الطبخ... علاج نفسي في زمن {كورونا}

الشيف مارون شديد: عالم الطهي سيشهد نهضة واسعة بعد الجائحة

الشيف مارون شديد يعود إلى الأطباق اللبنانية الأصيلة ويعتقد أن الطبخ يساعد في المحافظة على الصحة العقلية في ظل الحجر المنزلي الحالي
الشيف مارون شديد يعود إلى الأطباق اللبنانية الأصيلة ويعتقد أن الطبخ يساعد في المحافظة على الصحة العقلية في ظل الحجر المنزلي الحالي
TT

الطبخ... علاج نفسي في زمن {كورونا}

الشيف مارون شديد يعود إلى الأطباق اللبنانية الأصيلة ويعتقد أن الطبخ يساعد في المحافظة على الصحة العقلية في ظل الحجر المنزلي الحالي
الشيف مارون شديد يعود إلى الأطباق اللبنانية الأصيلة ويعتقد أن الطبخ يساعد في المحافظة على الصحة العقلية في ظل الحجر المنزلي الحالي

يشتهر الشيف مارون شديد بدقته في عمله، وبإحساسه المرهف أثناء تحضيره طبقاً ما. يبحث الشيف ويكتشف ويدرس ليضفي تطوراً على مهنته، يبرع في تقديم النكهات والخلطات الأجنبية كما الشرقية. وفي تاريخه تجارب كثيرة ناجحة ترجمها في برامج وإطلالات تلفزيونية مصورة كـ«توب شيف». وكذلك في صفوف تعليم الطبخ في «أكاديمية مارون شديد» وفي إطلاق مطعمه الخاص «ريتاج» في بيروت.
يردد دائماً أن كل ما تعلّمه في فن الطبخ يعود إلى والدته الراحلة منذ سنوات قليلة. أما اليوم وفي زمن «كورونا»، فهو يستذكرها في أطباق لبنانية أصيلة يحضّرها على طريقتها. يوجد حالياً في المملكة العربية السعودية حيث افتتح منذ نحو سنة فرعاً لمطعمه «ريتاج». وهو كغيره من الطهاة في العالم تأثر بالجائحة وتلقف سلبياتها وإيجابياتها على طريقته. ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «المطاعم في مختلف أنحاء العالم تعاني من أزمة حادة بفعل قرارات الإقفال التام لبلدان كثيرة. وهو ما انعكس سلباً على معنويات الطهاة. فدخلوا مرحلة جديدة من حياتهم، عنوانها (معركة البقاء). لم تعد تطلعاتنا تتمحور حول البحوث والاطلاع على كل جديد في هذا العالم. رجعنا معها بضع خطوات إلى الوراء. انغلقنا على أنفسنا وبتنا ندور في حلقة مفرغة باحثين فقط عن الاستمرارية بشكل وبآخر».
لا يحبّذ الشيف مارون ظاهرة التواصل الافتراضية، إذ يعتبرها ناقصة ولا تمده بنفس متعة التواصل مع الآخر وجهاً لوجه. ويقول في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لم أستطع التفاعل مع هذه الظاهرة، خصوصاً خلال صفوف الطبخ التي أقدمها في أكاديمية الطبخ خاصتي. فشعرت كأني رجل آلي يتحدث مع شاشة عملاقة لا روح فيها. لم أستطع التعرف إلى انطباع طلابي عند تذوقهم هذا الطبق أو ذاك في غياب لملامح وجوههم وكلام نظراتهم. فعندما أعطي هذه الدروس مباشرة أستطيع استخدام جميع حواسي وهي قاعدة أساسية في فن الطبخ، ويتفاعل معي طلابي بالطريقة نفسها. أما في البرامج الرقمية فالأمور تفقد حقيقتها».
برأي الشيف مارون أن قواعد النظافة التي فرضتها الجائحة للحد من انتشارها ليست بالجديدة على الطهاة: «اعتدنا وضع القفازات وتعقيم الأسطح التي نعمل عليها. أما وضع الكمامات فكان بديهياً في السعودية مثلاً، ولذلك لم تقيدنا عادات الجائحة في موضوع الوقاية».
وعن رأيه بهواية الطهي التي تحوّلت إلى ظاهرة يمارسها الناس خلال فترة الحجر، يقول: «برأيي ممارسة هواية الطهي هي أفضل علاج نفسي نتبعه في زمن (كوفيد 19). أنا شخصياً أدخل المطبخ بعيد انتهاء دوام العمل وأحضّر أطباقاً لبنانية تخطر على بالي. فالطبخ يلهي صاحبه ويبعده عن همومه ويشغل جميع حواسه. فينسى معه كل ما يدور حوله من أزمات ومشكلات. فصحيح أن (كورونا) له سلبيات كثيرة، وبينها البعد الاجتماعي والقلق اللذان نعيشهما، ولكن في المقابل أتاح لنا هذا الوباء من ناحية ثانية التعمّق في ذاتنا والتعرف على أنفسنا بشكل أكبر».
