منصورة عز الدين: كل شيء أعرفه عن الكتابة تعلمته من اهتمامي بالزراعة

صاحبة «بساتين البصرة» تقول إنها تدون أحلامها كأنها يوميات اللاوعي

منصورة عز الدين
منصورة عز الدين
TT

منصورة عز الدين: كل شيء أعرفه عن الكتابة تعلمته من اهتمامي بالزراعة

منصورة عز الدين
منصورة عز الدين

تخوض الكاتبة الروائية المصرية منصورة عز الدين، الآن، تجربة سردية جديدة من خلال منحة أدبية من «المدينة الدولية للفنون بباريس»، ستنجز خلالها كتابة تتناول عالم الطفولة وعلاقته بالذات وفضاء القص. وكانت الروائية قد أصدرت قبل فترة روايتها «بساتين البصرة». هنا حوار معها حول تفرغها لكتابة عملها الجديد، وروايتها الأخيرة:

> تخوضين حالياً في باريس تجربة جديدة مع الكتابة، حدثينا عنها...
- حصلت على منحة إقامة أدبية من «المدينة الدولية للفنون» بباريس و«المعهد الثقافي الفرنسي» للانتهاء من كتاب له علاقة بالذاكرة والطفولة وندوب الماضي. والحقيقة أن طيف هذا العمل يرافقني منذ سنوات، ولم أجد الوقت الكافي للتفرغ له لانشغالي بكتابات أخرى، لذا سعدت حين نال التصور الذي قدمته عن العمل هذه المنحة، كي أتفرغ له بعيداً عن أي ارتباطات أخرى. ولعل أهم ما في المحترفات الأدبية أنها توفر للكتاب والفنانين قدراً كبيراً من العزلة والتركيز على الكتابة والعمل في جو إبداعي ملائم، هذا بخلاف أن هناك نوعية معينة من الكتابة المنطوية على تفحص الماضي وفتح صناديقه المغلقة تتطلب مسافة مكانية، بعيداً عن المكان الذي جرت فيه الأحداث، إضافة إلى المسافة الزمانية التي تكفل بها مرور الوقت.
> إلى أي مدى تُؤثر أجواء «كورونا» على حُرية تلك التجربة من جهة، وعلى فضائك الخاص في الكتابة بشكل عام؟
- لأجواء «كورونا» تأثير كبير وثقيل على تجربة الإقامة في باريس، خصوصاً في ظل الإغلاق من السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً. آثار الوباء منطبعة على كل التفاصيل بطبيعة الحال، زرت باريس مرتين من قبل، والآن أراها في ضوء مختلف تماماً. أسير في شوارعها بالساعات، وألاحظ أن عقلي يسجل تلقائياً المستجدات التي أحدثها الوباء الحالي، وهذا مهم للعمل الذي أكتبه حالياً، إذ إنه على صلة به، وإن كانت صلة مخاتلة وغير مباشرة حتى الآن.
كما أن الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي يحد من التواصل بدرجة كبيرة، ويقلل من النشاطات الاجتماعية، وهذا يضعني في مواجهة مكثفة وشبه دائمة مع الكتابة خلال وجودي هنا. لكن ما يخفف الأمر أن لدي ذاكرة قريبة في مصر خاصة ببدايات جائحة «كورونا» وبالإغلاق الذي عايشته في القاهرة حينها. قد يتبدى كل هذا فيما أكتب حالياً، أقول قد لأننا لا يمكننا الجزم بأي شيء فيما يخص الكتابة سوى حين يكتمل العمل وننتهي منه فعلياً.
> نال كتابك «خطوات في شنغهاي» جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة أخيراً... حدثينا عن تلك «الخطوات»...
- زرت الصين مرتين؛ الأولى تمثلت في إقامة أدبية لمدة شهرين (سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول 2018) في شنغهاي وخلالها ذهبت أيضاً إلى إقليم آنجي في رحلة لغابات البامبو هناك، والمرة الثانية كانت في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بدعوة من مركز مو يان الدولي للكتابة بجامعة بكين، وزرت خلالها بكين وجوهاي ومقاطعة تشونج شان؛ مسقط رأس سون يات سين الملقب بأبي الصين الحديثة. والكتاب تدوين لمجريات هاتين الزيارتين مع التركيز على شنغهاي باعتبارها المدينة الصينية التي أقمت فيها لأطول فترة. الكتاب أيضاً عن مفهوم المسافة وعن الكتابة والذاكرة بشكل ما؛ وعن النظرة للآخر وللصين بوصفها آخر الدنيا وأرض الغرابة من وجهة نظر الكثيرين.
