ماكرون يبادر باتصال لفتح قناة مع السلطة الليبية الجديدة

TT

ماكرون يبادر باتصال لفتح قناة مع السلطة الليبية الجديدة

من بين القادة الغربيين كافة، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الوحيد الذي اتصل شخصياً برئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي الذي انتخب يوم الجمعة الماضي في جنيف رئيساً للمجلس الرئاسي الجديد.
ولم يكن الاتصال للتهنئة فقط، بل للتأكيد على اهتمام ماكرون الشخصي بالملف الليبي وعلى دعم بلاده لليبيا للخروج من أزمتها ومساندة عملية السلام والحاجة لتضافر الجهود كافة لتحقيق هذا الغرض، ودعوة المنفي لزيارة فرنسا في «أقرب وقت ممكن».
ولا تختلف بادرة ماكرون عن ردود الفعل الدولية المرحبة بالإنجاز الذي أحرز في جنيف. لكنها، كما هو واضح، تندرج في إطار رغبة باريس في فتح قناة تواصل مباشرة مع المنفي. ومن المنتظر أن تستكمل أيضاً بالتواصل مع رئيس الوزراء الجديد عبد الحميد دبيبة.
وقالت مصادر دبلوماسية في باريس إن السرعة في تعبئة الحشد السياسي والدبلوماسي الدولي تستهدف بالدرجة الأولى «توفير قوة دفع للتشكيلة الجديدة» والحؤول دون قطع طريق الاستمرار عليها أو منعها من تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها.
ولفتت المصادر إلى أن «مهمة السلطة التنفيذية الجديدة ستكون شاقة بالنظر للعقبات الداخلية وحالة الانقسام الجغرافي بين شرق وغرب وجنوب، والتشرذم السياسي واهتراء بنى الدولة الليبية ووجود عشرات الميليشيات والقوى التي لن تساهم في تثبيت السلطة على حساب مصالحها».
وذكرت بالمصير الذي لقيه اتفاق الصخيرات الذي أفضى إلى انقسامات واستولد سلطتين متناحرتين. يضاف إلى ذلك دور القوى الأجنبية، الإقليمية والدولية، الذي عمق الانقسامات الداخلية حتى اليوم. ولا ضمانة، رغم الإجماع الذي برز إزاء انبثاق سلطة تنفيذية جديدة، أنه لن يتراجع أو يضمحل.
وفي هذا السياق، جاءت لافتة تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يوم الجمعة الماضي التي انتقد فيها بعنف دعوة ماكرون لانسحاب القوات التركية من ليبيا في إطار رسالة تلقاها منه. ولم يكشف قصر الإليزيه عن تاريخها ولا عن محتواها.
وقال إردوغان عقب أدائه صلاة الجمعة في أحد مساجد إسطنبول: «يبدو أنه (ماكرون) لم يتعلم هذا الأمر، وتعلمه يتطلب الكثير من الوقت»، مشيراً إلى أن القوات التركية موجودة في ليبيا تلبية لدعوة من حكومتها الشرعية، وأنه يتعين على ماكرون توجيه دعوته إلى الأطراف الأخرى التي ترسل «مقاتلين مرتزقة» إلى ليبيا. وتساءل عن سبب وجود قوات فرنسية في مالي وتشاد وطالب بـ«ضرورة مساءلة فرنسا عما تفعله في هذه المنطقة».
وترى أوساط فرنسية معنية بالوضع الليبي أن إردوغان يتخوف من تعليق أو إلغاء الاتفاقيتين اللتين أبرمهما مع حكومة فائز السراج في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. وتتناول الأولى التعاون الأمني والعسكري فيما الثانية تختص بتحديد مناطق الصلاحية البحرية التي توفر لتركيا مساحات مائية شاسعة إضافية.
وجاء هجوم إردوغان على ماكرون بعد فترة من «التهدئة» بدأت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي وكانت أبرز معالمها تبادل الرسائل بين الطرفين والرغبة في الالتقاء مجدداً. وعاد إردوغان أمس إلى اتهام فرنسا بـ«استهداف الإسلام والمسلمين».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.