محللون: بوريس جونسون يقود بريطانيا نحو التفكك

الانفصالية نيكولا ستيرجن زعيمة الحزب الوطني الاسكوتلندي (أ.ف.ب)
الانفصالية نيكولا ستيرجن زعيمة الحزب الوطني الاسكوتلندي (أ.ف.ب)
TT

محللون: بوريس جونسون يقود بريطانيا نحو التفكك

الانفصالية نيكولا ستيرجن زعيمة الحزب الوطني الاسكوتلندي (أ.ف.ب)
الانفصالية نيكولا ستيرجن زعيمة الحزب الوطني الاسكوتلندي (أ.ف.ب)

عندما نظم استفتاء في اسكوتلندا، أحد الأقاليم الأربعة (إضافة إلى إنجلترا وويلز وآيرلندا الشمالية) التي تشكل بمجملها المملكة المتحدة، في سبتمبر (أيلول) ٢٠١٤ حول انفصاله بعد أكثر من ثلاثة قرون من الوحدة، حذر عدد من رؤساء وزراء سابقين، مثل جون ميجر وتوني بلير، من أن المملكة في طريقها إلى التفكك.
الاستفتاء لم ينجح وصوت ٥٥ في المائة لصالح البقاء، مقابل ٤٥ في المائة لصالح الانفصال. تنفست حكومة لندن المركزية الصعداء واعتبرت أن الاستفتاء وضع حدا للمطالبات الانفصالية. إلا أن الحزب الوطني الاسكوتلندي وضع شرطا بأن استفتاء آخر قد ينظم في حالة الإخلال بالعلاقة «المادية» التي تربط الطرفين.
ومنذ جائحة «كورونا» ونيكولا ستيرجن الوزيرة الأولى في الحكومة الاسكوتلندية تفرض أجندتها السياسية استعدادا لتنظيم استفتاء آخر ترفضه لندن. ولهذا يرى كثير من ناخبي بريطانيا أن رئيس الوزراء بوريس جونسون توقف عن العمل كرئيس وزراء لعموم المملكة المتحدة منذ أزمة «كورونا» في مارس (آذار) الماضي. فمنذ ذلك الوقت، صار جونسون يتعامل باعتباره رئيسا تنفيذيا لإنجلترا، يتلقى الأوامر من التكنوقراط ومن مستشاريه العلميين. أما في شمال بريطانيا، نرى أن ستيرجن، هي من تتخذ القرارات، وتحدد للاسكوتلنديين ما إذا كان يمكنهم الخروج من منازلهم أو المشاركة في تجمعات عامة. كما تعقد مؤتمرا صحافيا يوميا عن أزمة «كورونا» يتم بثه على الهواء مباشرة، كما لو كانت رئيس دولة. وفي إطار تعديل دستوري تم قبل نحو 20 عاما من أجل «القضاء على النزعة القومية»، تم نقل مسؤولية وضع السياسات الصحية إلى حكومات الأقاليم. ولكن النزعة القومية ما زالت حية، بل وتتمدد اليوم، حتى أصبح البعض يطلقون على بريطانيا اسم «المملكة المفككة» وليس «المملكة المتحدة، بحسب الكاتب البريطاني مارتن إيفانز. وكان لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دور فعال في إحياء النزعة الانفصالية في اسكوتلندا.
وقد صوت نحو ثلثي الاسكوتلنديين لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء العام الذي أجري في بريطانيا في يونيو (حزيران) 2016 وأسفر عن تصويت الأغلبية لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. وجاءت الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة فيروس «كورونا» المستجد لتجعل تفكك بريطانيا أقرب. فرغم أن أخطاء استراتيجية في مكافحة «كورونا» في كل من لندن وإدنبرة (عاصمة اسكوتلندا) لم تختلف كثيرا، فإن السياسية البارعة ستيرجن جعلتها تبدو كذلك، وجعلت الاسكوتلنديين يشعرون كما لو كانوا أصبحوا مستقلين عن بريطانيا وهو ما راق لهم تقريبا، بحسب تحليل إيفانز رئيس تحرير الملحق الأدبي لصحيفة «التايمز» البريطانية، الذي نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء.