> البعض يعتبر أدب الرحلة ليس بأدب، وأنه لا يعكس العصر الذي نعيش، بل هو فن تراثي قديم؟
- لقد بدأت مشواري مع القراءة بأدب الرحلات، واستمر اهتمامي به مع الوقت، لكن مع التركيز على كتابات الرحالة القدامى. أظن أن المشكلة تكمن أحياناً في كون البعض يتوقع من أدب الرحلة أن يظل كما كان دون النظر إلى التغيرات الهائلة التي أحدثتها ثورة الاتصالات والمعلومات. يمكن لأي شخص يمتلك حاسوباً أو هاتفا ذكياً الآن التجول افتراضياً في مدن ومتاحف بعيدة عنه كل البعد، كما أن معظم المعلومات عن الدول والثقافات الأخرى متاحة الآن على الإنترنت ومن خلال السينما والتلفزيون، وبالتالي فمن يكتب في أدب الرحلة يواجه تحدياً كبيراً يتمثل في: ما الذي يمكن أن يضيفه في عصر كعصرنا؟ هل ينتظره القراء ليعرفهم بعادات شعب معين وبمطبخه وثقافته؟ أظن أن الإضافة الأهم تتمثل في جماليات الكتابة وفي خصوصية تجربة هذا الكاتب أو ذاك في بلدٍ بعينه. أدب الرحلات في النهاية ينتمي إلى الفن، ومن الظلم حصره في أن يكون وسيلة لغاية ما. قد نستفيد من الأعمال الفنية والأدبية، من الناحية المعرفية، لكنها أوسع من فكرة الاستفادة بمعناها الضيق، إذ من الأفضل تقييمها والنظر إليها نقدياً انطلاقاً من معايير جمالية وفنية بحتة. حين أقرأ «سفر نامة» للرحالة والشاعر الفارسي ناصر خسرو، مثلاً، أعرف الكثير عن الشام ومصر في عصره، لكن هل الصورة التي رسمها بكلماته حقيقية؟ هل رؤيته للمدن التي زاراها غير مشوبة بالتخييل؟ لا يمكنني الجزم، وفي الحقيقة فإن ما يهمني أكثر أن عمله هذا مكتوب بفنية عالية ومُلهِم جداً لي كما أنه يعبر عن رؤية هذا الرحالة والشاعر المتفلسف خاصة للحواضر الأهم في عصره.
هذه الذاتية لا تتقادم، وفي رأيي أنها مطلوبة أكثر الآن، في وقت تتوفر فيه كل المعلومات بضغطة زر، ما لا يتوفر إلا بكتابة مشغولة ومبذول فيها جهد هو رؤية كاتب بعينه لمكان ما.
> على ذكر التراث... أبحرتِ في أعماق مدينة الأئمة والفلسفة وعلوم الكلام في «بساتين البصرة»... لماذا البصرة تحديداً؟
- لا أظن أن هناك بين عشاق اللغة العربية وآدابها من لا يكن محبة خاصة للعراق وحواضرها القديمة، لذا أرى أن الولع بهذه البقعة ليس مستغرباً، وبالنسبة لي تحظى البصرة بمكانة خاصة، لأنني أراها في ضوء العقول المهمة التي عاشت فيها والمعارك الفكرية والأسئلة التي طُرِحت، خلال الفترة المذكورة في جزء من العمل، وما تلاها.
هذا بشكل عام، لكن فيما يخص «بساتين البصرة»، فالرواية تنطلق من حلم وارد في كتاب «تفسير الأحلام الكبير» المنسوب للإمام محمد بن سيرين، رآه رجل مجهول وحكاه للإمام الحسن البصري. وبالتالي فهذا الحلم حدد لي منذ البداية البصرة القديمة كحيز مكاني، وزمن الحسن البصري كحيز زمني.
> من واقع هذه الرواية كيف تتأملين الأحلام كمادة مُحفزة للكتابة؟
