الناقد كـ«إنترتَينر»

الناقد كـ«إنترتَينر»
TT

الناقد كـ«إنترتَينر»

الناقد كـ«إنترتَينر»

* قبل عدّة عقود طرح الناقد البريطاني رتشرد راود مسألة ما إذا كان القراء يقرأون النقد كترفيه معتبراً (عن حق) أن المسألة بالغة الأهمية. هذا لأنه إذا كان معظم القراء يعتبرون النقد جزءاً من الترفيه الكبير الذي توفره «الماكينة» السينمائية (رغم جدية بعض من يكتبه) فإن الناقد بذلك يكون، تلقائياً حسب التعريف، جزءاً من ذلك الترفيه. يكون «إنترتاينر».
* اليوم، السؤال أكثر إلحاحاً لأنه إذا لم يكن معظم القراء يعتبرون النقد فعلاً ترفيهياً (وهذا أمر مشكوك فيه وإلا لارتفع شأن المهنة كثيراً عما هو عليه منذ عقود) فما الذي يمنع المطالبة بتفعيل النقد في الوسائط الإعلامية كافة؟ لم لا تكون هناك مجلات متخصصة؟ برامج تلفزيونية عن السينما تشمل كل جوانبها؟ لم لا يوجد نقاد في لجان تحكيم المحافل والمهرجانات العربية؟ (والسؤال ذاته ينطبق على مهرجانات كثيرة غير عربية). لمَ لا يوجد اتحاد نقابي للنقاد؟
* الواقع هو أن هناك تصنيفاً في العقل الباطن للجمهور الشاسع ولأصحاب القرار على حد سواء لاعتبار أن الناقد هو جزء تلقائي من الآلة المنتجة للأفلام. والبعض يعتقد، نقلاً عن آراء مسبقة، إن من لا يستطيع أن يصبح مخرجاً يرضى بأن يكون ناقداً. هذه نظرة تعسفية غير صحيحة لكنها متوفرة.
* الحقيقة، على الأقل من وجهة نظري كناقد، هو أن الناقد (الجاد والأصيل الذي لا تركبه عقد نقص) يمكنه طرح ما لا يستطيع المخرج تحقيقه، وهو الاحتفاء بالفيلم الجيد كتابة كما يفعل النقاد. من ناحية أخرى، وباستثناء مخرجين قلائل، يُشاهد الناقد أضعاف ما يشاهده المخرج من أفلام ويختزن أكثر مما يختزنه أكثر المخرجين اليوم من معلومات وثقافات.
* لا أمانع في أن أكون جزءاً من الآلة السينمائية لأنه انتماء فعلي وتلقائي. لكن الجمهور مدعو قبل سواه لطرح السؤال على نفسه: هل تقرأ النقد من باب الترفيه أو من باب التقدير… أو ربما لا تقرأه مطلقاً؟



وثائقي ينقل بعيون إسرائيلية وفلسطينية واقع الاستيطان في الضفة الغربية

المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)
المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)
TT

وثائقي ينقل بعيون إسرائيلية وفلسطينية واقع الاستيطان في الضفة الغربية

المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)
المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)

بعد أن أحدث ضجة كبيرة في مهرجان برلين السينمائي أوائل العام، يُطرح في صالات السينما الفرنسية الأربعاء الوثائقي «لا أرض أخرى» No Other Land الذي صوّرت فيه مجموعة من الناشطين الإسرائيليين والفلسطينيين لخمس سنوات عملية الاستيطان في مسافر يطا في منطقة نائية بالضفة الغربية.

وقد فاز الفيلم بجائزة أفضل وثائقي في مهرجان برلين السينمائي، فيما اتُّهم مخرجاه في ألمانيا وإسرائيل بمعاداة السامية بعدما قالا عند تسلّم جائزتهما إن الوضع الذي يعكسه الوثائقي هو نظام «فصل عنصري».

أحد مخرجي العمل، باسل عدرا، ناشط فلسطيني ولد في مسافر يطا، وهي قرية تتعرض لهجمات متكررة من المستوطنين. أما الآخر، يوفال أبراهام، فهو إسرائيلي يساري كرّس حياته للعمل في الصحافة.

