ميليشيات «الحشد الشعبي» نسخة عراقية من «الباسيج» الإيراني

جاءت رد فعل لسقوط الموصل.. ولإيجاد بديل للجيش العراقي المنهار

ميليشيات «الحشد الشعبي» نسخة عراقية من «الباسيج» الإيراني
TT

ميليشيات «الحشد الشعبي» نسخة عراقية من «الباسيج» الإيراني

ميليشيات «الحشد الشعبي» نسخة عراقية من «الباسيج» الإيراني

أصبح الصراع حول العراق حالة مفسرة للواقع العربي والدولي الموسوم بالتغيرات السريعة، فلم يعد الأمر مجرد صراع مختزل بين «داعش» الإرهابي والمجموعة الدولية المناهضة للإرهاب، بل إن الصراع متعدد الأطراف والأهداف، وهذا ما يخفي حسابات بعض الدول، ويجعل من استعمال جميع الوسائل والأسلحة جائزا لأغراض جيوستراتيجية. من تلك الأسلحة الخطرة التي استعملتها إيران باعتبارها طرفا أساسيا في الصراع الساعي للسيطرة على العراق المعاصر، سلاح الدين والمذهبية الشيعية؛ وهي بذلك تسعى لتعزيز القوة المادية العسكرية وجمع أهل المذهب لبناء قوة عسكرية أقوى من الدولة. وفي الوقت ذاته إنشاء هياكل مؤسساتية جديدة تحتل الميليشيات نواتها الصلبة، وتهيمن على مفاصلها.

ليس غريبا أن تكون خطبة صلاة الجمعة ليوم (12 يونيو «حزيران» 2014) في كربلاء، هي زمان إعلان الجهاد المقدس الطائفي، حيث تلا الخطيب الشيخ عبد المهدي الكربلائي فتوى المرجعية الدينية الشيعية آية الله السيستاني، التي دعت الشيعة القادرين لحمل السلاح بدعوى حماية المقدسات والأعراض ومواجهة الإرهاب والتكفيريين. وعلى هذا الأساس قاد هادي العامري وزير النقل في حكومة نوري المالكي، والأمين العام لمنظمة «بدر»، مجاميع هذه الميليشيات لفك الحصار عن مدينة آمرلي، وكانت العملية بمساندة جوية أميركية فيما يمكن اعتباره غطاء جويا للميليشيات الشيعية. كما قاد زعيم «بدر» شخصيا المعارك القتالية، إلى جانب القوات المشتركة من الجيش العراقي بقيادة «عمليات دجلة» والقوات الساعية لاستعادة مدن محافظة ديالى، وهو ما تم بالفعل، حيث اعتبرها العامري في ندوة صحافية عقدها يوم 26 يناير (كانون الثاني) 2015م مدينة آمنة.