- الأحلام منبع أساسي من منابع الإلهام والتخييل عندي منذ بدأت الكتابة. علاقتي بها قوية ومن عاداتي الدائمة تدوين أحلامي؛ كأنها يوميات اللا وعي في مقابل يومياتي الواعية التي أدونها من وقت لآخر أيضاً. المقارنة بين المدونتين (تلك الخاصة بالأحلام وتلك الخاصة بالواقع) ملهمة ومثيرة للخيال جداً بالنسبة لي. بعض أعمالي نبتت فكرتها من حلم حلمت به، ثم اشتغلت عليه لاحقاً. أتذكر هنا قصة «ليل قوطي» ورواية «أخيلة الظل» اللتين بدأتا من حلمين عابرين. غير أن الإلهام لا ينحصر في أحداث الأحلام أو تفاصيلها، بل الأهم من وجهة نظري استلهام منطق الأحلام، أو بالأحرى لا منطقها، وكذلك سيولتها؛ سيولة الأماكن وانتفاء فكرة الزمن فيها.
لكن بعيداً عن أحلامي الشخصية، أهتم بالقراءة المكثفة عن الأحلام وتفسيراتها في الثقافات المختلفة، خصوصاً في الثقافة الإسلامية التي أرى أنها تتعامل مع الأحلام بفنية نادرة.
وخلاصة تجربتي مع الأحلام تكمن في أن كثيراً من الأشياء في الإبداع تحدث تلقائياً وانطلاقاً من اللا وعي؛ وهو انعكاس للاوعي الكاتب والنص معاً. المطلوب فقط أن يسعى الكاتب للإنصات إلى منطق نصه، وهو منطق مهموس ويكاد يكون هشاً ومتطايراً، لذا يحتاج إلى جهد من الكاتب لالتقاطه وفهمه.
> هناك إشارة مركزية في الرواية للحدث التاريخي الشهير الخاص باعتزال واصل بن عطاء لمجلس الإمام الحسن البصري، حدثينا عن دلالة هذا المشهد بالنسبة لك وتوظيفه روائياً؟
- هي دلالة مركزية بالفعل، لأن هذا الحدث ليس فقط نقطة انطلاق للجزء الذي يدور في البصرة بالرواية ولمصائر شخصياته، بل أساساً لأن الأسئلة التي يطرحها العمل ككل تنطلق من هذا الحدث، أو بالأحرى من فكر الاعتزال ككل: السؤال عن القدر وهل الإنسان مسير أم مخير؟ وسؤال مرتكب الكبيرة والمنزلة بين المنزلتين، وكذلك الآجال عند المعتزلة. لذا فمن أهم التأويلات التي وصلتني للرواية تأويل من صديقة متعمقة في الفلسفة الإسلامية، قرأت الرواية في ضوء فلسفة الاعتزال.
> ما هي أبرز عناوين الكتب التراثية التي استفدتِ منها ككاتبة؟
- أنا من عشاق الجاحظ، أعود إليه باستمرار وأستمتع برفقته، واستفدت كذلك من مؤلفات أبي هلال العسكري والتوحيدي وابن الجوزي. أحب أيضاً الشعر العربي القديم، ولا أتصور حياتي بدون قراءة طرفة بن العبد وامرئ القيس وأبي العلاء المعري والمتنبي ولبيد والنابغة الذبياني والقائمة تطول. هناك أيضاً تراث التصوف العربي والفارسي، والسير الشعبية و«ألف ليلة وليلة» الذي أعتبره نصاً مرجعياً بالنسبة لي، وكتب الجغرافيا القديمة؛ خصوصاً تلك التي تتموه فيها الحدود الفاصلة بين الخيال وبين الجغرافيا كعلم، وقد استمتعت كثيراً بقراءة هذا النوع من الكتب خلال رحلة كتابة «جبل الزمرد».
أدين بالكثير كذلك للمعاجم العربية القديمة، وأنظر إليها كأعمال إبداعية أكثر من كونها قواميس، أقرأ فقرات من «لسان العرب» يومياً، وأرجع للثعالبي وابن جني وعبد القاهر الجرجاني دوماً، سوف أنسى نصوصاً مؤثرة بالتأكيد، كما يحدث كل مرة، لكن عموماً أنا من المهتمين بالأساطير والملاحم القديمة، ولا يقتصر هذا الاهتمام على التراث العربي فقط، بل يشمل حضارات وثقافات أخرى منها الحضارة الصينية القديمة والحضارة اليونانية على سبيل المثال لا الحصر.
> لكِ اهتمامات خاصة بـ«البستنة»، كيف يمكنك تأمل ذلك الرابط بين بستنة الحديقة والأزهار، وبين بساتين الكتابة؟
- أكرر كثيراً أن كل شيء أعرفه عن الكتابة تعلمته من اهتمامي بالزراعة: الصبر، العناية بالتفاصيل، الانتباه إلى البيئة المحيطة، وأبذل أقصى ما أستطيع من جهد على أمل أن يثمر إذا كانت الظروف مواتية. فما أجملها من ثمرة تسقط فوق طاولة الكتابة.



