«سوق سوداء» في دمشق لبيع الخبز بعد عجز الحكومة عن توفيره

صاحب أحد الأفران «يسجن» زبائنه الجائعين

«سوق سوداء» في دمشق لبيع الخبز بعد عجز الحكومة عن توفيره
TT

«سوق سوداء» في دمشق لبيع الخبز بعد عجز الحكومة عن توفيره

«سوق سوداء» في دمشق لبيع الخبز بعد عجز الحكومة عن توفيره

ظهرت أزمات جديدة زادت في معاناة الناس على هامش أزمة الخبز في دمشق ومناطق سيطرة الحكومة السورية وسط تحذيرات من زيادة معدلات الفقر في البلاد.
وكشف مقطع فيديو تداولته مواقع إخبارية سورية، عن فضيحة جديدة حول تمادي بعضهم في إذلال السوريين، لدى قيام صاحب أحد الأفران بمحيط دمشق بحبس الأهالي المنتظرين في «طابور الرغيف» داخل حرم الفرن الخارجي؛ وذلك لبقائهم بالانتظار بعد انتهاء الدوام الرسمي، في وقت أفادت تصريحات بضرورة اتخاذ إجراءات مشددة لمنع التلاعب بتوزيع الرغيف وتخفيف الازدحام أمام الأفران. كما تم منع تصوير طوابير الخبز، وأي شخص يضبط وهو يصور أمام الأفران يساق إلى مخفر الشرطة، بحسب ما أكدته مصادر أهلية وإعلامية متقاطعة.
وذكر موقع «البعث ميديا» التابع لصحيفة «البعث» الناطقة باسم الحزب الحاكم، أن نحو 200 عائلة على الأقل حُرموا من الحصول على خبز مدعوم في منطقة المزة بدمشق، خلال اليومين الماضيين، ومنهم من اضطر إلى شراء الخبز السياحي الباهظ الثمن قياساً لمعدلات الدخل (سعر الربطة 800 غرام 1500 كحد أدنى)، وقالت إن «سبب الحرمان ليس الحصار ولا قلة الطحين والوقود، إنما مزاجية متعهد الفرن الواقع داخل المدينة الجامعية بالتنسيق مع من يتولى إدارة الباب الرئيسي للمدينة».
من جانبه، بث «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الأربعاء مقطع فيديو أظهر احتجاز مدنيين داخل حرم أحد الأفران في منطقة مشروع دمر في محيط العاصمة، وقال إنه رصد قيام صاحب أحد الأفران في منطقة «مشروع دمر» باحتجاز المواطنين ضمن الحرم الخارجي للفرن، ذلك من خلال قيامه بقفل الباب الرئيسي للحرم «مكان تواجد المواطنين على طابور الخبز» عقوبة لهم بسبب بقائهم أمام الفرن رغم انتهاء الدوام، في مشهد وصفه بأنه «مذل جداً»، وسط استياء الأهالي.
وتطول الطوابير أمام الأفران لعشرات الأمتار وأمام محال المعتمدين من أصحاب البقاليات الخاصة، ويضطر الناس إلى الوقوف من الساعة الخامسة صباحاً، حتى الساعة 12 ظهراً للحصول على ربطة خبز.
وكان «المرصد» قد أفاد بوقت سابق بإصابة ثلاثة أشخاص في شجار تطور لاستخدام أسلحة بيضاء، على طابور أمام أحد أفران الخبز، في منطقة الدويلعة الشعبية جنوب شرقي دمشق، وفي سياق ذلك، انتشر عناصر «الدفاع الوطني» في الموقع لتنظيم الدور.
وبالتوازي مع أزمة الخبز، نشطت السوق السوداء ليصل فيها سعر الربطة إلى 1000 ليرة سورية، في حين تظهِر الأفران الحكومية عجزاً عن تغطية الحصص التي حددها برنامج ترشيد توزيع الخبز المدعوم وفق «البطاقة الذكية» التي فرضتها الحكومة في سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث خصصت للعائلة المؤلفة من شخص أو شخصين يومياً ربطة خبز واحدة، والعائلة المؤلفة من ثلاثة أو أربعة أشخاص ربطتين، والعائلة المؤلفة من خمسة أو ستة أشخاص تحصل على ثلاث ربطات، ومن سبعة أشخاص وأكثر أربع ربطات. وتحتوي الربطة الواحدة على سبعة أرغفة، بوزن (800 غرام) جرى رفع سعرها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من 50 ليرة إلى 100 ليرة. ومنذ أكثر من شهر لم تعد كثير من العائلات تحصل على نصف مخصصاتها تلك.
الحكومة التي بررت رفع سعر الخبز المدعوم بظروف «الحصار الصعبة» وصعوبة توفير المواد الأساسية وشحنها وتسديد قيمتها وارتفاع تكاليفها طرحت قبل يومين مناقصة لشراء 200 ألف طن من القمح، مع منح الأولوية في المناقصة لقبول شراء القمح من روسيا.
وتبلغ عقود توريد القمح للعام الحالي 400 ألف طن، كما توجد عقود قيد التوريد من العام الماضي لكمية 250 ألف طن، وصل منها 75 ألف طن حتى بداية فبراير (شباط) الحالي، بحسب التصريحات الرسمية، علماً بأن الحكومة بدمشق اشترت العام الماضي، 675 ألف طن قمح روسي، و700 ألف طن من القمح المحلي.
وتُعدّ نسبة الفقر المدقع في سوريا الأعلى عالمياً، وقد اعتبر عديد الخبراء أن الرقم كارثة غير مسبوقة حتى بالمقارنة مع فترة المجاعة التي تلت الحرب العالمية الأولى، حيث يعيش تحت خط الفقر 90 في المائة من السوريين، بحسب منظمة الصحة العالمية. وتتحدث الأمم المتحدة عن تسعة ملايين و300 ألف شخص في سوريا يفتقرون إلى الغذاء الكافي، وبيّنت أن عدد من يفتقر للمواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع مليون و400 ألف خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، حسب «المرصد».
وفي آخر تقرير له عن الدول الواقعة تحت خط الفقر، أفاد البنك الدولي بأن سوريا تصدّرت القائمة بـ82 في المائة من سكانها تحت خط الفقر، أي الحد الأدنى من الدخل الذي يستطيع عنده الفرد تحمل تكاليف المتطلبات الدنيا الضرورية للحياة اليومية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.