انطلاق سباق الدورة الـ 78 لـ«غولدن غلوبز»

أفلام وأسماء تتسابق بحسناتها وبعض مساوئها

فيولا ديفيز في فيلم «مارايني السوداء»
فيولا ديفيز في فيلم «مارايني السوداء»
TT

انطلاق سباق الدورة الـ 78 لـ«غولدن غلوبز»

فيولا ديفيز في فيلم «مارايني السوداء»
فيولا ديفيز في فيلم «مارايني السوداء»

شهد إعلان ترشيحات «غولدن غلوبز» صباح أول من أمس (الأربعاء) الحفل التقليدي بين مبتهج ومنتقد. هناك من رحّب بالأفلام والأسماء المرشّحة لجوائز الدورة 78 المقبلة، وهناك من وجدها «عودة لأسوأ سنوات الغولدن غلوبز».
ليس أن الترشيحات كلها، من وجهة نظر نقدية، تمتُّ لأعمال جيدة، ولا أن كل الترشيحات يمكن تجاهل حسناتها والإصرار على أنها كانت عودة لتلك السنوات البعيدة الغابرة التي كانت فيها «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» توزّع فيها الجوائز تبعاً لتحزبات وصداقات وربما صفقات.
الحاصل أن ترشيحات الجمعية لجوائزها السنوية هذا العام حاولت التقاط الأفضل في عام من الفوضى والصعوبة، وهي كونها مؤسسة تضم صحافيين وليست حكراً على نقاد سينما (يشكل النقاد الفعليون نحو 10 في المائة من عدد أعضائها الذين يبلغون 86 فرداً) لا تعمل حسب نظريات النقد، ولا حسب تعاليم أكاديمية العلوم والفنون السينمائية التي يتجاوز عدد أعضائها 8 آلاف فرد موزّعون تبعاً لاختصاصاتهم في حقول العمل السينمائي.
على ذلك، جوائز «غولدن غلوبز» أثبتت جدارتها عاماً بعد عام وتحوّلت، منذ نحو ثلاثة عقود، إلى حضور لا بد منه في موسم الجوائز. الجمعية ذاتها لديها ما تفتخر به حيال نشاطاتها السينمائية. هي أكثر بكثير من مجموعة صحافيين يصوّتون لأفلام وشخصيات ويقيمون حفلة توزيع.
خلال 27 سنة وزّعت الجمعية 37 مليون و500 ألف دولار على مؤسسات سينمائية وجمعيات خيرية. نحو 1500 طالب استفاد من المنح التي تم توزيعها لدراسة السينما وما لا يقل عن 125 فيلماً سينمائياً تم ترميمه بفضل معونات الجمعية للمؤسسات الأرشيفية المختلفة. من هذه الأفلام «كينغ كونغ» (1933) و«ممرات المجد» (1957) و«حفنة من الدولارات (1964).
أحد هذه الأفلام الـ125 هو «عالق» لرتشرد فلايشر الذي خرج من معامل الترميم ليفتتح دورة العام الماضي من مهرجان «نوار سيتي».

المُستحِق الغائب
الناقد ليس عليه أن يتذكر حسنات الجمعية كلما حاول تحليل المعطيات في كل سنة، وهي مذكورة هنا فقط من حيث إيضاح الحجم الكبير من الحضور الذي تحتله الجمعية في الحياة السينمائية الأميركية. لكن عندما ننظر إلى مختلف القوائم التي تشكل ترشيحات الدورة الجديدة (تُعلن النتائج في حفل افتراضي يُقام في الثامن والعشرين من هذا الشهر) لا بد أن نشير إلى بعض تلك الأفلام والشخصيات التي فازت بالترشيحات عنوة عن عناوين وأسماء أفضل منها.

الأفلام المرشحة لجائزة
أفضل فيلم درامي
«الأب» (The Father) لفلوريان زيلر، «مانك» لديفيد فينشر، «نومادلاند» (Nomadland) لكلوي زاو، «امرأة شابة واعدة» (Promising Young Woman) لإميرالد فانل و«محاكمة شيكاغو 7» (The Trial of the Chicago 7).
الحضور الأفضل بين هذه الأفلام هو للأفلام الثلاثة الأولى: «الأب» لصعوبة تحقيقه نقلاً عن مسرحية مع تجنب شروطها و«مانك» بسبب عودته دارساً حياة كاتب سيناريو في هوليوود الأربعينات و«نومادلاند» بسبب أسلوب عمل يجمع الدراما والمنحى التسجيلي من دون الرضوخ لشروط أي من النظامين. لجانب أن الأفلام الثلاثة جيدة التنفيذ أساساً.
الغائب الأكبر هو فيلم سبايك لي Da 5 Bloods الذي كان بسهولة يستطيع احتلال موقع فيلم ركيك الصنعة (إنما أحبّته العضوات الإناث في الجمعية) هو «امرأة شابة واعدة» أو «محاكمة شيكاغو سبعة» الذي أفضل ما فيه هو كتابة مخرجه لحوار الفيلم.