القطاع الثقافي ضحية سياسات التقشف الأوروبية

المتحف الفني "تيت بريتن" بلندن
المتحف الفني "تيت بريتن" بلندن
TT

القطاع الثقافي ضحية سياسات التقشف الأوروبية

المتحف الفني "تيت بريتن" بلندن
المتحف الفني "تيت بريتن" بلندن

الأزمات الخانقة التي أصبحت تثقل كاهل الدول الغربية، وصعود الأنظمة اليمينية المتطرفة، لم تعد سراً على أحد، لكن اللافت للانتباه التداعيات الخطيرة لكل هذه التطورات على القطاع الثقافي، فزيادة على ضعف الاهتمام تخلّ كثير من الحكومات عن اتباع سياسات حماية لثقافتها. إنه وضع القارة العجوز الآن؛ حيث نجحت ديون الحكومات المتراكمة، ومشكلات البطالة، والتضخم، والتوقعات المتشائمة لمعدلات النمو، في تغييب الإشكاليات الثقافية، والدفع بها إلى الصفوف الخلفية. الوضع في تدهور مستمر، حتى أصبحنا لا نستطيع مواكبة الأخبار التي تُفيد بقصّ الدعم، وخفض الميزانيات الثقافية لكثرتها.

في فرنسا، دعم الحكومة للمؤسسات الثقافية الكبرى لا يزال قائماً باعتبارها تُسهم بقوة في إنعاش قطاع السياحة، خصوصاً المتاحف والمكتبات الوطنية والمسارح، لكن الميزانية في تراجع مستمر. فمع مطلع 2025 تفقد وزارة الثقافة أكثر من 200 مليون يورو، معظمها اقتطعت من التمويل الذي كان يخصص للتراث والإبداع، وبعضها يخص أعرق المؤسسات الفرنسية؛ كأوبرا باريس، التي خسرت 6 ملايين يورو، ومسرح كوميدي فرنسييز، الذي انخفض تمويله العام بنحو 5 ملايين، ومتحف اللوفر بـ3 ملايين يورو. إلا أن المشكلة ليست في الوزارة فقط، لأنها ليست الداعم الأهم للقطاع الثقافي في البلاد، فمن بين الـ13 ملياراً التي تُشكلها ميزانية القطاع الثقافي في فرنسا لا تمنح الوزارة سوى 4 مليارات، أما البقية، أي أكثر من 9 مليارات، فهي الحصّة التي تسهم بها السلطات المحلية، أي المحافظات «Collectivités locales»، التي تتمتع بميزانيات خاصة بها. والجديد هو أن بعضاً من مسؤولي هذه الهيئات الرسمية شرعوا في تطبيق سياسة التقشف إلى أقصى الحدود، بدءاً بالمؤسسات والمرافق الثقافية والمبدعين؛ حيث حرمتهم من الدعم المادي، عملاً بالمنطق الذي يقول تغذية البطن قبل تغذية العقل.

