مساعي الحريري تلتقي مع البيان الأميركي ـ الفرنسي لتسهيل تشكيل الحكومة

TT

مساعي الحريري تلتقي مع البيان الأميركي ـ الفرنسي لتسهيل تشكيل الحكومة

مع أن اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم تصدر واجهة الاهتمام الدولي والعربي والمحلي وطغى على التأزم الذي لا يزال يحاصر الجهود الرامية لتهيئة الظروف باتجاه التسريع بتأليف حكومة مهمة لما يترتب عليه من مخاوف يمكن أن تُنذر بعودة مسلسل الاغتيالات السياسية إلى الساحة اللبنانية، فإن البيان المشترك الذي صدر عن وزيري خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن وفرنسا جان إيف لودريان حول لبنان، وتحديداً أزمة تشكيل الحكومة، جاء في الوقت المناسب لعله يفتح الباب أمام معاودة تزخيم المبادرة الفرنسية، في الوقت الذي يطل فيه الرئيس المكلف سعد الحريري من البوابتين المصرية والإماراتية؛ سعياً وراء إبقاء لبنان على خريطة الاهتمام الدولي والعربي كممر إلزامي لإنقاذه بدءاً بوقف الانهيار المالي والاقتصادي.
فالبيان المشترك لوزيري الخارجية الأميركي والفرنسي - كما يقول مصدر سياسي بارز - جاء ليؤكد أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ليست في وارد تجديد قصفها على المبادرة الفرنسية، على غرار ما أقدم عليه سلفه الرئيس دونالد ترمب عندما فرضت إدارته عقوبات على رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، بالتزامن مع تحرك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتسويق مبادرته لإنقاذ لبنان بتشكيل حكومة مهمة.
ولفت المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن البيان الفرنسي - الأميركي جاء ولو متأخراً لقطع الطريق على التساؤلات التي أحاطت بتجاهل إدارة بايدن في اتصال ماكرون به، إطلاق أي إشارة بخصوص الوضع في لبنان بخلاف ما ورد في البيان الذي صدر عن الرئيس الفرنسي، وهذا ما دفع عدداً من الأطراف اللبنانية إلى طرح علامة استفهام حول إغفال البيت الأبيض للشق اللبناني في الاتصال الهاتفي المطول الذي جرى بين الرئيسين.
وأكد المصدر نفسه أن بايدن توخى، من خلال البيان المشترك لوزيري الخارجية الأميركي والفرنسي، تمرير رسالة إلى باريس ومن خلالها إلى اللبنانيين بأن واشنطن لن تكون عائقاً أمام إنجاح المبادرة الفرنسية، وبالتالي لن تكون طرفاً في زرع الألغام السياسية التي تؤدي إلى تعطيلها مجدداً.
ورأى أن قرار بايدن بتفويض ماكرون بالملف اللبناني وصولاً إلى إلزام الأطراف المحلية الرئيسية بتشكيل حكومة مهمة تأخذ على عاتقها تحقيق رزمة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية، كشرط لاستعادة ثقة اللبنانيين أولاً، والمجتمع الدولي ثانياً، على قاعدة الاستجابة لمطالب اللبنانيين بالإصلاح والتغيير، لا يعني أن واشنطن ستنضم مباشرة إلى الاتصالات التي يتولاها ماكرون.
وعزا السبب إلى أن واشنطن تنأى بنفسها عن التدخل مباشرة لئلا تعطي ذريعة لإيران ومن خلالها «حزب الله» للدخول على خط التفاوض لجرها إلى ملعبها لإدراج الملف النووي والعقوبات الأميركية المفروضة على طهران كبند على جدول الأعمال الخاص بالأزمة اللبنانية.
وأكد المصدر السياسي أن تفهم واشنطن للموقف الفرنسي لجهة ضرورة انتشال لبنان من الانهيار، لضمان بقائه على قيد الحياة شرط التقيد بلا شروط بالمواصفات التي أوردها ماكرون في مبادرته لإنقاذه، لضمان استجابة المجتمع الدولي لمساعدته وإخراجه من التأزم، وتحضيره للانتقال إلى مرحلة التعافي المالي لا يعني أن الرئيس الفرنسي سيزور لبنان قريباً ما لم يتحقق من أن لا مشكلة تعوق ولادة الحكومة، وأن حضوره للمرة الثالثة إلى بيروت يأتي ليبارك تشكيلها.
وكشف أن ماكرون لا يحبذ المبادرة إلى توجيه دعوة للأطراف الرئيسية التي كان التقاها في قصر الصنوبر لاستضافتها برعاية فرنسية، وقال إنه يتعاطى مع هذه النصيحة بحذر شديد؛ انطلاقاً من تقديره أن لا جدوى سياسية من مبادرة كهذه خشية عدم وجود ما يضمن اجتماعهم في العاصمة الفرنسية.
ولم يقلل المصدر نفسه من التداعيات السلبية المترتبة على عدم تجاوب طهران مع المبادرة الفرنسية، رغم أن الإرباك يطغى على موقف حليفها «حزب الله» الذي يصر حتى إشعار آخر على مراعاة موقف رئيس الجمهورية ميشال عون بالنيابة عن وريثه السياسي باسيل، رغم أنه يدرك أن التوجه الدولي لم يعد لصالحه، وبات يتعامل مع الرئاسة الأولى على أنها ماضية في اتباع سياسة الثأر على خلفية التشفي من واشنطن لفرضها عقوبات على باسيل.
واعتبر أن عون بات محشوراً دولياً وعربياً، لأنه بات العائق الوحيد وبمراعاة «حزب الله» له الذي يعطل وضع المبادرة الفرنسية على سكة الإنقاذ، وقال إن عليه أن يعيد النظر بخياراته السياسية التي تجر لبنان إلى الانتحار، وأكد أنه يتحمل مسؤولية إطلاق النار على تحرك رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يتفهم موقف الحريري ويدعوه للصمود وعدم الاعتذار، وبالتالي الخضوع لحملات التهويل والابتزاز لانتزاع موافقته على «حجز» الثلث الضامن في الحكومة العتيدة لعون.
لكن المصدر السياسي وإن كان يخشى إقحام المنطقة بجرعات متتالية من السخونة الأمنية والسياسية يمكن أن تنسحب على الساحة اللبنانية على خلفية لجوء طهران إلى وضعها على حافة الهاوية لإعادة تحريك قنوات الدبلوماسية الساخنة لاستدراج واشنطن للتفاوض معها بشرط أن تسبقها مبادرة الأخيرة لإلغاء العقوبات عليها، فإنه يستبعد قيامها بمغامرة من العيار الثقيل لما يترتب عليها من مفاعيل تفوق قدرتها على استيعابها.
لذلك، وإلى حين تتبع ردود الفعل المحلية على البيان الأميركي - الفرنسي الخاص بلبنان على قاعدة تشكيل حكومة يعتد بها داخلياً وخارجياً، فإن المحادثات التي أجراها الحريري مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكبار المسؤولين المصريين تصب في خانة تأييد القاهرة لعدم اعتذاره عن التكليف، لأن البديل سيرتب على لبنان المزيد من الأكلاف الاقتصادية بدلاً من تسهيل مهمته بتأليف الحكومة بالشروط التي تعيد الاعتبار للمبادرة الفرنسية، خصوصاً أن الموقف المصري ليس بجديد وأن المعنيين في لبنان على علم به.



أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
TT

أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)

قدَّم تقرير أممي حديث عن أوضاع التعليم في مديرية رازح اليمنية التابعة لمحافظة صعدة؛ حيثُ المعقل الرئيسي للحوثيين شمالي اليمن، صورة بائسة حول الوضع الذي يعيش فيه مئات من الطلاب وهم يقاومون من أجل الاستمرار في التعليم، من دون مبانٍ ولا تجهيزات مدرسية، بينما يستخدم الحوثيون كل عائدات الدولة لخدمة قادتهم ومقاتليهم.

ففي أعماق الجبال المرتفعة في المديرية، لا يزال الأطفال في المجتمعات الصغيرة يواجهون التأثير طويل الأمد للصراعات المتكررة في المحافظة، والتي بدأت منتصف عام 2004 بإعلان الحوثيين التمرد على السلطة المركزية؛ إذ استمر حتى عام 2010، ومن بعده فجَّروا الحرب الأخيرة التي لا تزال قائمة حتى الآن.

الطلاب اليمنيون يساعدون أسرهم في المزارع وجلب المياه من بعيد (الأمم المتحدة)

وفي المنطقة التي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال رحلة برية تستغرق ما يقرب من 7 ساعات من مدينة صعدة (مركز المحافظة)، تظل عمليات تسليم المساعدات والوصول إلى الخدمات الأساسية محدودة، وفقاً لتقرير حديث وزعته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ إذ بينت المنظمة فيه كيف يتحمل الأطفال بشكل خاص وطأة الفرص التعليمية المحدودة، والمرافق المدرسية المدمرة.