ويرى إيفانز أن شخصية جونسون نفسه تمثل عاملا سلبيا رئيسيا بالنسبة لمعسكر بقاء بريطانيا موحدة. وقد أثار تقديم جونسون في صورة مهرج هزلي من الطبقة العليا روح الدعابة الإنجليزية، في جذب الأصوات لصالحه في الدوائر الانتخابية للطبقة العاملة في شمال إنجلترا في الانتخابات العامة، لكنه أثار اشمئزاز الاسكوتلنديين، الذين يجدون أسلوبه مفتعلا. وفي الأسبوع الماضي، زار جونسون اسكوتلندا لتسليط الضوء على النجاح المؤكد لبرنامج التطعيم ضد «كورونا» في المملكة المتحدة. بحسب حزب المحافظين في اسكوتلندا، كانت نبرة رئيس الوزراء كلها خطأ. وقال لي أحد المشاركين في استفتاء استقلال اسكوتلندا في عام 2014 إن جونسون «يواصل إخبارنا بمدى ضرورة أن نشعر جميعا بالامتنان له». للأسف الشديد، فإن فشل جونسون في التواصل مع مواطني باقي إقليم بريطانيا يبدو مهما. فقد أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة وجود أغلبية اسكوتلندية مؤيدة للاستقلال عن بريطانيا. إذن ما الذي يمكن أن تفعله حكومة المملكة المتحدة لوقف هذا المد القومي؟
ومن المرجح أن يفوز الحزب القومي الاسكوتلندي في مواجهة القوى الموالية لحزبي المحافظين والعمال في الانتخابات الاسكوتلندية المقررة في مايو (أيار) المقبل. وبعد ذلك، ستدعو ستيرجن مجددا إلى إجراء استفتاء على الاستقلال عن بريطانيا. وإذا رفض جونسون ذلك، فسوف تلجأ إلى المحكمة العليا لإجباره على القبول بالاستفتاء. ليس هذا فحسب، بل إن الجناح الراديكالي في حزبها يهدد بإجراء استفتاء من جانب واحد، كما حدث في إقليم كاتالونيا بإسبانيا إذا ما خسر القضية أمام المحكمة العليا. لذلك يمكن أن يراهن جونسون على عامل الوقت وحرمان الحزب القومي الاسكوتلندي من إجراء أي استفتاء. ورغم ذلك، فإن مجرد عدم السماح بإجراء استفتاء في اسكوتلندا ستكون له آثار سلبية. وانحازت ستيرجن الأسبوع الماضي إلى جانب المفوضية الأوروبية ضد لندن في النزاع حول إمدادات لقاح شركة أسترازينيكا البريطانية المضاد لفيروس «كورونا» إلى قارة أوروبا. ثم طرح حزب العمال المعارض خططاً مختلفة للإصلاح الدستوري من أجل إنهاء الجدل حول الاستقلال، ومنها خطة لتحويل بريطانيا إلى النظام الاتحادي. ولكن مثل هذه الإصلاحات قد ترضي البعض لكنها لن تكون مرضية لمن يؤمنون بالاستقلال التام عن المملكة المتحدة. كما أن اللجنة الدستورية تحتاج عادة إلى سنوات عديدة لكي تنتهي من صياغة التعديلات، لذلك، فالقوميون سيصفون مثل هذه الدعوات بأنها مجرد تكتيك لتأجيل الاستجابة لمطالبهم، على أي حال، ولذلك سيصفها القوميون بأنها تكتيك تأخير. حتى لو تم التوصل إلى تسوية بسرعة، فإن الحزب الوطني الاسكوتلندي سيحصل على أي صلاحيات جديدة ثم يعود سريعا للمطالبة بالمزيد من الصلاحيات.
وأخيرا، يرى مارتن إيفانز أن معركة منع انفصال اسكوتلندا عن بريطانيا ستكون ضارية ولن يكون جونسون الرجل القادر على الفوز فيها. وعلى أنصار الوحدة التركيز على النطاق المحلي، وعلى قادة الأحزاب غير القومية في اسكوتلندا تنحية خلافاتهم جانبا، وإثبات أن الحالة العقلانية والشعورية اللازمة لاستمرار الوحدة القائمة منذ 300 عام ما زالت موجودة.



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.