعبئة الشعبية» الإيرانية، من حيث التدريب وترسيخ العقيدة القتالية؛ ففي معركة «ديالى» الأخيرة التي خاضها «الحشد الشعبي» أدت لمقتل 10 من «الباسيج»، كما أسفرت معركة سابقة بمنطقة سامراء عن مقتل قائد في «قوات التعبئة» الإيرانية يُسمى «نوروزي». وهو أحد أعضاء مقر «الشهيد تيموري نيا» التابع لقوات «الباسيج» في مدينة كرمنشاه غرب إيران، وكان أحد المشرفين على التدريب والمستشارين لقوات «الحشد الشعبي» في سامراء، كما كان يشارك في العمليات القتالية ضمن «وحدة العمليات الخاصة»، العاملة في ميليشيا «بدر».
ولا تزال إلى اليوم مجموعات كاملة من «الباسيج» تشرف على تأمين بغداد، وبعض من أطرافها، وتشارك في العمليات القتالية إلى جانب «الحشد الشعبي» الموكول لها حراس العاصمة العراقية.
ووفقا لما أوردته وكالة «فارس» الإيرانية، نهاية سنة 2014م، فإن «فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قام بتأسيس جيش رديف من الميليشيات، وآلاف المتطوعين تحت اسم (الحشد الشعبي)، بقصد مساندة الجيش العراقي (المنهار)».
من جهته، ما زال نوري المالكي يولي اهتماما خاصا بهذه القوات، فقد استقبل قادة «الحشد الشعبي» وفصائل المقاومة الإسلامية بصفته النائب الأول لرئيس الجمهورية بمكتبه الرسمي يوم 26 يناير 2015م، معبرا لها عن استمرار دعمه لها، وعن استعداد الدولة ماليا ولوجيستيا لدعم هذه القوات، وفي الوقت نفسه، عبر لقادة «الحشد الشعبي» عن رفضه للتهم التي توجه لهم.
أكثر من ذلك، تحاول أطراف شيعية كثيرة سياسية وعسكرية تولية رئيس الحكومة السابق، نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي منصب قائد «الحشد الشعبي»، مما أثار حفيظة مقتدى الصدر، حيث عبر عن رفض زعيم التيار الصدري لهذا التوجه، في بيان رسمي يوم الخميس 29 يناير (كانون الثاني) الحالي، معتبرا تولية نوري المالكي لرئاسة «الحشد الشعبي» محاولة «لتأجيج الطائفية». وغير خاف أن هذا يأتي مع بروز خلافات بين ميليشيات «الحشد الشعبي» حول التعويضات المالية، كما يأتي في ظل اتهام هذه الميليشيات بارتكاب جرائم بشعة ضد المدنيين، وبالتالي فتدخل نوري المالكي في هذا الوقت يُفهم منه أن هذه القوات محمية داخليا، وأنها تتمتع برضا إيران خارجيا.
خلاصة الأمر، أن «قوات الحشد الشعبي» لم تُنشأ لردع «داعش» فقط، بل إنها جزء من بناء منظومة عسكرية عراقية طائفية مرتهنة بالمشروع الإيراني، من جهتين على الأقل؛ جهة العقيدة العسكرية المنطلقة من المذهبية الدينية، التي تنظر للجوار السني تهديدا مباشرا. أما الجهة الثانية فتتعلق بالجيوستراتيجي، لذا تسعى إيران وأنصارها بالسلطة العراقية، على الإبقاء على هذه القوة العسكرية بصيغ مختلفة ومتماشية مع الظروف كجيب داخلي يحمي مصالح إيران من أي تهديد محتمل بالعراق وجوار العراق، وهذا (فيما نحسب) أخطر تهديد مستقبلي يشكله هذا النظام العسكري ذو الولاء للحرس الثوري. ومن هنا يبقى احتمال زعزعة استقرار جيران العراق الخليجيين (الكويت خصوصا) على المدى المنظور، احتمالا واردا جدا، سواء تشكلت قوات الحرس الوطني، بعراق المستقبل، أم لم تتشكل.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».