«السي آي إيه» و«الموساد» أعدتا خطة اغتيال عماد مغنية

الكشف عن تفاصيل عملية تصفية القيادي البارز في «حزب الله» بسيارة مفخخة عام 2008 في دمشق

لبنانية تحمل ملصقا لعماد مغنية خلال تجمع حاشد في الضاحية الجنوبية من بيروت يوم 16 فبراير 2009 لإحياء الذكرى السنوية الأولى للقيادي بـ«حزب الله» (أ.ب)
لبنانية تحمل ملصقا لعماد مغنية خلال تجمع حاشد في الضاحية الجنوبية من بيروت يوم 16 فبراير 2009 لإحياء الذكرى السنوية الأولى للقيادي بـ«حزب الله» (أ.ب)
TT

«السي آي إيه» و«الموساد» أعدتا خطة اغتيال عماد مغنية

لبنانية تحمل ملصقا لعماد مغنية خلال تجمع حاشد في الضاحية الجنوبية من بيروت يوم 16 فبراير 2009 لإحياء الذكرى السنوية الأولى للقيادي بـ«حزب الله» (أ.ب)
لبنانية تحمل ملصقا لعماد مغنية خلال تجمع حاشد في الضاحية الجنوبية من بيروت يوم 16 فبراير 2009 لإحياء الذكرى السنوية الأولى للقيادي بـ«حزب الله» (أ.ب)