الأفلام المرشحة لجائزة أفضل
فيلم كوميدي أو موسيقي
«فيلم بورات اللاحق» (Borat Subsequent Moviefilm) لجاسون ويلينر، «هاملتون» لتوماس كايل، و«بالم سبرينغز» لماكس بارباكوف و«حفل التخرج» (The Prom) لرايان مورفي. الفيلم الخامس هو «ميوزيك» لمخرجة تكتفي باسم Sia.
كل هذه الأفلام متوسطة القيمة وما دون. أفضلها «هاملتون» وأسوأها «بالم سبرينغز» الذي هو أقرب لصبي حمل كاميرا طلب من أصدقائه تمثيل شيء يشبه الخربشة على جدار المدرسة.
في المقابل نجد أن ترشيحات أفضل فيلم أجنبي من أفضل ما حشدته هذه الترشيحات من أعمال خلال السنوات القليلة الماضية.
تتألف من الفيلم الدنماركي «دورة أخرى» لتوماس فنتربيرغ، والفيلم الغواتيمالي «لا لورونا» ليايرو بوستامنتي والفيلم الإيطالي «الحياة المقبلة» لإدواردو بونتي ثم الدراما الفرنسية «كلانا» لفيليبو مينيغتي و«ميناري»، وهو فيلم أميركي الإنتاج كوري اللغة والممثلين للي تشانغ.

ممثلون وممثلات
‫في عداد التمثيل النسائي في فيلم درامي تتقدم فيولا ديفيز عن دورها المهم في «مؤخرة ما رايني السوداء» (Ma Rainey’s Black Bottom) وفرنسيس ماكدورمند عن «نومادلاند». ستتجدد هذه المنافسة بينهما وصولاً إلى الأوسكار. الممثلات الثلاث الأخريات: أندرا داي عن «الولايات المتحدة ضد بيلي هوليداي» و«فينيسيا كيربي» عن «أجزاء امرأة» ثم كاري مولغن عن «امرأة شابة واعدة». ‬
المرشّحات في نطاق أفضل تمثيل نسائي في فيلم كوميدي أو موسيقي هن ماريا باكالوفا عن «فيلم بورات اللاحق» وكيت هدسون عن «ميوزيك» وميشيل فايفر عن «مخرج فرنسي» (French Exit) وروزمند بايك عن «اهتم كثيراً» (I Care a Lot) وأنيا تايلور - جوي عن «إيما».
رجالياً في قسم الدراما ريز أحمد عن «صوت المعدن» وشادويك بوزمان عن «مؤخرة ما رايني السوداد» وأنطوني هوبكنز عن «الأب» ثم غاري أولدمن عن «مانك» وطاهر رحيمي عن «الموريتاني». كل واحد من هؤلاء يستحق جائزة بمفرده.
كوميدياً فإن الممثلين المرشّحين هم أقل إثارة للإعجاب وتضم القائمة ساشا بارون كوهن عن «فيلم بورات اللاحق» و«جيمس كوردن عن «حفل التخرج» ولين - مانويل ميراندا عن «هاملتون» ودف باتل عن «التاريخ الشخصي لديفيد كوبرفيلد» ثم إندي سامبورغ عن «بالم سبرينغز».
في سباق أفضل ممثل في دور مساند (لا تفريق هنا بين الكوميدي والدرامي) نجد مجدداً ساشا بارون كوهن كونه أحد الرجال السبعة في «محاكمة شيكاغو 7» ودانيال لكالويا عن «جوداس والمسيح الأسود» ثم يارد ليتو عن «الأشياء الصغيرة» وبل موراي عن «أون ذ روكس» ثم لسلي أودوم عن «ليلة في ميامي».
نسائياً في هذا النطاق تتصدر غلن كلور القائمة عن «مرثاة متخلفة» (Hillbilly Elegy) وأوليفيا كولمن عن «الأب» كما جودي فوستر عن «الموريتاني» وأماندا سايفراد عن «مانك» وهيلينا زنغل عن «أخبار العالم».
إذا كان المخرجون يمسكون بكل معادلات الفيلم السينمائي والمشاركين فيه فإن لائحتهم هذا العام تعكس غالبية تستحق التقدير وهي تتألف من ديفيد فينشر عن «مانك» ورجينا كينغ عن «ليلة واحدة في ميامي» وكلوي زاو عن «نومادلاند». الآخران هما إيمرالد فَنل عن «امرأة شابة واعدة» وآرون سوركِن عن «محاكمة شيكاغو 7».



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.