وعن أنواع الطبخات التي يحضرها من باب تمضية الوقت، يقول: «عدت إلى الأصالة إلى الطعام اللبناني الذي تعلمته من والدتي كأطباق اللوبياء بالزيت والدجاج مع البطاطس في الفرن. وكذلك تحضير مازات لبنانية مشهورة كـ(بابا غنوج) (باذنجان متبل) والحمص بالطحينة».
يرى الشيف مارون أن زمن الجائحة علّمه دروساً كثيرة في الحياة. فبات أكثر انفتاحاً واستيعاباً وقبولاً للآخر: «لقد كنا نعيش ضمن إيقاع حياتي سريع يستهلك منا كل شيء وجاءت الجائحة لتذكرنا بطبيعتنا الإنسانية. صرت حالياً أخصص وقتاً أكبر لأولادي وأمارس هواياتي الرياضية، وفي مقدمها ركوب الدراجة الهوائية. كل أسلوب حياتي تغيّر حتى طريقة تناولي الطعام واختياري لأنواع صحية منه. انخفض وزني 15 كيلوغراماً لأني نظمت طريقة غذائي. اكتشفت أن كل ما كنت أقوم به من قبل لا قيمة له وأن الصحة هي الأساس في حياتنا».
وعن مدى تأثير الجائحة على الطهاة والمطاعم على المدى الطويل، يقول: «لقد ولّدت تراجعاً اقتصادياً في كل القطاعات وبينها قطاع الطهي والمطاعم. ولكن من يصمد سيشهد مستقبلا، أفضل. أهمية هذه الأزمة أنها تسببت بعملية فرز تلقائية ففصلت ما بين المستثمر والمحترف. وبالنسبة لعالم الطهي كله فهو سيشهد نهضة كبيرة بعد انتهاء الجائحة حتى إنه سيسجل تطوراً أفضل».
وعمَّ برأيه سيعمل الطهاة على أنواع طعام يستوحونها من زمن الجائحة عند الانتهاء منها، يقول: «لا أعتقد ذلك أبداً، بل سنفعل ما بوسعنا لننساها».
أكثر ما يستفز الشيف مارون في زمن الجائحة هم الأشخاص الذين يفرضون أنفسهم كطهاة، مع أنهم في الواقع لا علاقة لهم بهذا القطاع: «أرى أشخاصاً كثراً يعطون دروساً في الطبخ عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يلتقطون الصور لأنفسهم ويتباهون بمعلوماتهم وهو أمر يشوّه صورة الطباخ الحقيقي. فأنا شخصياً لم أرث مهنتي من أحد بل جاهدت وتعذبت للوصول إلى هنا فليس من السهل أن تصبح طاهياً ناجحاً».
يشير الشيف مارون شديد إلى أن كل من يدخل المطبخ له ملء الحرية بممارسة هوايته على طريقته، شرط عدم فرضها على الآخر: «لكل منا أسلوبه في الطهي وبالاستمتاع بما يقوم به، فليس هناك صح وغلط في هذا الموضوع. علينا فقط أن نلحق بإحساسنا بكل بساطة، فهو يلعب دوراً بديهياً في عملية الطهي. فليدخل الناس المطبخ ويتسلوا، لا أن يصوروا أنفسهم ويتباهون».
في زمن «كورونا» يحن الشيف مارون إلى المائدة اللبنانية. فهو من الطهاة اللبنانيين البارعين في المطبخ الإيطالي ويحفظ خصوصياته عن ظهر قلب إضافة إلى مطابخ أخرى: «لن أنصح القراء بوصفات فرنسية وإيطالية، بل لبنانية بامتياز، لأنها لذيذة وصحية وأحضرها دائماً».
لقد كانت والدتي تقول لي إذا رغبت في تناول طبق لوبياء بالزيت على أصوله فعليك أن تطهيها «بدمها». وما تعنيه هنا هو عدم إضافة المياه عليها بل تركها على نار خفيفة لتنضج على البخار. ومع شرحات البصل التي نقليها مع زيت الزيتون مع إضافة فصوص الثوم المهروسة وأخرى بحجمها الطبيعي. نترك هذا الخليط على نار متوسطة. وفي المرحلة الأخيرة نضيف إليه البندورة الحمراء المقطعة صغيراً أنا شخصياً أحب تلك المعلبة منها. وعند نضوج الطبخة نضيف رشة فلفل حار حسب الرغبة.
وعن كيفية تحضير طبق الدجاج بالفرن، يقول: «سرّ هذا الطبق يكمن بالزعتر اللبناني الذي نستخدمه فيه. وللحؤول دون تسلل رائحة الزنخة من لحم الدجاج علينا غسله بماء مثلّجة ومن ثم نقوم بتجفيفه بواسطة فوطة ورقية. بعدها نفرغ عليه القليل من زيت الزيتون والملح والبهار والزعتر البلدي. نقطع البطاطا إلى مكعبات صغيرة ونتبلها بنفس المكونات. نضع المزيج بأكمله في الفرن على درجة عالية ومن ثم متوسطة وبعد نحو 30 دقيقة نغمرها بنحو كوب ونصف من مرق الدجاج. وعندما تصبح محمّرة كما يجب نقدمها على المائدة مع صحن حمص بالطحينة اللبناني الأصيل وألف صحتين».


