«ميريت» الثقافية تحتفي بالشاعر رفعت سلام في عدد خاص

«ميريت» الثقافية تحتفي بالشاعر رفعت سلام في عدد خاص
TT

«ميريت» الثقافية تحتفي بالشاعر رفعت سلام في عدد خاص

«ميريت» الثقافية تحتفي بالشاعر رفعت سلام في عدد خاص

خصصت مجلة «ميريت الثقافية» الشهرية الإلكترونية التي تصدر عن دار ميريت للنشر عددها لشهر فبراير (شباط) الحالي للاحتفاء بتجربة الشاعر الراحل رفعت سلام، أحد أهم شعراء السبعينيات في مصر.
يقول الشاعر سمير درويش رئيس التحرير في تقديمه للعدد، عن هذه التجربة: «إن سلام كان (يجرِّب) توزيع الكلمات على صفحة الوورد على الكومبيوتر، ثم يستدعي الصور والخطوط والإشارات ويلصقها بها، ويأخذ وقتاً طويلاً في إخراج الصفحة تشكيليّاً، يطبعها ليرى النتيجة على الورق، ويبدأ عمليات التعديل حتى يرضى، كأنه فنان تشكيلي يجهِّز لوحاته لمعرضه، ومعرضه هنا هو ديوانه».
وتضمن ملف «رؤى نقدية» سبعة مقالات: «صرخة الإشراقة الشعرية» للدكتور محمد مصطفى حسانين، و«في شعر رفعت سلّام: كيف يرتوي «ظامئٌ... من طوفان»؟ للدكتور بهاء الدّين محمد مزيد، و«التخييل المنظومي البيني وشعرية السبيعينيات... رفعت سلام أنموذجاً» للدكتور أيمن تعيلب، و«جدل المتن والهامش في إشراقات رفعت سلام... قصيدة (مراوغة) نموذجاً» للدكتور عادل ضرغام، و«درس رفعت سلام في كتابة المناسبة في ديوان «أرعى الشياه على المياه» للدكتور أحمد بلبولة، و«حدائق النار والزعفران... فتنة التجريب في شعر رفعت سلام» للدكتور محمد عليم، و«الشخصية الشعرية وإشكالية المغايرة في ديوان (أرعى الشياه على المياه)» للدكتور عادل بدر.
وفي باب «تجديد الخطاب» مقال الدكتور أحمد يوسف علي بعنوان «رفعت سلَّام وفتنة التراث»، ويناقش دراستين كتبهما سلَّام: الأولى (بحثاً عن التراث)، وينقب فيها عن صورة التراث كما وعاه أدونيس في مشروعه العريض (الثابت والمتحول)، والثانية (بحثاً عن المنهج)، يبحث فيها عن مدى صحة النظر إلى مصر بوصفها قطعة من أوروبا، كما يضم الباب بيبلوغرافيا للشاعر رفعت سلَّام.
في باب «حول العالم» تضمن العدد مقالين: أوراق العشب... حول ترجمة رفعت سلام لديوان والت ويتمان لأبو الحسن محمد علي، و«الموثوقية والدقة... علامتان بارزتان في مشروع الترجمة عند رفعت سلام» لأسامة جاد.
وحمل «الملف الثقافي» عنوان (فتنة التجريب وتعدد الأصوات في شعر رفعت سلام)، وضم ستة مقالات: «المجانية مدخلاً لعالم رفعت سلام الشعري» للدكتور أبو اليزيد الشرقاوي، و«رفعت سلام... والقطيعة الشعرية مع ذائقة القارئ العادي» للدكتور ماهر عبد المحسن، و«رفعت سلام... وتجدد الخطاب الشعري الطليعي المعاصر» للدكتور محمد سمير عبد السلام، و«التجريب السينمائي في شعر رفعت سلام» للدكتور أحمد الصغير، و«بناء متعدد الأصوات... قراءة في شعر رفعت سلام» للدكتور إبراهيم منصور، و«لذّة التجرِيبِ الشِّعْرِي... وآفَاقُهُ فِي تَجْربة رفعَت سلام الشِّعرية» لنصر الدين شردال (من المغرب).
وبالعدد ديوان في 104 صفحات يضم مختارات من شعر رفعت سلام بعنوان «أخترع التاريخ»، اختارها وقدم لها الكاتب المسرحي أحمد سراج وضم قصائد من دواوينه: «وردة الفوضى الجميلة»، إشراقات رفعت سلام»، «إنها تومئ لي»، «هكذا قلت للهاوية»، «إلى النهار الماضي»، «كأنها نهاية الأرض»، «هكذا تكلم الكركدن»، «أرعى الشياه على المياه»، وقصائد من ديوان لم ينشر بعنوان «أناشيد الزوال»، إضافة لمجموعة من الصور الفوتوغرافية للشاعر في مراحل من طفولته وحتى رحيله في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وتتكون هيئة تحرير مجلة «ميريت الثقافية» من: الناشر محمد هاشم المدير العام، وسمير درويش رئيس التحرير، وعادل سميح نائب رئيس التحرير، وسارة الإسكافي مديرة التحرير، وإسلام يونس المنفذ الفني، والماكيت الرئيسي إهداء من الفنان أحمد اللباد.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.