متحف برلين

من الشخصيات التي واجهت انتقاد الدوائر الثقافية بهذا الخصوص كريستال مورونسي، رئيسة منطقة بايي دو لا روار (pays de la Loire) الواقعة غرب فرنسا، وهذا بعد أن أقرّت خفض ميزانية الثقافة بنسبة 73 في المائة، أي أكثر من 200 مليون يورو، وهي سابقة خطيرة في فرنسا علّقت عليها وسائل الإعلام الفرنسية بكثرة تحت شعار «الثقافة من الضعيف إلى الأضعف». فإجراء مثل هذا يعني توجيه ضربة قاضية لكثير من المؤسسات والمرافق الصغيرة التي تُعوّل في استمرار نشاطها على الأموال العامة، ومنها المهرجانات المحلية والمسارح، والمتاحف، وفرق الرقص والجمعيات. النقابات الثقافية وصفت هذا الإجراء بـ«العنيف». أما رئيسة المنطقة كريستال مورونسي فقد بررته بالديون المتراكمة التي تملي على ضمير أي مسؤول اعتماد التقشف لإنقاذ الوضع.

الوضع ليس أحسن حالاً في ألمانيا؛ حيث قررت حكومة ولاية برلين خفض التمويل المخصص للفنون والثقافة بنسبة 12 في المائة، وهو ما يعادل 130 مليون يورو. القرار أدّى إلى مخاوف من أن تفقد المدينة مكانتها، كونها واحدة من العواصم الثقافية الرائدة في أوروبا، حتى إن بعض المؤسسات أصبحت تواجه خطر الإغلاق، أهمها متحف برلين للفنون التشكيلية، ودار أوبرا كوميش. أما البقية فهي في حالة يُرثى لها، فمتحف برغام الشهير اضطر للغلق بسبب ترميمات طويلة الأمد (14 سنة)، علماً بأنه لم ينفذ فيه أي إصلاحات منذ 1930. عمدة برلين كاي فيغنر برّر تخفيضات الميزانية بوصفها ضرورية لضمان استمرارية برلين المالية بعد عام صعب اتسّم بانخفاض الإيرادات. ونصح المؤسسات الثقافية بالتفكير في إيجاد وسائل تمويل خاصة، على غرار النموذج الأميركي الذي يعتمد على الرعاية، مضيفاً أن «العقليات يجب أن تتغير؛ لأن خزائن الدولة أصبحت فارغة حتى بالنسبة للثقافة»، علماً بأن هذا التخفيض في ميزانية الثقافة يتعارض بشكل حاد مع نهج برلين السابق، المتمثل في تعزيز الاستثمار في فضاءاتها الثقافية. ففي عام 2021، وافقت ألمانيا على مبلغ قياسي قدره 2.1 مليار يورو تمويلاً فيدرالياً للثقافة، بزيادة قدرها 155 مليون يورو على العام السابق. شخصيات من الوسط الثقافي والفني انتقدت بشدة هذه التخفيضات، منها المخرج الألماني المعروف وين واندرز، الذي صرح لقناة «أورو نيوز» بأن «سحب التمويل العام قرار سيئ، أعتقد أن عليهم الاستثمار في الثقافة بدلاً من القيام بالعكس؛ لأنهم على المدى الطويل رابحون».

القطاع الثقافي في بريطانيا يعيش هو الآخر أزمة حادة؛ حيث نقل كثير من التقارير الإعلامية الانخفاض الشديد الذي سجلته الميزانيات المخصصة للثقافة منذ 2017 ولعدة سنوات على التوالي حتى وصلت نسبة الانخفاض إلى 48 في المائة، حسب موقع «أرت نيوز» البريطاني، الذي نشر مقالاً بعنوان: «لماذا تُموّل الحكومة البريطانية تمثالاً للملكة إليزابيث بـ46 مليون جنيه إسترليني، في حين القطاع الثقافي على ركبتيه». وجاء فيه: «عدد من المؤسسات الفنية والثقافية في جميع أنحاء المملكة المتحدة يُكافح من أجل البقاء، بسبب توقف التمويلات، كشبكة متاحف (التيت) التي تسهم فيها الحكومة بنسبة 35 في المائة، التي أصبحت تعاني من عجز في الميزانية للعام الثاني على التوالي، بسبب انخفاض الدعم، وإن كانت شبكة متاحف (التيت) ما زالت تنشط ولو بصعوبة فإن مؤسسات أخرى لم يحالفها الحظ؛ حيث تم إغلاق أكثر من 500 متحف بريطاني منذ سنة 2000، منها متحف إيستلي (Eastleigh) في هامبشاير، ومتحف كرانوك تشيس (Crannock Chase) في ويست ميدلاندز، بالرغم من الحملات الكثيرة التي نظمت لإنقاذ هذه المؤسسات».