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

مطعم «تيرا نيرا» في باريس... جاذب عشاق الأكل الإيطالي والسياح

مشهد من مسلسل «إيميلي في باريس» خارج المطعم (إنستغرام)
مشهد من مسلسل «إيميلي في باريس» خارج المطعم (إنستغرام)
TT

مطعم «تيرا نيرا» في باريس... جاذب عشاق الأكل الإيطالي والسياح

مشهد من مسلسل «إيميلي في باريس» خارج المطعم (إنستغرام)
مشهد من مسلسل «إيميلي في باريس» خارج المطعم (إنستغرام)

الشيف غابريال في «إيميلي في باريس» (Emily in Paris) هو شخصية محورية في المسلسل، وهو شاب فرنسي وسيم يعمل شيفاً في مطعم في باريس. يُجسِّد دوره الممثل الفرنسي لوكاس برافو. غابريال هو جار إيميلي، ويسكن في نفس المبنى الذي تسكن فيه البطلة الأميركية، التي تنتقل من شيكاغو إلى باريس للعمل في شركة تسويق. تنشأ بينهما علاقة معقدة ومليئة بالتوتر العاطفي، حيث تنجذب إيميلي إلى الشيف غابريال، لكنه في نفس الوقت مرتبط بعلاقة حب مع كامي، وهي إحدى صديقات إيميلي.

