إدارة بايدن تواصل الاتصالات مع «طالبان»

لجنة خبراء توصي بعدم التسرع في الانسحاب العسكري من أفغانستان

TT

إدارة بايدن تواصل الاتصالات مع «طالبان»

أكدت الولايات المتحدة الأميركية، أنها في تواصل مع حركة «طالبان» المسلحة، استمراراً للمحادثات التي بدأتها الإدارة السابقة؛ وذلك من أجل تعزيز اتفاقيات مكافحة الإرهاب. وأفصح نيد برايس، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، أول من أمس، عن إجراء إدارة بايدن مناقشات مع «طالبان» فيما يتعلق بتنفيذ التزامات مكافحة الإرهاب، وستواصل القيام بذلك بشكل منتظم بينما تستمر هذه العملية الدبلوماسية في التقدم، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية الحالية تجري مراجعة شاملة لما تم التفاوض عليه مع «طالبان» من قِبل الإدارة السابقة، والتقييم لن يكون فقط بما التزمت به الحركة، بل سيراجع ما فعلوه وما تبقى.
وأكد برايس، أن رغبة الرئيس جو بايدن تتركز بإنهاء لما يسمى بالحروب الأبدية، تلك الحروب التي استمرت لما يقرب من عقدين؛ إذ تخطط إدارة بايدن لدعم عملية السلام الجارية بين الجمهورية الأفغانية و«طالبان»؛ بهدف تحقيق تسوية سياسية عادلة ودائمة ووقف إطلاق نار دائم وشامل.
وأضاف «نحن نقوم بذلك لأننا نعتقد أنه أفضل طريقة لتحقيق أهدافنا. نحن ملتزمون بدعم العملية الدبلوماسية الجارية، لكن عندما يتعلق الأمر بالاتفاق بين الولايات المتحدة و(طالبان)، فإننا نراجع ما تم التفاوض عليه، بما في ذلك تلك الاتفاقية. ستتضمن المراجعة تقييماً لما إذا كانت (طالبان) تفي بالتزاماتها بقطع العلاقات مع الجماعات الإرهابية والحد من العنف، والدخول في مفاوضات هادفة مع الحكومة الأفغانية وأصحاب المصلحة الآخرين».
وأفاد بأنه حتى هذا الوقت، لم يتم اتخاذ قرارات بشأن وضع القوات العسكرية في البلاد؛ إذ إن الإدارة الأميركية ملتزمة بدعم العملية الدبلوماسية، وبضمان ألا توفر أفغانستان مرة أخرى قاعدة للهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة، أو شركائها أو مصالحها.
وفِي سياق متصل، أوصت لجنة عيّنها الكونغرس لدراسة الحالة الأفغانية، بأنه يتعين على إدارة بايدن إبطاء انسحاب القوات في أفغانستان، والتخلي عن الموعد النهائي للخروج في الأول من مايو (أيار)، وتقليص القوات الأميركية بشكل أكبر فقط مع تحسن الظروف الأمنية.
وفي تقرير اللجنة الذي أشرف عليه معهد الولايات المتحدة للسلام، وجدت مجموعة «دراسة أفغانستان»، وهي لجنة من الحزبين كلفها الكونغرس فحص اتفاق السلام المبرم في فبراير (شباط) 2020 تحت إدارة ترمب، أن البلاد قد تنجر بدخول في حرب أهلية محتملة، بمجرد انسحاب القوات الدولية مما يهدد استقرار أفغانستان.
وقال الجنرال جوزيف دنفورد، الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة، خلال مناقشة توصيات اللجنة أول من أمس عبر ندوة مرئية، إنه ليس من مصلحة أي شخص في الوقت الحالي الانسحاب السريع من أفغانستان، وجميعنا نعلم ما الذي سيحدث هناك إذا خرجت القوات الأميركية والدولية.
وقالت كيلي أيوت، السيناتورة الجمهورية السابقة من نيو هامبشاير وزعيمة أخرى للجنة، إن جماعة «طالبان» لا تريد استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى، ولا تجادل بأن القوات ستبقى لفترة طويلة، مضيفة أن «الأمر لا يتعلق بما إذا كنا سنغادر، ولكن الأمر يتعلق بكيفية مغادرتنا».
ويبدو أن الرئيس جو بايدن يشير إلى موقف أكثر صرامة مع «طالبان» من سلفه، حيث حذر كبار المسؤولين من أن انسحاب القوات الأميركية المخطط له من أفغانستان في مايو قد يتأخر إذا فشل المتمردون في الوفاء بوعودهم.
وفِي سلسلة من التصريحات والتعليقات من البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون هذا الأسبوع، لم تترك مجالاً للشك في أن إدارة بايدن كانت لديها وجهة نظر متشككة بشأن عملية السلام الهشة التي أطلقها الرئيس السابق دونالد ترمب، واستعداد «طالبان» لقطع العلاقات مع «القاعدة» ومتطرفون آخرين.
وحرص فريق بايدن أيضاً على التأكيد على أهمية حقوق الإنسان وحقوق المرأة في أفغانستان، بيد أن حركة «طالبان» لم تتعهد بوضع حقوق المرأة في اتفاقها مع الولايات المتحدة، وفي مكالمته مع الرئيس الأفغاني أشرف غني، قال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، إن أي تسوية سلمية ضرورية للحفاظ على «التقدم المحرز على مدار العشرين عاماً الماضية، سيشمل حقوق الإنسان والحريات المدنية ودور المرأة في المجتمع الأفغاني».
وتسربت أنباء، عن أن إدارة الرئيس بايدن اختارت الإبقاء على مبعوث ترمب للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاد، على الأقل في الوقت الحالي، مهندس الاتفاق بين الولايات المتحدة و«طالبان»، والذي يتهمه البعض بأنه تسبب في توتر العلاقات مع حكومة الرئيس غني. بدوره، قال مسؤول بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إن الوزارة تراجع كيفية تحسين التحريات عن المجندين العسكريين؛ وذلك للقضاء على التطرف في صفوفهم، بعد أن كانت أعمال الشغب في مبنى الكابيتول الأميركي بمثابة «جرس إنذار» عندما تم اكتشاف مشاركة أفراد من الجيش فيها.
وتقوم قطاعات الجيش بإجراء تحريات عما يقرب من 500 ألف متقدم سنوياً يسعون للانضمام إلى الجيش، منهم نحو 200 ألف ينضمون كمجندين جدد، وأمر وزير الدفاع لويد أوستن بالمراجعة أول من أمس (الأربعاء) خلال اجتماع مع جميع رؤساء الأفرع العسكرية، لفهم كيفية تسلل وجهات النظر المتطرفة بين العسكريين بصورة أفضل، والبدء في البحث عن خيارات لاستئصالها.
وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي في مقابلة صحافية «طرأت تغييرات على التحري عن المجندين. وقام بذلك كل فرع بصورة مختلفة. من بين الأشياء التي تمت مناقشتها متى وإلى أي درجة نقوم بتقييم الأفراد».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