* تأسيس «الجيش الطائفي»
* رغم أن تأسيس «قوات الحشد الشعبي» ينظر إليه كرد فعل طبيعي على سقوط الموصل بيد «داعش» في عهد نوري المالكي؛ فإن الدارس لجوانب القضية سرعان ما يكتشف أن الأمر يتجاوز ذلك، ليتعلق بشكل مباشر بطبيعة الاستراتيجية الإيرانية التي يقودها عمليا الحرس الثوري، وينفذها فيلق القدس على الأرض. ذلك أن طبيعة تدخل المرجعية الدينية المذهبية، وتركيبة قادة «الحشد الشعبي» من جهة، وكذا طبيعة القيادة المشرفة والمتحكمة في هذه الميليشيات، تؤكد من جديد أن «قوات الحشد الشعبي» هي جيش غير عشوائي التكوين والقصد والوسائل، وأن فيه الحس الوطني العراقي، بالقدر الذي يخدم هذا الأخير، ما هو استراتيجي إيراني ونظرته لمستقبل المنطقة.
ولأن الرؤية الطائفية والاستراتيجية الشيعية كانت واضحة حيال ضرورة إيجاد «جيش بديل» للجيش العراقي المنهار، فقد دعت الحكومة العراقية في 11 حزيران 2014 إلى تشكيل هذه القوة الجديدة، لتأتي بعد ذلك المرجعية الشيعية لإعلان «الجهاد الكفائي» في 13 من الشهر نفسه، فأصبح السياسي والديني خادما للطائفي، تحت ستار الواجب والفرض المقدس، وهذا ما يفسر سرعة استجابة حكومة نوري المالكي السابقة لتأسيس إطار رسمي تحت اسم «مديرية الحشد الشعبي»، لتسجيل وتدريب وتسليح حاملي السلاح من القوة الجديدة، وما رافقه من دعوة للجنود الفارين للرجوع إلى الخدمة العسكرية دفاعا عن بغداد ومحيطها.
وحسب مصادر عراقية رسمية تم تسجيل «1000000» متطوع ضمن هذا «الجيش البديل»، أما اللجنة العسكرية المشرفة على تجهيز المتطوعين، فأكدت أن عدد المتطوعين وصل إلى مليون ونصف المليون متطوع، تم تزويدهم بالسلاح، كما دعت الحكومة هؤلاء الأفراد لإحضار أسلحتهم. وفتحت الدولة المخازن لهم على المستوى الوطني، ووفرت لهم التدريب بمشاركة إيرانية مباشرة، في جو مليء بدعوات التحريض وتجييش الشيعة لممارسة العمل المسلح.
كل هذا سهّل اندماج عشرات الميليشيات العراقية الطائفية في فلك منظومة عسكرية يُعاد تكوينها، بفلسفة وعقيدة عسكرية جديدة. فهذه الميليشيات تتمتع بما يتمتع به الجيش النظامي العراقي من حقوق تجاه الدولة؛ فمن الناحية المالية، تدفع الدولة رواتب هذه الميليشيات، وتزودها بالسلاح والزي العسكري الرسمي. ولوجيستيا تمدها الدولة بالآليات والمعدات العسكرية بمختلف أنواعها، كما أنها تتمتع باستقلال في اتخاذ بعض القرارات العسكرية، حيث تخضع الميليشيات لقياداتها، وبالتالي يمكنها اتخاذ مبادرات وخوض معارك دون إذن رسمي من الدولة، وهذا ما يجعل منها أداة لتصفية الحسابات السياسية والطائفية، ويشجعها على ارتكاب مجازر، كتلك التي ارتكبتها في معركتها الأخيرة بمحافظة ديالى، حيث أعدمت 70 مدنيا، واحتفلت بالرقص فوق جثثهم. كما أنها تمارس التغيير الديموغرافي بالتهجير، وتمنع العوائل السنية من العودة إلى مناطقها في أكثر من مدينة عراقية.

