الأزمة السياسية تقلّص التباينات بين قوى لبنانية يجمعها الانتماء الطائفي

الفرزلي لـ«الشرق الأوسط»: تقاطع ببعض الملفات وليس اتفاقاً بالمطلق

نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي (تويتر)
نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي (تويتر)
TT

الأزمة السياسية تقلّص التباينات بين قوى لبنانية يجمعها الانتماء الطائفي

نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي (تويتر)
نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي (تويتر)

قلّصت الأزمة السياسية اللبنانية التباينات الحادة بين الأحزاب والقوى التي تنتمي إلى طائفة واحدة، ودفعت باتجاه اصطفافات مذهبية تلتقي فيها القوى المختلفة على ملفات محددة، وذلك في ظل استحقاقات ودعوات لتطوير النظام وتثبيت أعراف بالنص الدستوري.
وبعدما شهدت البلاد انقساماً سياسياً عمودياً يقوم على تحالف أحزاب وقوى من مختلف الطوائف على خيارات استراتيجية، جمعت الأزمة الأخيرة بعض التيارات التي كانت متعارضة تقليدياً، على عناوين سياسية مرتبطة بحماية المواقع والصلاحيات، وينظر إليها البعض على أنها جزء من التكوين السياسي اللبناني.
ويؤكد نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي أن الاصطفافات الطائفية هي جزء من طبيعة المجتمع اللبناني، لكنه يقلل من فرضية أنها تلغي الفوارق السياسية بين المكونات التي تنتمي إلى الطائفة الواحدة، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «ليس اصطفافاً كاملاً ضمن البيئة المسيحية»، بالنظر إلى أنه «يقوم على تقاطع ببعض الملفات، وليس اتفاقاً بالمطلق، كذلك الأمر عند السنة والشيعة». ويشير إلى أن «الممارسة عندما تتجاوز الحدود، تنتج عنها ردة فعل توحي بأنها طائفية، لكن عملياً لا يمكن اعتبارها اصطفافات طائفية».
وتلتقي القوى المسيحية، وتحديداً «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» الآن، على ثلاثة ملفات أساسية هي: رفض قانون للانتخابات يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة وفق نظام الاقتراع النسبي خارج القيد الطائفي، ورفض قانون العفو العام بالصيغة المقترحة، وملف التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي.
وفي المقابل، تقلصت حدّة التباين السياسي بين «تيار المستقبل» ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب منذ رفض دياب للادعاء عليه في ملف انفجار مرفأ بيروت، منعاً لاستهداف الموقع السني. وعلى الضفة الشيعية، يؤيد «حزب الله» موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري ويدعم مبادرته الحكومية، رغم أن «التيار الوطني الحر» يعدّ من أبرز حلفاء الحزب، ويتباين الطرفان أخيراً على الكثير من الملفات التي دفعتهما للتحضير لتطوير ورقة التفاهم بينهما.
ويوضح الفرزلي أن قانون انتخاب لبنان دائرة واحدة «يعارضه المسيحيون وآخرون وأنا واحد منهم» ومردّ الاعتراض إلى المسألة العددية، لافتاً إلى أن الرئيس بري طرحه لتحريك الركود، ويفتح مجالاً لتعديل القانون المقترح لجهة الدوائر الانتخابية وهو خاضع للنقاش للتوصل إلى توافق من قبل الجميع. أما عن نقاش قانون الانتخاب الحالي، فلا يرى إلغاء للفوارق بين المسيحيين، إذ «يرى القوات أن إجراء الانتخابات استناداً للقانون القائم وفي ظل التغيرات في الرأي العام والظروف، يمكن أن يحصد نواباً إضافيين»، أما «التيار الوطني الحر» فإنه «يدفع باتجاه تغيير بقانون الانتخاب القائم، لكنه يربط التعديل بالاتفاق على صفقة مضمون القانون وتفاصيله».
وينسحب الاختلاف لدى القوى المسيحية على تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة، إذ يشير الفرزلي إلى ثلاثة آراء لدى القوى المسيحية، أولها لا يريد الحريري بالمطلق لرئاسة الحكومة كيلا يشكل رافعة للعهد، والثاني يسمي من يمثل الحريري ويسميه الأخير، والثالث وهو «تكتل النواب المستقلين» الذين يمثلون ثلث النواب المسيحيين أعطوا الثقة للحريري وطالبوا بترؤسه للحكومة.
ويشرح الفرزلي مدافعاً عن هذا الخيار بالقول: «كما عون يمثل تمثيلاً وازناً لدى المسيحيين ويترأس الجمهورية، وكما بري يمثل التمثيل الوازن لدى الشيعة ويترأس البرلمان، كذلك الحريري هو الأكثر تمثيلاً في طائفته يجب أن يترأس الرئاسة الثالثة»، مشدداً على أن هذه المسألة «متعلقة بالعيش المشترك والواقع الطائفي، ولا مفر منها، إذ لا يمكن النظر للمسألة من منظار أبيض وأسود»، معرباً عن اعتقاده بأنه «لا استقرار للنظام ولا حل دون أن تكون الرئاسات ممثلة تمثيلاً مقبولاً في طوائفها»، مؤكداً أن المدخل لصناعة الوفاق في لبنان «هو التوازن».
وتصاعدت الاصطفافات أخيراً على خلفية السجالات التي أخذت طابعاً قانونياً مرتبطاً بصلاحيات الرئاستين الأولى (الجمهورية) والثالثة (الحكومة)، بالتزامن مع دعوات لتطوير النظام، في حين يرى البعض أن هناك مساعي لتثبيت الأعراف التي تتمتع بقوة النص لجهة ممارستها، بنص دستوري.
ويرى الفرزلي أن تطوير النظام، «كلمة مطاطة»، إذ «لا يمكن أن يتحول النظام إلى علماني في ظل عوائق مرتبطة بقوانين الأحوال الشخصية وغيرها»، أما إذا كان المقصود بنظام مدني، فإنه يشير إلى أن الدستور اللبناني هو أول قانون مدني في الشرق، ويعتمد لبنان نظاماً تشاركياً، يدافع عنه الفرزلي وقوى سياسية كثيرة.
ولا ينفي نائب رئيس مجلس النواب أن كل دستور تظهر فيه ثغرات لدى تطبيقه. وإذ يشدد على أن دستور «الطائف» يجب أن يبقى الأساس للنظام اللبناني، لا يعارض دراسة الثغرات وإيضاح المواد الإشكالية، وتكريس الأعراف بالنصوص إذا كانت تشكل عقبة أمام تنفيذها. ويقول: «أنا مع اتفاق الطائف، وسأدافع عنه دفاعاً كاملاً، لكن لا أعارض تطويره وتصحيح الثغرات التي ظهرت بتنفيذه»، معلناً تأييده اللامركزية الإدارية التي أدرجت ضمن وثيقة الوفاق الوطني في الطائف.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.