تغير المشهد السياسي في اليونان منذ الأحد الماضي، إثر وصول حزب «سيريزا» اليساري الراديكالي إلى السلطة، والذي كان يغازل الناخبين طيلة السنوات الخمس السابقة بوعود، طالما تشوق إلى سماعها الشعب اليوناني، وخصوصا الطبقات الوسطي والفقيرة، وظهرا هذا جليا أثناء فرز الأصوات الانتخابية، إذ لم يحصل حزبا الديمقراطية الجديدة والباسوك الاشتراكي اللذان كانا يحكمان البلاد سوى على أصوات المناطق الغنية في إقليم أتيكا الذي يضم العاصمة أثينا، فيما صوتت جميع المناطق الفقيرة والشعبية لحزب «سيريزا» اليساري.
لم يتضمن المشهد السياسي في اليونان تغييرا فقط في تصريحات الحكومة الجديدة التي تبنت خطابا ساخنا ضاربا بكل الأعراف الدبلوماسية والسياسية عرض الحائط فيما يخص الاتفاقيات الموقعة مع الدائنين، بل حتى في المظهر العام واختفاء ربطات العنق والسيارات المصفحة وقوات الشرطة والحراسة التي كانت تلتف حول أعضاء الحكومة القديمة وتعود الشعب عليها، فبات الآن ممكنا مشاهدة وزير المالية مثلا وهو متحرر من ربطة العنق، ويستخدم دراجته النارية ويحمل حقيبة على ظهره، ويصعد درج قصر ماكسيمو مقر رئاسة الوزراء.
ورأى المحلل السياسي اليوناني ألكساندروس عفيفي، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن التدابير التقشفية أرهقت المواطنين اليونانيين خلال السنوات الأخيرة اقتصاديا واجتماعيا، وفي نفس الوقت لم تكن هناك أي سياسة انفتاح تنموية تعمل على الحد من نسبة البطالة، مشيرا إلى أن الشعب ينتظر من حكومة سيريزا اليساري أن ينفذ وعوده الانتخابية. وأعرب ألكساندورس عن شكوكه في تنفيذ كل الوعود بسبب رفض الدائنين لطلبات اليونان والضغوط التي تمارس على الحكومة الجديدة. واعتبر ألكساندورس أن التحالف بين حزبي «سيريزا» اليساري و«اليونانيين المستقلين» (يمين)، أمر إيجابي سيفتح مجالا جديدا في الحياة السياسية لليونان.
أمام المحلل السياسي الدكتور هشام محمد حسن فقال لـ«الشرق الأوسط» إن حصول تحالف اليسار على غالبية الأصوات جاء نتيجة غضب الشعب الذي لم يتحمل أعباء التقشف خلال السنوات الماضية، وتوابع المشكلة الاقتصادية التي نتجت عن مذكرة التفاهم الأولى والثانية مع الدائنين الدوليين. وأضاف حسن، أن اليسار الذي يحكم اليونان حاليا تيار سياسي جديد على الساحة اليونانية، لكن «مشكلته» أنه أطلق قبل الانتخابات وعودا مغرية بإلغاء مذكرات التفاهم والرقابة الدولية، ورفع المرتبات، مما دفع الطبقات الكادحة للتصويت عليه. وأضاف أن الشعب يعلق «آمالا كبيرة» تجاه الحكومة الحالية. ورأى أن الكثير من القيادات الموجودة في اليسار الحاكم حاليا منشقة عن حزب باسوك الاشتراكي (يسار وسط) وبعضهم ليست لديهم الخبرة الكافية. واعتبر أن هذا الأمر قد يكون سلاحا ذا حدين؛ فإما يكون نوعا من أنواع التغيير على الساحة السياسية، لكنه قد يعكس وجود تخبط. وقال حسن إن الناس تنتظر الآن من الحكومة تنفيذ وعودها التي أطلقتها خلال الحملة الانتخابية خصوصا رفع المعاشات والمرتبات من 500 يورو إلى 750 يورو، وصرف الراتب الثالث عشر.
وحول الموقف السائد حاليا بين اليونان والاتحاد الأوروبي، ترى بعض وسائل الإعلام الغربية أنه إذا تمسك رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس بموقفه فلن يخرج الأمر عن نتيجتين: الأولى أن العناد اليوناني سيرغم أولئك الذين يتحكمون في التمويل على تليين موقفهم، والثانية أن قادة الاتحاد الأوروبي يعلمون أنه إذا سمح لليونان بالتملص من التزامات الديون وتجاهل التقشف والخروج من اليورو وخفض قيمة عملتها الجديدة واستعادة التنافسية فسيتبعها آخرون لا محالة من الدول المتعثرة.
كما رأت وسائل إعلام أخرى أن نتائج انتخابات اليونان توجه رسالة واضحة، مفادها أن اليونانيين لن يواصلوا التقيد بنظام التقشف الذي أذل اقتصادهم، وأن هذه الرسالة يجب أن تسمعها ألمانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي التي تصر على تسديد اليونان لديونها الضخمة بغض النظر عن مدى الضرر اللاحق، وإن إصرار الاتحاد الأوروبي على هذا المسار الحازم لن يضر اليونان فقط، بل يهدد الاتحاد الأوروبي بأكمله أيضا.
9:56 دقيقة
تفاؤل حذر يتملك اليونانيين بعد التغييرات الأخيرة
https://aawsat.com/home/article/279216/%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%A4%D9%84-%D8%AD%D8%B0%D8%B1-%D9%8A%D8%AA%D9%85%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D8%A9
تفاؤل حذر يتملك اليونانيين بعد التغييرات الأخيرة
محللون: الحكام الجدد قد يجدون صعوبة في تنفيذ وعودهم

- أثينا: عبد الستار بركات
- أثينا: عبد الستار بركات
تفاؤل حذر يتملك اليونانيين بعد التغييرات الأخيرة

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة