لبنان: مخاوف تفاقم التضخم ترافق خيارات ترشيد الدعم

تحذير من المس باحتياطي الودائع لدى «المركزي»

TT

لبنان: مخاوف تفاقم التضخم ترافق خيارات ترشيد الدعم

أبدت مصادر مالية رفيعة المستوى مخاوفها من اقتراب موجة تضخم عاتية تضرب لبنان خلال أسابيع قليلة، وقد تطيح نهائيا بالتوازن المعيشي الهش الذي يخضع له نحو ثلثي المقيمين نتيجة تقلص القدرات الشرائية للأجور والمدخرات، مع تدني قيمة الليرة بنسبة تفوق 80 في المائة وارتفاع الغلاء بنسبة تعدت 140 في المائة سنوياً، في حين ارتفعت أسعار السلع المستوردة بنحو 6 أضعاف والمحلية بنحو 3 أضعاف.
ويشكل جفاف مخزون العملات الصعبة القابلة للاستخدام لدى مصرف لبنان المركزي، والتي تدنت عن المليار دولار، بحسب رصد المصادر لمعطيات من ميزانيته، نواة أزمة متدحرجة تشي بمضاعفة سرعة التدهور المعيشي والنقدي، لا سيما وأن المسؤولين في السلطتين التنفيذية والنقدية سلموا باستحالة الاستمرار بسياسة الدعم للمواد الاستراتيجية والأساسية، حيث يتم دعم القمح والدواء والمحروقات بسعر 1515 ليرة للدولار ولسلة السلع الغذائية والمواد الأولية بسعر 3900 ليرة لكل دولار.
وأوضحت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، أن فاعلية الدعم تغطي حاليا نحو 30 إلى 40 في المائة من إجمالي الاستهلاك. وفي حال رفعه نهائيا ومن دون اعتماد خيارات بديلة يمكن لمؤشر الغلاء أن يرتفع بحدة تتبع تلقائيا لمستوى انهيار النقد الوطني. أما في حال تخفيف الدعم فيرتقب اندفاع متوسط الغلاء إلى نحو 200 في المائة على الأقل؛ وذلك يتحقق عبر الإبقاء على دعم الطحين والدواء وتواصل اعتماد سعر 1515 ليرة لأكلاف الكهرباء والاتصالات وسائر الرسوم والضرائب الحكومية.
ومع تعذر التوصل إلى خيارات بديلة تحفظ مفاعيل سياسة الدعم التي تعدت تكلفتها 5 مليارات دولار العام الماضي، تعزز التوجه إلى إصدار بطاقات تمويلية لنحو 600 ألف عائلة وتعظيم الاستفادة من قرض البنك الدولي الموجه إلى نحو 147 ألف عائلة، على أن يتم تمويل البطاقات من قبل الحكومة بعد أخذ الإجراءات المنسقة بين المالية ومصرف لبنان ومواكبة تشريعية من قبل مجلس النواب على قيمة الدعم والبطاقة التمويلية.
وقد استخلصت حكومة تصريف الأعمال في تقرير رسمي بحصيلة اجتماعات وزارية ولجان متعددة، ضرورة إعادة النظر بسياسة الدعم، واعتبارها قضية محورية وأولوية وهاجسا وطنيا ومطلبا خارجيا من قبل صندوق النقد الدولي والدول المانحة.
لكن الخيارات المقابلة للخروج من هذه السياسة اصطدمت بحقيقة شح الاحتياط من جهة ومخاطر ضخ سيولة إضافية بالليرة عبر طباعة النقد.
وأثارت هذه المعادلة الملتبسة، بحسب مصادر مالية، مخاوف موازية من تأخير حسم التوجهات والتهرب من مسؤولية قرار رفع الدعم ومرجعيته، بحيث يتم الضغط على حاكمية البنك المركزي لاستخدام جزء من الاحتياطي الإلزامي للبنوك المودع لديه والبالغ نحو 16 مليار دولار، بذريعة نقل الملف ومسؤوليته إلى الحكومة الجديدة.
وبالفعل حذرت رابطة المودعين في المصارف من التعاضد بين جمعية المصارف، وبين مصرف لبنان والمنظومة السياسية، بما يفضي لصرف كافة الاحتياطات على تغطية المواد المدعومة، بغياب أي خطة اقتصادية ومالية واضحة مما يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وتحطيم الاقتصاد الوطني.
ولوحظ في هذا النطاق أيضاً، عدم استجابة رئيس مجلس النواب نبيه بري لتلقف كرة «ترشيد الدعم» التي حاولت حكومة تصريف الأعمال نقلها إليه. كما لفتت المصادر إلى تشدد البنك المركزي في قبول ملفات الاستيراد للمواد المدعومة، باستثناء ما يعود للقمح والأدوية. وهو ما بدأ المستهلكون بتحسس تداعياته عبر الارتفاعات الأسبوعية في أسعار المشتقات النفطية وندرة توفر سلة المواد الغذائية المدعومة والارتفاع الجزئي لسعر الخبز.
مع العلم أن التوجه النهائي لحكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب سيتبلور خلال الأسبوع الحالي وعماده توسيع دائرة المستفيدين من البطاقات التمويلية الشهرية، كخيار وحيد متاح حاليا، على أن يستمر الدعم على الطحين والأدوية الأساسية وبنسب متدرجة تقليصا على المحروقات. وذلك ضمن مسار يتزامن مع انطلاق آلية صرف المساعدات النقدية لنحو 200 ألف أسرة عبر القرض الميسر من البنك الدولي والمنحة المقدمة من الاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية. علما بأن المدى الزمني لهذه المساعدات الطارئة لا يتعدى السنة الواحدة.