ويستعرض المخرجان الثلاثينيان في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية محطات إنجاز هذا الوثائقي، ويكرران المطالبة بإنهاء الاستيطان.

سيارات لفلسطينيين أحرقها مستوطنون في ضواحي رام الله (د.ب.أ)

يقول يوفال أبراهام عن الفصل العنصري: «من الواضح أنه ظلم! لديك شخصان (أبراهام وعدرا) من العمر نفسه، يعيشان في ظل نظامين تشريعيين مختلفين، تفرضهما دولة واحدة. لا أعتقد أن هذا يجب أن يوجد في أي مكان في العالم في عام 2024 (. .. ) لا يجوز أن يعيش الفلسطينيون في هذه الظروف، تحت سيطرة جيش أجنبي. يجب أن يتمتع كلا الشعبين بحقوق سياسية وفردية، في إطار تقاسم السلطة. الحلول موجودة ولكن ليس الإرادة السياسية. آمل أن نرى خلال حياتنا نهاية هذا الفصل العنصري (...) اليوم، من الصعب جدا تصور ذلك».

وعن اتهامه بمعاداة السامية قال: «هذا جنون! أنا حفيد ناجين من المحرقة، قُتل معظم أفراد عائلتي خلال الهولوكوست. أنا آخذ عبارة معاداة السامية على محمل الجد، وأعتقد أن الناس يجب أن يتساءلوا لماذا أفرغوها من معناها من خلال استخدامها لوصف أولئك الذين يدعون إلى وقف إطلاق النار، وإنهاء الفصل العنصري أو إلى المساواة (...). إنها ببساطة طريقة لإسكات انتقادات مشروعة للغاية. معاداة السامية أمر حقيقي يسجل تزايدا في جميع أنحاء العالم. لذا فإن استخدام هذه العبارة كيفما اتفق فقط لإسكات الانتقادات الموجهة إلى دولة إسرائيل، أمر خطر للغاية بالنسبة لليهود».

وعن اكتفاء الوثائقي بعرض وجهة نظر واحدة فقط ترتبط بالفلسطينيين المطرودين من أرضهم، أوضح أبراهام: «لكي يكون الفيلم حقيقيا، يجب ألا يخلط بين التماثل الزائف (بين وجهتي نظر المستوطنين والفلسطينيين) والحقيقة. ويجب أن يعكس عدم توازن القوى الموجود في المكان. ما كان مهما بالنسبة لنا هو إظهار الاضطهاد المباشر للفلسطينيين.

عندما تنظر إلى مسافر يطا، فإن الخلل في التوازن لا يُصدّق: هناك مستوطنون موجودون هناك بشكل غير قانوني بحسب القانون الدولي، ويحصلون على 400 لتر من المياه في المعدل، بينما يحصل الفلسطينيون المجاورون على 20 لترا. يمكنهم العيش على أراضٍ شاسعة بينما لا يحظى الفلسطينيون بهذه الفرصة. قد يتعرضون لإطلاق النار من الجنود عندما يحاولون توصيل الكهرباء. لذا فإن عرض هذا الوضع غير العادل، مع هذا الخلل في توازن القوى، من خلال وضعه في منظور جانبين متعارضين، سيكون ببساطة أمرا مضللا وغير مقبول سياسيا».

مشهد من فيلم «لا أرض أخرى» (أ.ب)

* باسل عدرا

من جهته، قال باسل عدرا عن تزايد هجمات المستوطنين بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023: «الوضع سيئ وصعب للغاية، منذ عام لم نعد نعرف ما سيحدث (...) في منطقة جنوب الخليل. هجر البعض بسبب الهجمات، خصوصا في الليل، لكن قرى أخرى مثل قريتي بقيت تحت ضغط هائل، وقُتل ابن عمي برصاصة في البطن، كما رأينا في الفيلم. (المستوطنون) يريدون أن يخاف الناس ويغادروا (...) وهم المنتصرون في هذه الحرب في غزة، وهم الأسعد بما يحدث وبما تفعله الحكومة (الإسرائيلية)».