* قوات عسكرية محلية ببعد إقليمي
* والحقيقة أن هناك نوعين من القوات المسلحة العسكرية بالعراق حاليا؛ القوات العراقية النظامية، التي تتكون أساسا من ميليشيا «بدر» بقيادة هادي العامري، و«العصائب» بزعامة قيس الخزعلي، و«الكتائب» و«سرايا السلام» التابعة لمقتدى الصدر؛ وهناك قوات عسكرية من نوع ثانٍ، وهي ما أطلق عليه «الحشد الشعبي»، وفصائل أخرى. وكما أشرنا سابقا، فإن استقلالية «الحشد الشعبي» على المستوى الميداني أمر واقع، ليس لطبيعة الظروف العسكرية، لكن لطبيعة مهمة كل القوات العسكرية. لكن ذلك لا ينفي اعتمادها على العقيدة الدينية المذهبية باعتبارها عقيدة مشتركة لكل القوات العسكرية.
وقد وضح ذلك القيادي بميليشيا «بدر» مثنى التميمي، حيث أكد أن «فتوى الجهاد الكفائي للمرجعية الدينية أباحت لنا التدخل في كل جزء من العراق».
وإذا كانت الميليشيات كما رأينا في مقالة متعلقة بميليشيا بدر (انظر جريدة «الشرق الأوسط» 26 يناير 2015) تشتغل تحت إشراف الحرس الثوري، فإن «الحشد الشعبي» هو الآخر يخضع لإشراف من قوات «الباسيج - التعبئة الشعبية» الإيرانية، من حيث التدريب وترسيخ العقيدة القتالية؛ ففي معركة «ديالى» الأخيرة التي خاضها «الحشد الشعبي» أدت لمقتل 10 من «الباسيج»، كما أسفرت معركة سابقة بمنطقة سامراء عن مقتل قائد في «قوات التعبئة» الإيرانية يُسمى «نوروزي». وهو أحد أعضاء مقر «الشهيد تيموري نيا» التابع لقوات «الباسيج» في مدينة كرمنشاه غرب إيران، وكان أحد المشرفين على التدريب والمستشارين لقوات «الحشد الشعبي» في سامراء، كما كان يشارك في العمليات القتالية ضمن «وحدة العمليات الخاصة»، العاملة في ميليشيا «بدر».
ولا تزال إلى اليوم مجموعات كاملة من «الباسيج» تشرف على تأمين بغداد، وبعض من أطرافها، وتشارك في العمليات القتالية إلى جانب «الحشد الشعبي» الموكول لها حراس العاصمة العراقية.
ووفقا لما أوردته وكالة «فارس» الإيرانية، نهاية سنة 2014م، فإن «فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قام بتأسيس جيش رديف من الميليشيات، وآلاف المتطوعين تحت اسم (الحشد الشعبي)، بقصد مساندة الجيش العراقي (المنهار)».
من جهته، ما زال نوري المالكي يولي اهتماما خاصا بهذه القوات، فقد استقبل قادة «الحشد الشعبي» وفصائل المقاومة الإسلامية بصفته النائب الأول لرئيس الجمهورية بمكتبه الرسمي يوم 26 يناير 2015م، معبرا لها عن استمرار دعمه لها، وعن استعداد الدولة ماليا ولوجيستيا لدعم هذه القوات، وفي الوقت نفسه، عبر لقادة «الحشد الشعبي» عن رفضه للتهم التي توجه لهم.
أكثر من ذلك، تحاول أطراف شيعية كثيرة سياسية وعسكرية تولية رئيس الحكومة السابق، نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي منصب قائد «الحشد الشعبي»، مما أثار حفيظة مقتدى الصدر، حيث عبر عن رفض زعيم التيار الصدري لهذا التوجه، في بيان رسمي يوم الخميس 29 يناير (كانون الثاني) الحالي، معتبرا تولية نوري المالكي لرئاسة «الحشد الشعبي» محاولة «لتأجيج الطائفية». وغير خاف أن هذا يأتي مع بروز خلافات بين ميليشيات «الحشد الشعبي» حول التعويضات المالية، كما يأتي في ظل اتهام هذه الميليشيات بارتكاب جرائم بشعة ضد المدنيين، وبالتالي فتدخل نوري المالكي في هذا الوقت يُفهم منه أن هذه القوات محمية داخليا، وأنها تتمتع برضا إيران خارجيا.
خلاصة الأمر، أن «قوات الحشد الشعبي» لم تُنشأ لردع «داعش» فقط، بل إنها جزء من بناء منظومة عسكرية عراقية طائفية مرتهنة بالمشروع الإيراني، من جهتين على الأقل؛ جهة العقيدة العسكرية المنطلقة من المذهبية الدينية، التي تنظر للجوار السني تهديدا مباشرا. أما الجهة الثانية فتتعلق بالجيوستراتيجي، لذا تسعى إيران وأنصارها بالسلطة العراقية، على الإبقاء على هذه القوة العسكرية بصيغ مختلفة ومتماشية مع الظروف كجيب داخلي يحمي مصالح إيران من أي تهديد محتمل بالعراق وجوار العراق، وهذا (فيما نحسب) أخطر تهديد مستقبلي يشكله هذا النظام العسكري ذو الولاء للحرس الثوري. ومن هنا يبقى احتمال زعزعة استقرار جيران العراق الخليجيين (الكويت خصوصا) على المدى المنظور، احتمالا واردا جدا، سواء تشكلت قوات الحرس الوطني، بعراق المستقبل، أم لم تتشكل.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».