واشنطن تعيد علاقتها مع السلطة الفلسطينية

تدفع لاستئناف المفاوضات ودعم الأونروا

ماتياس شماله مدير «أونروا» في غزة تحدث الاثنين عن صعوبات تواجه الوكالة (رويترز)
ماتياس شماله مدير «أونروا» في غزة تحدث الاثنين عن صعوبات تواجه الوكالة (رويترز)
TT

واشنطن تعيد علاقتها مع السلطة الفلسطينية

ماتياس شماله مدير «أونروا» في غزة تحدث الاثنين عن صعوبات تواجه الوكالة (رويترز)
ماتياس شماله مدير «أونروا» في غزة تحدث الاثنين عن صعوبات تواجه الوكالة (رويترز)

بعد انقطاع طويل وجفاء في العلاقات بين واشنطن والسلطة الفلسطينية، بدأت العلاقات بين الطرفين تعود إلى سابق عهدها، تدريجياً، وذلك بعد أن بادرت واشنطن في تفعيل تواصلها مع المسؤولين الفلسطينيين، تمهيداً لتغيير السياسات التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق، دونالد ترمب، ضد الفلسطينيين، وتفعيل الدور الدبلوماسي والسياسي في حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وأعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، مساء الثلاثاء، عن عودة التواصل الأميركي مع الفلسطينيين، تمهيداً للدور الذي سيلعبه نائب مساعد وزير الخارجية في الشأن الفلسطيني - الإسرائيلي، هادي عمرو، ويأتي هذا التواصل بعد انقطاع دام ما يقرب من 3 أعوام بين الطرفين. وقال برايس، خلال مؤتمره الصحافي الأول، إن المكالمات التي أجراها هادي عمرو هي استئناف للمناقشات التي بدأت بين الولايات المتحدة وفلسطين، وكذلك إسرائيل، كما أن إدارة الرئيس بايدن تنوي العودة إلى تقديم المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين، والتي كانت إدارة الرئيس ترمب قد قطعتها في عام 2018.
واعتبر متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، أن انقطاع المساعدات التي كانت ملتزمة بلاده بتقديمها للأونروا، أضرت بالشعب الفلسطيني، ولم تحرز أي تقدم سياسي في القضية، ولم تؤمن أي تنازلات من القيادة الفلسطينية، بل على العكس تسببت في تفاقم الأزمة الإنسانية. وأضاف أن الولايات المتحدة، تنوي إعادة تلك المساعدات الإنسانية. لافتا إلى «نحن لا نقوم بذلك على سبيل خدمة، وإنما لأنه من مصلحة الولايات المتحدة أن تفعل ذلك. فعلى الصعيد العالمي، نوفر مساعداتنا الإنسانية للإغاثة الحرجة، مثل المساعدة الغذائية الطارئة والرعاية الصحية والتعليم». وشدد على أن الولايات المتحدة، ستعمل على تنشيط قيادتها الإنسانية، والعمل على تحفيز المجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته الإنسانية، بما في ذلك الموجهة للشعب الفلسطيني. وقال «نعمل على الأمر بسرعة كبيرة لاستعادة هذا الدور».
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، الأسبوع الماضي، انضمام هادي عمرو إلى فريق الوزارة في منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ليلعب دوراً في ملف السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنه المبعوث الأميركي لهذا الملف.
يذكر أن إدارة بايدن كانت قد أعلنت، أنها ستعيد العلاقات مع القيادة الفلسطينية، وتعيد فتح البعثة الدبلوماسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في واشنطن، وتجدد المساعدة لوكالة الأمم المتحدة التي تتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم (الأونروا)، بعد أن قطعت إدارة ترمب أكثر من 360 مليون دولار من التمويل السنوي للوكالة.
وهادي عمرو مولود في لبنان، وهو كان ضمن التعيينات المتعددة للأميركيين العرب في إدارة بايدن، وخدم سابقاً في إدارة الرئيس أوباما، في الوكالة الأميركية الدولية للتنمية، ومسؤولاً في وزارات، الخارجية، والدفاع، والأمن الداخلي.
بدورها، قالت إليزابيث كامبل مديرة المكتب التمثيلي للأونروا، في العاصمة الأميركية، إن إعلان إدارة الرئيس بايدن عودة المساعدات للشعب الفلسطيني، أمر مرحب به، لأنه دون دعم الولايات المتحدة، لن يكون لدى الأونروا، الموارد الكافية لتوفير التعليم الجيد والرعاية الصحية لللاجئين. وأكدت في بيان صحافي، أمس، أن «الأونروا» تتطلع إلى تجديد شراكتها مع الولايات المتحدة، وهي الدولة التي ساعدت في إنشاء الوكالة منذ أكثر من سبعة عقود، وكانت حتى وقت قريب أكبر ممول لها، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة لعبت دوراً مركزياً في التنمية البشرية للاجئين الفلسطينيين، مع تقديم الأونروا، أكثر من 8.5 مليون استشارة طبية سنوياً، وتقوم حالياً بتعليم أكثر من 530 ألف طفل.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.