صدام دبلوماسي روسي ـ غربي حول سوريا يضع اللجنة الدستورية في عهدة «الضامنين»

الأسد أكد أولوية «مناقشة المبادئ والاتفاق عليها»

المبعوث الأممي غير بيدرسن في ختام الجولة الخامسة للجنة الدستورية في جنيف 29 الشهر الماضي (أ.ف.ب)
المبعوث الأممي غير بيدرسن في ختام الجولة الخامسة للجنة الدستورية في جنيف 29 الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

صدام دبلوماسي روسي ـ غربي حول سوريا يضع اللجنة الدستورية في عهدة «الضامنين»

المبعوث الأممي غير بيدرسن في ختام الجولة الخامسة للجنة الدستورية في جنيف 29 الشهر الماضي (أ.ف.ب)
المبعوث الأممي غير بيدرسن في ختام الجولة الخامسة للجنة الدستورية في جنيف 29 الشهر الماضي (أ.ف.ب)

فشل مجلس الأمن الدولي في تبني بيان رئاسي حول سوريا، في أول مواجهة غربية - روسية منذ تسلم الرئيس الأميركي جون بايدن، عزز تحذيرات المبعوث الأممي غير بيدرسن من آثار الانقسام الدولي من جهة، ونقل الكرة إلى ملعب «الضامنين»، موسكو وأنقرة وطهران، في سوتشي الروسية منتصف الشهر المقبل لإنقاذ ما تبقى من المسار السياسي، من جهة ثانية.

مسودة أممية
وبعد جلسة مغلقة لأعضاء المجلس، قدم فيها بيدرسن عرضاً لنتائج الجولة الخامسة من «اللجنة الدستورية» في جنيف نهاية الشهر الماضي وتقديم ممثلي الدول الـ15 مداخلاتهم، ليل الثلاثاء - الأربعاء، قدمت خلال الرئاسة البريطانية لهذا الشهر، مسودة بيان رئاسي، حصلت «الشرق الأوسط» على نصها. ونصت على أنه بعدما أطلع بيدرسن «الأعضاء في أعقاب إنجاز الجلسة الأولى للهيئة المصغرة التابعة للجنة الدستورية في 29 يناير (كانون الثاني)، على أحدث المستجدات»، اقترحت «ترحيب الأعضاء بالتقرير الموجز الذي قدمه المبعوث، وأعربوا عن دعمهم جهوده، وأسفهم لأنه بعد مرور سبعة عشر شهراً على إطلاق اللجنة، التي تملكها وتقودها سوريا، لم تبدأ حتى الآن عملية صياغة الإصلاح الدستوري، تبعاً للقرار 2254».
وأشارت المسودة إلى أن الأعضاء «أعادوا التأكيد على أنه ليس هناك حل عسكري للصراع الدائر في سوريا، وأنه لا يمكن تسويته سوى عبر التنفيذ الكامل للقرار 2254 بما في ذلك عقد انتخابات حرة ونزيهة، بناءً على دستور جديد وتحت إشراف الأمم المتحدة بما يتماشى مع أرفع المعايير الدولية من الشفافية والمحاسبة»، إضافة إلى «استمرار دعمهم الجهود الدبلوماسية التي يبذلها المبعوث، لإحراز تقدم على جوانب القرار 2254 ودعوة جميع الدول لدعمه»، و«التزامهم القوي بسيادة سوريا واستقلالها السياسي وسلامة ووحدة أراضيها».
وقالت مصادر دبلوماسية، إن المسودة لم تحظ بالإجماع بسبب إعراض روسيا والصين على بعض العبارات، خصوصاً ما يتعلق ببند الانتخابات و«الترحيب» بإيجاز بيدرسن الذي اقترب من تحميل الوفد «المدعوم من الحكومة» برئاسة أحمد الكزبري مسؤولية عدم حصول تقدم في الجولة الخامسة من «الدستورية» في جنيف نهاية الشهر الماضي. كما أثير موضوع محاربة الإرهاب.