إلى جانب جاذبيته الشخصية، غابريال موهوب جداً في الطهي، ويكرس وقته بالكامل لمهنته طاهياً وحلمه الحصول على نجمة ميشلان للتميز. في مواسم لاحقة من المسلسل، يلعب دورُه في إدارة المطعم والطموح لفتح مطعمه الخاص دوراً مهماً في تطور قصته. العلاقة بينه وبين إيميلي وكامي هي جزء أساسي من دراما الحب الثلاثي، التي تتكرر في سياق المسلسل.

الطاولة الشهيرة التي يجلس عليها الشيف غابريال (إنستغرام)

الشخصية تعكس الجوانب الرومانسية والمهنية للعالم الباريسي، حيث يتفاعل الشيف غابريال مع شغفه بالطهي وتحديات العلاقات العاطفية.

هذه هي باختصار قصة الشيف الوسيم الذي يعمل في مطعم «ليه دو كومبير» (Les Deux Compères)، وهو موقع حقيقي ومعروف في باريس، لكنه في الواقع لا يحمل هذا الاسم. المطعم الحقيقي يُدعى «Terra Nera»، وهو مطعم إيطالي يقع في الدائرة الخامسة في باريس بالقرب من البانثيون، تماماً كما في المسلسل.

ومن وراء شهرة «إيميلي في باريس» عالمياً أصبح «تيرا نيرا» وجهة شعبية للزوار والمعجبين بالمسلسل، بعد أن تم تصوير مشاهد كثيرة فيه. على الرغم من أن المسلسل يظهره مطعماً فرنسياً بإدارة غابريال، فإن المطعم الحقيقي يقدم أطباقاً إيطالية.

ويدور كثير من الأحداث والمشاهد في المسسل في هذا المطعم الذي يلعب دوراً محورياً، فهو ليس مكان عمل الشيف غابريال فقط، ولكنه نقطة التقاء شخصيات رئيسية كثيرة في القصة أيضاً.

يشتهر مطعم «تيرا نيرا» بأطباقه الإيطالية الأصلية، فهو صغير الحجم يقصده الذواقة الباحثون عن عنوان إيطالي في قلب العاصمة الفرنسية، كما يشتهر أيضاً بخدمته الجيدة. ويعمل فيه أعضاء من عائلة إيطالية واحدة. من أشهر أطباقه: أنتيباستي ميزون، واللينغويني ألي فونغولي، وساليتشي نابوليتانا، وتورتا ديلا نونا، أو «تورتة الجدة»، ولاكريما كريستي.

ميزة المطعم أنه يقدم مأكولات إيطالية تقليدية مع التركيز على الأطباق الكلاسيكية، مثل البيتزا والمعكرونة، بالإضافة إلى اللحوم والأسماك التي تحضر على الطريقة الإيطالية المتوسطية.

يشتهر «تيرا نيرا» بالأطباق الإيطالية بما فيها الأسماك (إنستغرام)

ومن الأسباب التي زادت من شهرة المطعم هو موقعه في منطقة سياحية، وقربه من معالم ثقافية كثيرة، مثل البانثيون وجامعة السوربون.

الديكور في المطعم بسيط وجميل بنفس الوقت، وأجواؤه دافئة جداً، يجذب كثيراً من الزوار بسبب المسلسل الذي تنتجه «نتفليكس»، ما زاد من شعبيته بين عشاق «إيميلي في باريس» والسياح عموماً، وخاصة عشاق الأكل الإيطالي.

وقبل ظهور المطعم في المسسل كان المطعم مقصد الذواقة الإيطاليين والفرنسيين الذين يعشقون الأكل الإيطالي.

مطعم «تيرا نيرا» الإيطالي في باريس (إنستغرام)

الطاهي الرئيسي في مطعم «Terra Nera» في باريس هو «Giovanni Lepori». يتميز «Lepori» بخبرته الواسعة في تقديم المأكولات الإيطالية الأصيلة، مع التركيز على إعداد الأطباق باستخدام مكونات طازجة وتقنيات تقليدية، تعكس روح المطبخ الإيطالي. ومن الضروري أن تقوم بالحجز المسبق نظراً لشعبيته المتزايدة، خصوصاً خلال المواسم السياحية على مدار العام.