اليابان تناشد بايدن الموافقة على صفقة «نيبون - يو إس ستيل»

رجل يمر أمام لوحة تحمل شعار «نيبون ستيل» على مقرها في العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
رجل يمر أمام لوحة تحمل شعار «نيبون ستيل» على مقرها في العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
TT

اليابان تناشد بايدن الموافقة على صفقة «نيبون - يو إس ستيل»

رجل يمر أمام لوحة تحمل شعار «نيبون ستيل» على مقرها في العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
رجل يمر أمام لوحة تحمل شعار «نيبون ستيل» على مقرها في العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

أرسل رئيس الوزراء الياباني، شيغيرو إيشيبا، رسالةً إلى الرئيس الأميركي جو بايدن يطلب منه الموافقة على استحواذ «نيبون ستيل» على «يو إس ستيل»؛ لتجنب إفساد الجهود الأخيرة لتعزيز العلاقات بين البلدين، وفقاً لمصدرَين مطلعَين على الأمر.

وانضم بايدن إلى نقابة عمالية أميركية قوية في معارضة استحواذ أكبر شركة يابانية لصناعة الصلب على الشركة الأميركية العريقة مقابل 15 مليار دولار، وأحال الأمر إلى لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، وهي لجنة حكومية سرية تراجع الاستثمارات الأجنبية؛ بحثاً عن مخاطر الأمن القومي. والموعد النهائي لمراجعة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة هو الشهر المقبل، قبل أن يتولى الرئيس المنتخب دونالد ترمب - الذي تعهَّد بعرقلة الصفقة - منصبه في 20 يناير (كانون الثاني).

وقد توافق لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة على الصفقة، ربما مع اتخاذ تدابير لمعالجة المخاوف المتعلقة بالأمن القومي، أو توصي الرئيس بعرقلتها. وقد تُمدِّد المراجعة أيضاً.