من المسؤول؟
كان بيدرسن قال بعد الجلسة المغلقة، إنه «يجب تخطي انقسامات المجتمع الدولي». واعتبر أن هناك «ضرورة لاعتماد دبلوماسية دولية بناءة بشأن سوريا. من دون ذلك، تبقى قليلة احتمالات تحقيق تقدم فعلي على المسار الدستوري». وعادة ما تكون جلسة مجلس الأمن الشهرية لبحث الملف السوري مفتوحة، لكن بعد «الخيبة» من اجتماع «الدستورية»، تقرر جعلها مغلقة، حيث قال بيدرسن، إن الجولة الخامسة كانت «فرصة ضائعة» وشكّلت «خيبة أمل». وأوضح، أن «البعض اقترح مواصلة العمل بالآلية نفسها، في حين طالب البعض الآخر بتغيير كامل لوتيرة الاجتماعات ولمددها وبوضع جدول زمني». واعتبر أن هناك «انعداماً للثقة ولنية التسوية كما للمساحة السياسية المتاحة للقيام بتسويات».
وإذ أجمعت دول غربية على التنديد بـ«فشل» المسار السياسي المعتمد وعدم تحقيق اللجنة إنجاز «خلال 18 شهراً» بسبب «مماطلة» دمشق، فإن الجانبين الروسي والصيني نوها بعملية وضرورة دعم اللجنة رغم بطئها.
وعلم أن دولاً غربية تضغط على بيدرسن لفتح «سلال» أخرى لتنفيذ القرار، وتضمن ملفات: مكافحة الإرهاب، الانتقال السياسي، والانتخابات، إضافة إلى الإصلاح الدستوري.

مبادئ... ثم تفاصيل
أعرب بيدرسن عن أمله بزيارة دمشق قريباً والمشاركة في الاجتماع المقبل لمجموعة آستانة في سوتشي، لبحث نتائج «الدستورية» والاتفاق على المراحل المقبلة، حيث هناك رغبة أممية في الاتفاق على موعد الجولة المقبلة وجدولها وآلية «صوغ» الدستور والعمل - التعاون بين الكزبري ورئيس وفد «هيئة التفاوض» المعارضة هادي البحرة. وقبل هذا الاجتماع الثلاثي، التقى الرئيس بشار الأسد، علي أصغر خاجي، كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني، في دمشق أمس، وبحثا في «الاجتماعات التي تعقد بصيغة مسار آستانة وضرورة البناء على ما تم تحقيقه في الاجتماعات السابقة والمواضيع المطروحة على جدول اجتماع سوتشي، واجتماعات لجنة مناقشة الدستور في جنيف، حيث تم التأكيد على ضرورة استمرار عمل هذه اللجنة دون تدخلات خارجية وفق قواعد الإجراءات التي تم الاتفاق عليها سابقاً وبآلية عمل ومنهجية واضحة تبدأ من النقاش حول المبادئ الأساسية والاتفاق عليها، ثم الانتقال إلى التفاصيل»، حسب بيان رسمي. وكان المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرينييف أبلغ محاوريه في جنيف نهاية الشهر، أنه قام بزيارة غير علنية إلى دمشق والتقى الأسد لبحث ملفات ثنائية بينها «الدستورية».
وتمسك الوفد «المدعوم من الحكومة» في الجولة السابقة بضرورة إجراء «مناقشات» حول «مبادئ وطنية» قبل «صوغ» الدستور. كما طالبت بالتوافق حول «محددات وطنية»، بينها «إدانة ورفض الاحتلالين الأميركي والتركي»، و«نبذ الإرهاب»، والتمسك بـ«سيادة سوريا ووحدتها».

توضيح
ونفى ممثل قيادة جبهة «التغيير والتحرير» ورئيس منصة موسكو للمعارضة السورية» قدري جميل تقديم «منصتي» موسكو والقاهرة للجانب الروسي وثيقة مكتوبة حول إنشاء مجلس عسكري سوري مشترك.
وكتب جميل في تغريدة على «تويتر»، أن «الخبر لا يمت للواقع بأي صلة، ونستغرب توقيته وشكله، ونستنكر محتواه الذي يهدف لخلط أوراق العملية السياسية التي نضجت ظروفها ويهدف لعرقلتها».
وكتبت «الشرق الأوسط» الأربعاء، أن موسكو تلقت عروضاً من معارضين سوريين من «منصتي» موسكو والقاهرة تضمن اقتراح «تشكيل مجلس عسكري خلال المرحلة الانتقالية يتم الاتفاق حول مدتها». وشملت تلك العروض قيام بعض الشخصيات السورية المعارضة بعرض أفكار بصفة شخصية على الجانب الروسي حول تشكيل مجلس عسكري ومهماته. وقال جمال سليمان، أمس، إنه لم تقدم وثيقة رسمية باسم «منصتي» القاهرة وموسكو، بل «قدمت أفكاراً بصفتي الشخصية» خلال زيارة موسكو. وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التقى في موسكو في 21 الشهر الماضي جميل وسليمان وخالد المحاميد ومهند دليقان، و«أكد أن بلاده مستعدة لمواصلة تعزيز الحوار الشامل بين الأطراف السورية من أجل تسريع عودة الأوضاع إلى طبيعتها»، حسب بيان رسمي. كما أبدى «استعداد روسيا الثابت لمواصلة تعزيز حوار شامل وبنّاء بين السوريين من أجل تطبيع الوضع في سوريا في أسرع وقت».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».