مستشار الغنوشي يكشف عن مقترح «حكومة مصغرة» لتفادي أزمة «اليمين الدستورية»

يقضي بإلحاق الوزراء المقترحين مستشارين في رئاسة الحكومة

هشام المشيشي (إ.ب.أ)
هشام المشيشي (إ.ب.أ)
TT

مستشار الغنوشي يكشف عن مقترح «حكومة مصغرة» لتفادي أزمة «اليمين الدستورية»

هشام المشيشي (إ.ب.أ)
هشام المشيشي (إ.ب.أ)

كشف مستشار رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، أمس، أن من بين الحلول المقترحة لتفادي الأزمة المرتبطة بـ«اليمين الدستورية» للوزراء الجدد أمام الرئيس قيس سعيد، هو الاتجاه لتكوين حكومة مصغرة، من بين حلول أخرى مطروحة.
وقال المستشار في مكتب رئيس البرلمان، مفضلا عدم الكشف عن اسمه، لوكالة الأنباء الألمانية: «هناك حلول في إطار الدستور، ولكن هذا سيؤثر على صورة تونس أمام شركائها، كما سيؤثر على سير مؤسسات الدولة».
ومن الحلول المطروحة بين الأحزاب الداعمة للحكومة، وفق المستشار، تكوين حكومة مصغرة، وإلحاق الوزراء المقترحين كمستشارين برئاسة الحكومة، مكلفين الإصلاحات والملفات الكبرى.
وتابع المستشار موضحا أنه يجري التداول أيضا في إمكانية سحب الثقة من حكومة التكنوقراط الحالية، وتقديم مرشح آخر من الحزب الفائز في البرلمان من أجل تكوين حكومة سياسية، أو اللجوء إلى نظرية «الإجراءات المستحيلة»، والتي تعني مباشرة الوزراء الجدد المقترحين لمهامهم، حتى من دون أداء اليمين الدستورية، وبعد استنفاد جميع الحلول ومهلة محددة للانتظار.
واستفحلت الأزمة السياسية في تونس بعد رفض الرئيس قيس سعيد قبول وزراء، بعد نيلهم ثقة البرلمان في 26 من يناير (كانون الثاني) الماضي، إثر التعديل الحكومي الموسع، بدعوى وجود شبهات فساد وتضارب مصالح بشأنهم. كما يعترض على إجراءات منح الثقة لوزراء في تعديل حكومي يفتقد إلى سند دستوري، ويخضع إلى نظام داخلي في البرلمان.
وأضاف المستشار مبرزا أن هناك مساعي سياسية ووساطات لرأب الصدع بين الرئاسة، والأحزاب الداعمة للحكومة من أجل إنهاء أزمة «اليمين الدستورية». غير أن الأزمة لا تزال مستحكمة. وفي هذا السياق أوضح المستشار أن هناك وساطات «تجري من الأصدقاء والسياسيين. لكن الأصداء القادمة من القصر الرئاسي ليست إيجابية، والقراءات الأكثر بين خبراء القانون الدستوري تشير إلى أن الرئيس ملزم بقبول الوزراء الجدد المقترحين لأداء اليمين. لكنه متمسك بقراءته».
وفي ظل تمسك كل الأطراف السياسية بمواقفها، وتأكيد الرئيس سعيد استعداده لكل الحلول، باستثناء التراجع عن المبادئ والاختيارات التي تعهد بها أمام التونسيين، قالت بعض الأحزاب إن طلب سعيد الالتقاء برئيس اتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، قد يكون لطلب وساطة سياسية تقودها القيادات النقابية في سيناريو مماثل لسنة 2013، وتفضي إلى تجاوز أزمة التعديل الوزاري.
لكن «اتحاد الشغل» سارع إلى نفي إجراء أي وساطة بين طرفي النزاع، مؤكدا أنها «غير مجدية في مثل هذه الظروف». وقال في بيان توضيحي إن الطبوبي التقى رئيس الجمهورية بالفعل، وتم تخصيص اللقاء للحديث عن الوضع السياسي العام والمأزق الدستوري الحالي. مبرزا أن اللقاء لم يشر من قريب أو بعيد إلى أي وساطة سياسية، خاصةً أن المكتب التنفيذي والهيئة الإدارية لاتحاد الشغل «أكدا على وجوب احترام الدستور دون سواه من الفتاوى».
في السياق ذاته، قال سامي الطاهري، المتحدث باسم اتحاد الشغل، إن القيادات النقابية «لم يعد بإمكانها التدخل وإجراء وساطة بين الفرقاء السياسيين بعد تمرير التعديل الوزاري، الذي أجهض مقترح الحوار الوطني الرامي لتخطي الأزمة في تونس». معتبرا أن التدخل في هذه الفترة «سيكون مجرد ضغط على هذا الطرف أو ذاك، وليس لتقريب وجهات النظر»، على حد قوله.
وأضاف الطاهري موضحا: «قبل عرض التحوير الوزاري الأخير على البرلمان، أخبرنا الجميع أن ذلك سابق لأوانه بسبب وجود خلافات ستكون لها تداعيات وخيمة على الوضع السياسي العام. أما الآن فلن نقوم بدور الوساطة لأنها ستكون حاليا وسيلة للضغط على طرف ما لقبول بوجهة نظر طرف آخر، وهو ما يعني في نهاية الأمر غياب الحياد».
وكانت أحزاب الائتلاف الداعم للحكومة (حركة النهضة وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة)، قد اتهمت اتحاد الشغل بالتحالف مع الرئيس سعيد، ودعم خياراته، خاصةً إثر قبوله الإشراف على حوار وطني، وتشكيل «هيئة حكماء ووسطاء» تتولى إدارة جلسات الحوار.
يذكر أن «اتحاد الشغل» كان طرفا أساسيا في الرباعي الراعي للحوار سنة 2013، وقاد إلى جانب «مجمع رجال الأعمال»، و«نقابة المحامين» و«الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان»، مفاوضات عسيرة بين الائتلاف الحاكم الذي كانت تتزعمه حركة النهضة والمعارضة، المشكلة أساسا من التيار اليساري، وأفضى الحوار إلى إخراج حركة النهضة من السلطة، وتشكيل حكومة قادها مهدي جمعة، وكانت إحدى أولوياتها تهيئة الأرضية المناسبة لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت سنة 2014.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.