{البنتاغون} يقود مراجعة شاملة للقوات الأميركية في الخارج

وزير الدفاع لدى تفقده عناصر الحرس الوطني في واشنطن الأسبوع الماضي (أ.ب)
وزير الدفاع لدى تفقده عناصر الحرس الوطني في واشنطن الأسبوع الماضي (أ.ب)
TT

{البنتاغون} يقود مراجعة شاملة للقوات الأميركية في الخارج

وزير الدفاع لدى تفقده عناصر الحرس الوطني في واشنطن الأسبوع الماضي (أ.ب)
وزير الدفاع لدى تفقده عناصر الحرس الوطني في واشنطن الأسبوع الماضي (أ.ب)

قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن البنتاغون يقوم، بناء على توجيهات الرئيس جو بايدن، بمراجعة شاملة داخلية وخارجية لوضع القوات الأميركية، بما يتناسب مع الشعارات التي رفعها الرئيس بإعادة حضور الولايات المتحدة على المستوى العالمي.
وأضاف أوستن أن المراجعة تتضمن تحديد أفضل السبل لتحقيق المصالح الوطنية، بالتشاور والتنسيق التام مع وزارة الخارجية. وأكد أنه سيتم التشاور مع الحلفاء والشركاء أثناء إجراء هذه المراجعة، «لأنه لا يمكن لأحد أن ينجح في العمل وحده، وهذا يشمل أفغانستان والشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا ونصف الكرة الأرضية الخاص بنا، امتداداً إلى غرب المحيط الهادئ». وأضاف الوزير أن الولايات المتحدة «تقف جنباً إلى جنب مع الحلفاء القدامى والجدد، الكبار والصغار، وهي لا تخشى القتال عندما يتوجب عليها ذلك، ولن تخاف أبداً من الانخراط في مناقشات ومفاوضات صعبة».
في سياق متصل، قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي إن تنظيم «داعش» الإرهابي «لم يعد في المستوى الذي كان عليه في الماضي، من حيث قوته وقدراته. وأضاف أنه لا يعتقد أنه يمثل تهديداً متجدداً، لكنه يشكل تهديداً قائماً، وهو ما يركز على مواجهته 2500 من جنودنا في العراق». وتابع كيربي أنه رغم «الهجمات التي تعرضنا لها من قبل ميليشيات مدعومة من إيران، سنواصل الرد والدفاع عن أنفسنا». وجدد التذكير بأن هدف القوات الأميركية الموجودة في العراق بناء على دعوة الحكومة العراقية، هو مساعدتها في جهودها لمواصلة القضاء على «داعش».
من جهة أخرى، لم يشأ كيربي التعليق مباشرة على التقرير الذي أصدره المعهد الأميركي للسلام التابع لوزارة الخارجية عن أفغانستان، والذي شارك في صياغته الجنرال جوزف دانفورد رئيس هيئة الأركان السابق. وفيما أوصى التقرير بأن تعيد الولايات المتحدة فتح المحادثات مع طالبان لتأجيل الانسحاب الكامل، بسبب رفض طالبان أو عدم قدرتها على الحد من العنف، قال كيربي إن وزير الدفاع لويد أوستن وإدارة البنتاغون برمتها يقومان بمراجعة هذه الاتفاقية لفهمها بشكل أفضل وفهم الامتثال لها. وأكد أنه لا توجد قرارات الآن حول وضع القوات الأميركية في المستقبل في هذا البلد أو أي قرارات استراتيجية أخرى، مشيراً إلى أنه لا يوجد إطار زمني لهذه المراجعة، وليست مرتبطة بالاجتماع الوزاري المقبل لحلف الناتو الذي سيعقد بعد أسبوعين.
وكان وزراء أوروبيون قد أعلنوا أن الاجتماع سيبحث وجود القوات الدولية في أفغانستان، في ظل دعوات إلى تمديد وجود ما يربو على 10 آلاف جندي إلى ما بعد مايو (أيار) المقبل، بسبب عدم التزام طالبان بتنفيذ شروط الاتفاق الذي وقعته مع واشنطن العام الماضي.
على صعيد آخر، أكد كيربي أن الوزير أوستن عقد، قبل يومين، اجتماعاً مهماً، شارك فيه الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة وكبار القادة العسكريين، بحثوا فيه كيفية رؤيتهم لقضية التطرف في الجيش. وأضاف كيربي أن الوزير أمر بوضع كل القوات الأميركية تحت المراجعة من قبل قياداتها على مدى 60 يوماً، لإنجاز المناقشات المطلوبة مع أفراد القوة العسكرية، رجالاً ونساء. وأكد أن أحد أهم الأسباب التي فرضت اتخاذ هذا القرار هو رغبة الوزير في معرفة حقيقة وحجم هذا التشدد وعمقه داخل القوات الأميركية، بعيداً عن التحريض الإعلامي والمبالغات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