وقال إيشيبا في الرسالة، وفقاً لنسخة من النص اطلعت عليها «رويترز»: «تقف اليابان بوصفها أكبر مستثمر في الولايات المتحدة، حيث تظهر استثماراتها اتجاهاً تصاعدياً ثابتاً. إن استمرار هذا الاتجاه التصاعدي للاستثمار الياباني في الولايات المتحدة يعود بالنفع على بلدَينا، ويبرز قوة التحالف الياباني - الأميركي للعالم». وأكدت المصادر أنه تم إرسالها إلى بايدن في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

وتابع إيشيبا: «في ظل رئاستك، وصل هذا التحالف إلى قوة غير مسبوقة. نطلب باحترام من الحكومة الأميركية الموافقة على الاستحواذ المخطط له من قبل شركة (نيبون ستيل) حتى لا نلقي بظلالنا على الإنجازات التي تحقَّقت على مدى السنوات الأربع الماضية»، كما جاء في الرسالة.

ورفضت السفارة الأميركية في اليابان التعليق. وأحال مكتب إيشيبا الأسئلة إلى وزارة الخارجية التي لم يكن لديها تعليق فوري. ورفضت شركة «نيبون ستيل» التعليق، ولم ترد شركة «يو إس ستيل» على الفور على طلب التعليق خارج ساعات العمل في الولايات المتحدة.

ويبدو أن نهج إيشيبا المباشر يمثل تحولاً في موقف الحكومة اليابانية بشأن الصفقة، التي أصبحت قضيةً سياسيةً ساخنةً، في ولاية أميركية متأرجحة رئيسة في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر.

وكان سلف إيشيبا، فوميو كيشيدا، قد سعى إلى إبعاد إدارته عن عملية الاستحواذ المثيرة للجدل، ووصفها بأنها مسألة تجارية خاصة حتى مع تصاعد المعارضة السياسية في الولايات المتحدة.

وبدا أن عملية الاستحواذ على وشك أن تُعرقَل عندما زعمت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة في رسالة أرسلتها إلى الشركات في 31 أغسطس (آب) أن الصفقة تُشكِّل خطراً على الأمن القومي من خلال تهديد سلسلة توريد الصلب للصناعات الأميركية الحيوية.

ولكن تم تمديد عملية المراجعة في النهاية إلى ما بعد الانتخابات؛ لإعطاء اللجنة مزيداً من الوقت لفهم تأثير الصفقة على الأمن القومي والتواصل مع الأطراف، وفقاً لما قاله شخص مطلع على الأمر.

وقبل تولي إيشيبا منصبه في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، قال إن أي تحرك أميركي لمنع الصفقة لأسباب تتعلق بالأمن القومي سيكون «مقلقاً للغاية» نظراً للعلاقات الوثيقة بين الحلفاء.

والتقى إيشيبا وبايدن لأول مرة بصفتهما زعيمَين، على هامش قمة دولية في بيرو في وقت سابق من هذا الشهر. وقال إيشيبا في خطابه إن الرجلين لم يتمكّنا من الخوض في مناقشات بشأن العلاقة الاقتصادية في ذلك الاجتماع؛ بسبب قيود الوقت، وإنه يريد متابعة الأمر لجذب انتباهه إلى الصفقة في «منعطف حرج».

وقدَّمت شركة «نيبون ستيل» ضمانات وتعهدات استثمارية مختلفة من أجل الفوز بالموافقة. وأكد إيشيبا في خطابه إلى بايدن أن الصفقة ستفيد كلا البلدين، وقال: «إن شركة (نيبون ستيل) ملتزمة بشدة بحماية عمال الصلب في الولايات المتحدة، وفتح مستقبل مزدهر مع شركة الصلب الأميركية وعمالها. وستُمكِّن عملية الاستحواذ المقترحة شركات الصلب اليابانية والأميركية من الجمع بين التقنيات المتقدمة وزيادة القدرة التنافسية، وستسهم في تعزيز قدرة إنتاج الصلب وتشغيل العمالة في الولايات المتحدة»... ولم يتضح ما إذا كان بايدن قد ردَّ على الرسالة.