دعوة الراعي لتدويل الأزمة اللبنانية تقلق عون وتُفقده دوره الحواري

البطريرك الراعي مستقبلاً وفد «التيار الوطني الحر» (البطريركية المارونية)
البطريرك الراعي مستقبلاً وفد «التيار الوطني الحر» (البطريركية المارونية)
TT

دعوة الراعي لتدويل الأزمة اللبنانية تقلق عون وتُفقده دوره الحواري

البطريرك الراعي مستقبلاً وفد «التيار الوطني الحر» (البطريركية المارونية)
البطريرك الراعي مستقبلاً وفد «التيار الوطني الحر» (البطريركية المارونية)

لم يكن رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي مرتاحين لدعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي لعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية الأمم المتحدة لانتشاله من الهاوية التي أوقعته فيها الطبقة السياسية، وهذا ما نقله إليه وفد «التيار الوطني الحر» في زيارته إلى بكركي في محاولة للالتفاف على دعوته التي حظيت بمباركة البابا فرنسيس، وإنما على طريقته بمطالبته بتجديد الالتزام السياسي الوطني والدولي من أجل تعزيز استقرار لبنان الذي يمر بأزمة داخلية والمعرّض لفقدان هويته ولمزيد من التورُّط في التوتّرات الإقليمية.
لكن وفد «التيار الوطني» إلى بكركي عاد خائباً ولم ينجح في إقناع الراعي بأن يعيد النظر في دعوته بذريعة أن هناك ضرورة لإعطاء فرصة جديدة لإنجاح المبادرة الفرنسية، وجاء البرهان على تمسّكه بموقفه في قوله في عظته أمس لمناسبة عيد مار مارون، أن اللبنانيين يعانون العذابات ويقدمون التضحيات والدولة مشغولة بأمور صغيرة والمسؤولين يتنافسون في تعطيل الحلول؛ ما يدفعنا للتطلُّع إلى الأمم المتحدة.
واعتبرت مصادر سياسية مواكبة للأجواء التي سادت لقاء وفد «التيار الوطني» بالراعي، أن الزيارة جاءت بهدف رفع العتب، وأن الوفد لم يحمل أي جديد سوى تكرار المواقف المعلنة لرئيسه النائب جبران باسيل، إن لجهة تمسّكه بالمبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان، أو لجهة دعوته رئيس الحكومة المكلف للتوجه إلى بعبدا للقاء الرئيس عون والتفاهم معه حول تشكيل الحكومة، من دون أن يغيب عن باله التوقف أمام الأسباب الموجبة التي أملت عليه القيام بهذه الزيارة، وأبرزها أن مجرد تدويل الأزمة اللبنانية سيؤدي إلى تعطيل الدور الموكل لرئيس الجمهورية الذي يعود له دعوة الأطراف للحوار.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من المصادر السياسية، أن وفد «التيار الوطني» إلى بكركي يدين بالولاء المطلق لباسيل، ولا يعكس تعدُّد الآراء داخل «التيار»، وإلا لماذا لم يتصدّره عدد من النواب، أبرزهم إبراهيم كنعان، وألان عون، وسيمون أبي رميا؟ وهل أنه يشكل نقطة تقاطع بين عون ووريثه السياسي باسيل؟
ولفتت المصادر إلى أن معظم الأطراف السياسية من خارج فريق «الممانعة» لا تولي أهمية للموقف الذي أعلنه الوزير السابق منصور بطيش من بكركي، وقالت بأن «العهد القوي» يتحمّل وحده مسؤولية التفريط بموقع رئيس الجمهورية الجامع للبنانيين والعامل على التوفيق بين أبرز المكونات السياسية في البلد باعتبار أنه يلعب دور الحكم والحامي للدستور بدلاً من أن يتحوّل إلى طرف سياسي ويتصرف باستمرار وكأنه لا يزال يتزعّم تياره السياسي. وبذلك، انتُزِعت منه المبادرة لأنه لم يعد حيادياً وبات طرفاً بالنزاع.
