الفلسطينيون لتسريع تحقيق الجنائية الدولية في «جرائم إسرائيل»

الاستيطان وحرب غزة والأسرى ملفات أمام محكمة لاهاي... وتل أبيب تعد قرار القضاة «سياسياً مشوباً بمعاداة السامية»

الفلسطينيون يريدون أن تحقق المحكمة الجنائية في حرب غزة عام 2014 (أ.ب)
الفلسطينيون يريدون أن تحقق المحكمة الجنائية في حرب غزة عام 2014 (أ.ب)
TT

الفلسطينيون لتسريع تحقيق الجنائية الدولية في «جرائم إسرائيل»

الفلسطينيون يريدون أن تحقق المحكمة الجنائية في حرب غزة عام 2014 (أ.ب)
الفلسطينيون يريدون أن تحقق المحكمة الجنائية في حرب غزة عام 2014 (أ.ب)

بدأ الفلسطينيون العمل فوراً من أجل دفع المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق في الجرائم الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، بعد انتزاعهم قرار قضاة المحكمة الذي أعلن ولايتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وهي قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. وفي مقابل الترحيب الفلسطيني الكبير بالقرار، وصفه الإسرائيليون بأنه «قرار سياسي مشوب بمعاداة السامية».
وقال وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، السبت، إنه تواصل منذ لحظة صدور القرار مع المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية للبحث في الآليات، والإسراع في التحقيق، وأضاف: «سيبقى هذا التواصل حثيثاً مستمراً من أجل البحث في الخطوات اللاحقة، وتشكيل فرق التحقيق الرسمية لبدء عملها على أرض دولة فلسطين».
كانت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قد صادقت (الجمعة) للمدعية العامة للمحكمة، فاتو بنسودا، على فتح تحقيق بشأن ارتكاب «جرائم حرب إسرائيلية» في الأراضي الفلسطينية، بعدما أعلنت أن «فلسطين دولة في نظام روما الأساسي للمحكمة». وفلسطين عضو في المحكمة الجنائية التي تأسست عام 2002، لكن إسرائيل ليست عضواً فيها.
وجاء قرار قضاة المحكمة الجنائية استجابة لدعوة من بنسودا بفتح تحقيق كامل رسمي بعد 5 أعوام من التحقيق الأولي الذي بدأ بعد حرب 2014 في غزة. ووصفت بنسودا الجيش الإسرائيلي والجماعات الفلسطينية المسلحة، مثل حركة «حماس»، بأنهم جناة محتملون.
وفتحت بنسودا تحقيقاً أولياً في يناير (كانون الثاني) 2015 حول اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة إثر الحرب في قطاع غزة في 2014 التي أسفرت عن نحو 2200 قتيل في الجانب الفلسطيني، معظمهم مدنيون، بينهم 579 طفلاً و263 امرأة و102 من المسنين، مقابل نحو 70 قتيلاً في الجانب الإسرائيلي، معظمهم جنود.
ورحب مكتب بنسودا بقرار قضاة المحكمة، قائلاً إنه «يدرس قرار القضاة، وسيقرر كيفية التصرف بحيادية واستقلالية، حسب التفويض الممنوح له ضمن معاهدة روما».
ويوجد أمام مكتب بنسودا 3 ملفات طرحها الفلسطينيون، وهي «العدوان على غزة، بما يشمل استخدام القوة المفرطة وأسلحة محرمة وارتكاب مجازر وقتل مدنيين»، و«الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، بما يشمل سوء المعاملة للأسرى وعائلاتهم، والإهمال الطبي الذي أدى إلى وفاة أسرى»، و«الاستيطان، بما يشمل البناء غير القانوني على الأرض الفلسطينية، وإرهاب المستوطنين أنفسهم الذي أدى إلى قتل مدنيين فلسطينيين».
ويتوقع الفلسطينيون أن يبدأ التحقيق أولاً بملف الاستيطان، لكنهم أيضاً يأملون في تمكن الأسرى وعائلات الضحايا في غزة من محاكمة الإسرائيليين.
وقال المالكي إن السلطة ستعمل الآن مع خبراء قانونيين ومحامين فلسطينيين أو عرب أو دوليين من أجل متابعة التحقيقات والاستجابة لها، مشيراً إلى أهمية القرار وتوقيته «المهم جداً» الذي جاء في ظل «تصعيد جرائم الاحتلال والمستوطنين بحق شعبنا».