في 12 فبراير (شباط) 2008، كان عماد مغنية، قائد العمليات الدولية في «حزب الله»، يسير بهدوء في أحد الشوارع الهادئة في دمشق ليلا بعد تناوله العشاء في مطعم قريب. ومن مسافة ليست بالبعيدة، كان فريق من المراقبين التابعين لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية يتتبع تحركاته في العاصمة السورية.
ومع اقتراب مغنية من سيارة رياضية متعددة الأغراض انفجرت قنبلة كانت مزروعة في عجلة احتياطية وضعت على الجزء الخلفي من هذه المركبة التي كانت متوقفة، وانفجرت ناثرة شظايا على نطاق ضيق. فلقي حتفه على الفور.
تم تفجير القنبلة عن بعد عن طريق عملاء لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد في تل أبيب كانوا على اتصال مع عملاء الاستخبارات الأميركية الذين كانوا موجودين على الأرض في دمشق.
وأكد مسؤول سابق في الاستخبارات الأميركية أن «الطريقة التي تم إعدادها بها تسمح للولايات المتحدة بالاعتراض وبتعطيلها لكنها لا تمكنها من تفجيرها».
قامت الولايات المتحدة بتصنيع هذه القنبلة وتم اختبارها في ولاية كارولاينا الشمالية، لضمان القدرة على احتواء منطقة الانفجار المحتمل وأنها لن تؤدي إلى أضرار ثانوية.
وقال المسؤول السابق: «قمنا بتنفيذ 25 قنبلة منها تقريبا من أجل التأكد من أنها تتم بطريقة صحيحة».
يشير التعاون الوثيق للغاية بين الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية إلى أهمية الشخصية المستهدفة، فهو رجل تورط على مدى سنوات كثيرة في بعض من أبرز الهجمات الإرهابية التي قام بها «حزب الله»، بما في ذلك الهجوم الإرهابي على السفارة الأميركية في بيروت والسفارة الإسرائيلية في الأرجنتين.
لم تعترف الولايات المتحدة أبدا بضلوعها في اغتيال مغنية، الذي اتهم «حزب الله» إسرائيل باغتياله. لم يكن يوجد حتى الآن سوى قليل من التفاصيل عن العملية المشتركة التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية والموساد لقتله، وكيف تم التخطيط لتفجير السيارة المفخخة أو ما هو الدور الأميركي بالتحديد. باستثناء عملية قتل أسامة بن لادن عام 2011، تعتبر هذه المهمة أكبر إجراء سري عالي المخاطر تقوم به الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة.
كما أن ضلوع الولايات المتحدة في عملية القتل، وهو ما أكده 5 مسؤولين سابقين في الاستخبارات الأميركية، فيه انتهاك للحدود القانونية الأميركية.
تم استهداف مغنية في دولة لم تكن الولايات المتحدة في حالة حرب معها. وعلاوة على ذلك، فقد اغتيل في تفجير سيارة مفخخة، وهي تقنية يعتبرها بعض فقهاء القانون انتهاكا للقوانين الدولية التي تحظر «القتل غدرا»، وهو استخدام وسائل غادرة لقتل أو إصابة العدو.
من ناحيتها، أشارت ماري إيلين أوكونيل، أستاذة القانون الدولي بجامعة نوتردام، إلى هذا الأسلوب على أنه «أسلوب اغتيال يستخدمه الإرهابيون ورجال العصابات. وينتهك أقدم قواعد الحرب».
وأكد مسؤولون أميركيون سابقون، تحدث جميعهم شريطة عدم الكشف عن هويتهم، بشأن الحديث عن العملية، أن مغنية كان، رغم إقامته في سوريا، على علاقة مباشرة بتسليح وتدريب الميليشيات الشيعية العراقية التي كانت تستهدف القوات الأميركية في العراق. ولم يكن هناك سوى القليل من الجدال داخل إدارة بوش بشأن استخدام سيارة مفخخة بدلا من استخدام وسائل أخرى.
وقال أحد المسؤولين: «تذكر أنهم كانوا ينفذون تفجيرات انتحارية وهجمات بعبوات ناسفة»، في إشارة إلى عمليات «حزب الله» في العراق.
تطلب التفويض لاغتيال مغنية الحصول على تصريح رئاسي من الرئيس جورج دبليو بوش. وقال مسؤول سابق بالاستخبارات إن «المدعي العام ومدير الاستخبارات الوطنية ومستشارة الأمن القومي ومكتب المستشار القانوني بوزارة العدل، وقعوا على تنفيذ العملية».
وقال المسؤول السابق إن الحصول على التفويض لاغتيال مغنية كان عملية «شاقة ومملة». وقال المسؤول: «ما بيناه لهم هو أنه يمثل تهديدا مستمرا للأميركيين»، وأشار إلى أن مغنية كان له تاريخ طويل في استهداف الأميركيين، يعود إلى دوره في التخطيط لتفجير السفارة الأميركية في بيروت عام 1983».
قال المسؤول: «كان القرار هو أنه ينبغي علينا الحصول على تأكيد مطلق بأنه دفاع عن النفس».
كانت هناك شكوك منذ فترة طويلة بشأن تورط الولايات المتحدة في قتل مغنية. في كتاب «الجاسوس الجيد»، وهو كتاب يدور حول الضابط في وكالة الاستخبارات الأميركية روبرت أميز، نقل المؤلف كاي بيرد عن مسؤول استخباراتي سابق قوله إن «العملية كانت بالأساس تحت سيطرة لانغلي»، وإن «فريق عملاء سريين بوكالة الاستخبارات المركزية، هو الذي قام بتنفيذ عملية الاغتيال».
وفي كتاب جديد، «القتل المثالي: 21 من قوانين الاغتيال»، كتب ضابط الاستخبارات السابق روبرت باي كيف أنه فكر في اغتيال مغنية، ولكن لم تسنح له الفرصة على ما يبدو. ولكنه أشار إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت «تراقب» - يقصد مجلس مراجعة المطبوعات التابع للوكالة - وأنها حجبت كتابه. وقال: «لم أستطع للأسف أن أكتب عن الخطة الحقيقية ضد مغنية».
من جانبه، قال مارك ريجيف، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي: «لا يوجد لدينا ما نضيفه حاليا».
أبرزت العملية التي تم تنفيذها في دمشق التطور الفكري الحاصل داخل أجهزة الاستخبارات الأميركية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. قبل ذلك، كانت الحكومة الأميركية تنظر بشكل سلبي في كثير من الأحيان إلى عمليات الاغتيال الإسرائيلية، أبرزها الإدانة الأميركية للمحاولة الإسرائيلية الفاشلة لتسميم زعيم حماس، خالد مشعل، في العاصمة الأردنية عمان، في عام 1997. وانتهت العملية باعتقال عملاء الموساد وإجبار إدارة كلينتون لإسرائيل على تقديم الترياق الذي أنقذ حياة مشعل.
تشير عملية مقتل مغنية، التي تم تنفيذها بعد مرور أكثر من عقد من الزمان من حادثة مشعل، إلى أن التردد الأميركي تلاشى مع وكالة الاستخبارات المركزية وانتشارها إلى ما يتجاوز مناطق الحرب المحددة والمناطق غير الخاضعة لسلطة الحكومة في باكستان واليمن والصومال، حيث نشرت الوكالة أو الجيش طائرات من دون طيار ضد تنظيم القاعدة وحلفائه.
وقال مسؤول أميركي سابق إن «إدارة بوش تذرعت بنظرية الدفاع الوطني عن النفس من أجل قتل مغنية، تحت ادعاء أنه هدف مشروع، لأنه كان يتآمر على نحو نشط ضد الولايات المتحدة أو قواتها في العراق، وهو ما يجعله تهديدا وشيكا ومتواصلا لاحتمال وقوع هجمات، وأنه لا يمكن القبض عليه. سمح مثل هذا المنطق القانوني لوكالة الاستخبارات المركزية بتجنب انتهاك الحظر على الاغتيال في الأمر التنفيذي المرقم بـ«12333».
قدمت وزارة العدل حجة مماثلة أثناء محاكمة عملية قتل أنور العولقي التي تمت عام 2011، والعولقي مواطن أميركي ومسؤول دعاية نافذ في جناح تنظيم القاعدة في اليمن. فأشارت إلى أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب استهدف طائرات مدنية أميركية، وأكدت على أن العولقي كان له دور تنفيذي في التنظيم، وقال محامو الحكومة إنه تهديد وشيك ومتواصل لوقوع هجمات ولا يمكن عمليا القبض عليه.
من جانبه، قال ستيفن فلاديك الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بجامعة واشنطن: «من الواضح تماما أن الحكومة لديها على الأقل بعض الصلاحيات لاستخدام قوة مميتة للدفاع عن النفس حتى خارج سياق النزاع المسلح الدائر حاليا. السؤال الغاية في الأهمية هو ما إذا كانت الوقائع تدعم فعليا القرار القاضي بأن استخدام هذه القوة كان ضروريا ومناسبا في كل حالة».
*خدمة «واشنطن بوست»



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.