وأكدت بأن عون هو من تخلى عن دوره ولم يعد في وسعه البقاء على مسافة واحدة من الجميع، وبالتالي فإن معظم الأطراف كانت اختبرته عن كثب ولم تعد تجد من مبرر للحوار معه أو الاستجابة لدعواته بعد أن خبرته في الحوارات السابقة، وقالت بأن مشكلته تكمن في أنه يتعامل مع الوضع اللبناني من زاوية توفير كل الدعم لباسيل وتسخير إدارات الدولة لخدمة طموحاته السياسية.
وكشفت عن أن لقاء وفد «التيار» بالراعي اتسم بالمصارحة، وتوقف أمام الأسباب التي حالت دون تلقّف مبادرته لإعادة التواصل بين عون والحريري، وبالتالي هدر الفرص الإنقاذية، رغم أن الجميع لا ينفك عن تأييده المبادرة الفرنسية، وقالت إن الراعي أراد من خلال الدعوة لعقد مؤتمر دولي أن يرفع سقف الانتقادات والضغوط على الطبقة السياسية من أجل القيام بواجباتها.
وأكدت المصادر نفسها بأن الراعي يتوخى من دعوته حث الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة على إخراجها من المراوحة التي أوصلتها إلى حائط مسدود، وسألت: ما الذي يمنع عون من أن يبادر ويدعو الحريري للقائه اليوم قبل الغد، خصوصاً أنه هو مَن أقفل الأبواب أمام معاودة التواصل باتهامه بالكذب؟
كما سألت: ألا تعني موافقة الأطراف قولاً لا عملاً على السير بالمبادرة الفرنسية أن الأزمة اللبنانية بدأت تسلك طريقها نحو التدويل والتعريب، وهذا ما يكمن في حرص الرئيس إيمانويل ماكرون على توفير غطاء دولي وإقليمي لإنجاح مبادرته، وبالتالي يسعى وراء تدويلها ولو بالتقسيط؟
لذلك؛ فإن القلق الذي حمله معه وفد «التيار» إلى بكركي بالنيابة عن عون وبوكالة من باسيل والمتعلق بقطع الطريق على أي مبادرة يمكن أن يقوم بها رئيس الجمهورية لن يبدّل من واقع الحال؛ لأن الأخير - كما تقول المصادر - أقحم نفسه في اشتباكات سياسية شملت كل الأطراف باستثناء حليفه «حزب الله»؛ لأنهما محكومان بالتوافق ولو من موقع التباين أحياناً، وتحديداً مع باسيل.
وعليه، فإن توجّس عون من تدويل الأزمة اللبنانية لا يزال قائماً ولم ينجح في تبديد هواجسه، خصوصاً أن من أخفق في توظيف دعم خصومه الذي أوصله إلى سدة الرئاسة الأولى وتعمّد التفريط فيه قبل أقل من عامين على انتخابه مراعاة منه لإصرار باسيل على مصادرة حقوق المسيحيين في الإدارات والمؤسسات الرسمية باعتبار أنه الممثل الوحيد لهم، لم يعد لديه القدرة على أن يلتقط أنفاسه لتعويم نفسه وصولاً إلى إنقاذ عهده.
فالرئيس عون يكاد يكون الوحيد بين رؤساء الجمهورية الذي بدأ عهده في مواجهة مشكلات كان في غنى عنها لو بادر إلى ردع باسيل وإصراره على استخدام موقع الرئاسة الأولى للعبور إلى بعبدا فور انتهاء ولاية عمه، بدلاً من أن يوفر له الدعم الذي حظي به بانتخابه رئيساً.
كما أن عون لم يتلق الضربات من القوى السياسية الرئيسية، وإنما جاءته من «النيران الصديقة» التي استهدفته من صهره الذي لا يزال يتصرّف على أنه رئيس الظل واستدرجه لإقحامه في مسلسل من الاشتباكات السياسية لم تتوقف حتى الساعة، وهذا ما يدفع خصومه إلى التعامل مع عهده على أنه افتقد الصلاحية السياسية التي تجيز له تحقيق ما عجز عن تحقيقه من «إنجازات» ظلّت حبراً على ورق، وبالتالي يقتصر دوره حالياً على إدارة الأزمة ولم يعد مؤهلاً لرعاية أي حوار، وإن قلقه من دعوة الراعي لتدويل الأزمة سيبقى قائماً لأن المشكلة تبقى أولاً وأخيراً في بعبدا، إضافة إلى أنه بات عاجزاً عن دعوة «أهل البيت»، وتحديداً محور «الممانعة» للحوار، فكيف سيكون حاله مع الآخرين؟



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.