ويراكم الفلسطينيون منذ أعوام ملفات توثق الجرائم الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. وقال رئيس الوزراء، محمد أشتية، إن حكومته ستواصل توثيق الجرائم الإسرائيلية، بما فيها جرائم القتل، وهدم البيوت والاستيلاء على الأراضي، والتوسع الاستيطاني لابتلاع الأراضي، مطالباً المحكمة بتسريع إجراءاتها القضائية في الملفات المرفوعة أمامها.
وبدورها، رحبت حركة «حماس» بإعلان المحكمة الجنائية، داعية إلى «جلب مجرمي الحرب» الإسرائيليين إلى المحاكم الدولية. وقالت الحركة التي تسيطر على قطاع غزة منذ 2007، في بيان، إن «الخطوة مهمة»، مضيفة أن «الخطوة الأهم هي استكمال الخطوات المطلوبة لجلب مجرمي الحرب الصهاينة إلى المحاكم الدولية ومحاسبتهم»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
والترحيب الفلسطيني الواسع بقرار المحكمة قابله غضب إسرائيلي كبير، استدعى وضع خطة للتنسيق مع الولايات المتحدة التي عبرت عن قلقها من القرار. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن لاهاي «أثبتت مرة أخرى أنها هيئة سياسية، وليست مؤسسة قضائية».
وأضاف نتنياهو، في تغريدة له عبر صفحته على «تويتر»: «تتجاهل المحكمة جرائم الحرب الحقيقية، وبدلاً من ذلك تلاحق دولة إسرائيل، وهي دولة ذات نظام ديمقراطي قوي، تقدس حكم القانون، وليست عضواً في المحكمة التي نالت من حق الدول الديمقراطية في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب، ولعبت في مصلحة جهات تقوض الجهود الرامية إلى توسيع دائرة السلام». وتابع: «سنواصل الدفاع عن مواطنينا وجنودنا بشتى الوسائل من الملاحقة القانونية».
أما سفير إسرائيل المعتمد لدى واشنطن ولدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، فوصف القرار بأنه «وصمة عار». وأضاف أردان: «إنه قرار سياسي مشوب بمعاداة السامية. بدلاً من التحقيق في جرائم حرب حقيقية، كما هو منصوص عليه في التفويض الأصلي للمحكمة، فهي في الواقع تكافئ الإرهاب والرفض الفلسطيني».
في غضون ذلك، عبّرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن «مخاوف جديّة» مما اعتبرته «ادعاء» المحكمة الجنائية الدولية أن ولايتها القضائية تسمح لها بالنظر في قضايا في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين في واشنطن إن الإدارة «تراجع» القرار الذي أصدرته هيئة من ثلاثة قضاة من الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة لتأكيد أنها «يمكن أن تمارس اختصاصها القضائي في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة». لكنه أقر بـ«أننا نشارك أهداف المحكمة في تعزيز المساءلة عن أسوأ الجرائم التي عرفتها الإنسانية».
ولاحقاً أصدر برايس بياناً أشار فيه إلى القرار الذي «يدعي الاختصاص القضائي في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة»، مجادلاً أنه «عندما ادعى الفلسطينيون الانضمام إلى نظام روما الأساسي في عام 2015 فإننا لا نعتقد أن الفلسطينيين مؤهلون كدولة ذات سيادة» لعضوية المحكمة، مستطرداً «بالتالي فإنهم غير مؤهلين للحصول على العضوية كدولة، أو المشاركة كدولة في المنظمات والكيانات الدولية، أو المؤتمرات، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية».
وعبر عن «مخاوف جدية بشأن محاولات المحكمة الجنائية ممارسة ولايتها القضائية على الأفراد الإسرائيليين»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة «اتخذت دائماً الموقف القائل بأن اختصاص المحكمة يجب أن يقتصر على الدول التي توافق عليها، أو التي يحيلها إليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.