مدرسة من دون سقف

وأورد التقرير الأممي مدرسة «الهادي» في رازح باعتبارها «مثالاً صارخاً» لتلك الأوضاع، والتي لا تزال تخدم مئات الطلاب على الرغم من الدمار الذي تعرضت له أثناء المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين، أثناء التمرد على السلطة المركزية؛ حيث تُركت هياكل خرسانية من دون سقف أو جدران.

ويؤكد مدير المدرسة -وفق تقرير «اليونيسيف»- أنها منذ أن أصيبت ظلت على هذه الحال، من ذلك الوقت وحتى الآن. ويقول إنهم كانوا يأملون أن يتم بناء هذه المدرسة من أجل مستقبل أفضل للطلاب، ولكن دون جدوى؛ مشيراً إلى أن بعض الطلاب تركوا الدراسة أو توقفوا عن التعليم تماماً.

مدرسة دُمّرت قبل 15 سنة أثناء تمرد الحوثيين على السلطة المركزية (الأمم المتحدة)

ويجلس الطلاب على أرضيات خرسانية من دون طاولات أو كراسي أو حتى سبورة، ويؤدون الامتحانات على الأرض التي غالباً ما تكون مبللة بالمطر. كما تتدلى الأعمدة المكسورة والأسلاك المكشوفة على الهيكل الهش، مما يثير مخاوف من الانهيار.

وينقل التقرير عن أحد الطلاب في الصف الثامن قوله إنهم معرضون للشمس والبرد والمطر، والأوساخ والحجارة في كل مكان.

ويشرح الطالب كيف أنه عندما تسقط الأمطار الغزيرة يتوقفون عن الدراسة. ويذكر أن والديه يشعران بالقلق عليه حتى يعود إلى المنزل، خشية سقوط أحد الأعمدة في المدرسة.

ويقع هذا التجمع السكاني في منطقة جبلية في حي مركز مديرية رازح أقصى غربي محافظة صعدة، ولديه مصادر محدودة لكسب الرزق؛ حيث تعمل أغلب الأسر القريبة من المدرسة في الزراعة أو الرعي. والأطفال -بمن فيهم الطلاب- يشاركون عائلاتهم العمل، أو يقضون ساعات في جلب المياه من بعيد، بسبب نقص مصادر المياه الآمنة والمستدامة القريبة، وهو ما يشكل عبئاً إضافياً على الطلاب.

تأثير عميق

حسب التقرير الأممي، فإنه على الرغم من التحديات والمخاوف المتعلقة بالسلامة، يأتي نحو 500 طالب إلى المدرسة كل يوم، ويحافظون على رغبتهم القوية في الدراسة، في حين حاول الآباء وأفراد المجتمع تحسين ظروف المدرسة، بإضافة كتل خرسانية في أحد الفصول الدراسية، ومع ذلك، فإن الدمار هائل لدرجة أن هناك حاجة إلى دعم أكثر شمولاً، لتجديد بيئة التعلم وإنشاء مساحة مواتية وآمنة.

واحد من كل 4 أطفال يمنيين في سن التعليم خارج المدرسة (الأمم المتحدة)

ويشير تقرير «يونيسيف»، إلى أن للصراع وانهيار أنظمة التعليم تأثيراً عميقاً على بيئة التعلم للأطفال في اليمن؛ حيث تضررت 2426 مدرسة جزئياً أو كلياً، أو لم تعد تعمل، مع وجود واحد من كل أربعة طلاب في سن التعليم لا يذهبون إلى المدرسة، كما يضطر الذين يستطيعون الذهاب للمدرسة إلى التعامل مع المرافق غير المجهزة والمعلمين المثقلين بالأعباء، والذين غالباً لا يتلقون رواتبهم بشكل منتظم.

وتدعم المنظمة الأممية إعادة تأهيل وبناء 891 مدرسة في مختلف أنحاء اليمن، كما تقدم حوافز لأكثر من 39 ألف معلم لمواصلة تقديم التعليم الجيد، ونبهت إلى أنه من أجل ترميم أو بناء بيئة مدرسية أكثر أماناً للأطفال، هناك حاجة إلى مزيد من الموارد.