نقل نسخة تاريخية نادرة من توراة تابعة للأرشيف العراقي إلى إسرائيل يثير الجدال ببغداد

اتهامات لواشنطن بتسريبها.. ولجنة عراقية عليا ستحسم الخلاف قريبا

الاحتفال في القدس بوصول نسخة التوراة النادرة التابعة للأرشيف العراقي («الشرق الأوسط»)
الاحتفال في القدس بوصول نسخة التوراة النادرة التابعة للأرشيف العراقي («الشرق الأوسط»)
TT

نقل نسخة تاريخية نادرة من توراة تابعة للأرشيف العراقي إلى إسرائيل يثير الجدال ببغداد

الاحتفال في القدس بوصول نسخة التوراة النادرة التابعة للأرشيف العراقي («الشرق الأوسط»)
الاحتفال في القدس بوصول نسخة التوراة النادرة التابعة للأرشيف العراقي («الشرق الأوسط»)

بعد صمت وتأجيل وفشل تواصل على مدى أكثر من 9 أعوام في حسم قضية استرداد الحكومة العراقية لأرشيفها اليهودي الذي نقلته القوات الأميركية إلى واشنطن بعد 2003 بحجة ترميمه، تجدد الحديث والجدل بقوة اليوم حول ذلك الملف بعد أن تناقلت وسائل الإعلام أخبارا عن وصول مخطوطة التوراة العراقية، وهي الأقدم تاريخيا، إلى إسرائيل، واحتفال وزارة الخارجية الإسرائيلية بها، الأمر الذي احتج عليه الجانب العراقي باعتبار أن هذا الاستحواذ لم يكن قانونيا، وأن التوراة هي جزء من الموروث العراقي، ودعوة الإنتربول والمنظمات الدولية إلى مساعدته لاسترجاع هذه المخطوطة النادرة.
وتعود قصة الأرشيف اليهودي إلى ربيع عام 2003 عندما احتلت القوات الأميركية بغداد، واستولت على الأرشيف ونقلته إلى واشنطن بحجة إصلاح الضرر الذي أصابه بسبب عمليات الخزن السيئة، حيث كان هذا الأرشيف، وخاصة التوراة، محفوظة في المعابد اليهودية التي كانت تنتشر ببغداد قبل تهجير اليهود بنهاية الخمسينات، وقد تم العثور عليها في أحد القصور الرئاسية لصدام حسين فيما بعد.
وتقول بعض المصادر إن القوات الأميركية لم تعثر على الأرشيف اليهودي عندما احتلوا بغداد، بل إن أحد كبار الضباط العراقيين في جهاز المخابرات السابق، وشى عنها لأحد رجال المعارضة، حينها، وبعد تحديد موقع الأرشيف بمساعدة عراقية، صدرت أوامر وزير الدفاع الأميركي بجمع الأرشيف والتحفظ عليه، حتى تم نقله إلى أميركا وكان في حالة يرثى لها، وكثير من مواده مغمورة بالمياه الآسنة، وتم الاتفاق مع إحدى المؤسسات المتخصصة لأجل الشروع بعملية الترميم والصيانة.
ورغم تحديد أكثر من موعد لأجل استعادة الأرشيف، بحسب مذكرة تفاهم وقعت مع الجانب الأميركي، فإن جهات يهودية تمسكت به بدعوى أن الأرشيف هو ملكية أشخاص ومعابد، وليس لمؤسسات عراقية، وحصلت مماطلة كبيرة لتأجيل إرجاعه.
وطالبت وزارة السياحة والآثار العراقية في رد رسمي صدر عنها بعد حادثة الاستيلاء على التوراة، مركز «نارا» الأميركي الذي يقوم بصيانة الأرشيف العبري العراقي وترميمه بتقديم إجابات واضحة حول كيفية وصول هذه المخطوطة إلى إسرائيل، مؤكدة مطالباتها السابقة التي قدمتها إلى الولايات المتحدة «بضرورة استعادة جميع مواد الأرشيف العبري»، داعية المجتمع الدولي والمنظمات العالمية، ولا سيما اليونيسكو والشرطة الدولية (الإنتربول)، إلى «مساعدة العراق في استعادة هذه المخطوطة المهمة وإرجاعها بوصف ذلك جزءا من وقوف العالم المتحضر معنا لاسترجاع آثارنا وتراثنا المنهوب».
وكانت مصادر إعلامية قد تناقلت أخبار احتفالات تشهدها الدولة العبرية بمناسبة وصول مخطوطة نادرة للتوراة عمرها 200 عام إلى تل أبيب، ومن المقرر أن تستخدم هذه المخطوطة في إسرائيل حاليا للصلاة اليومية في القدس وسط حفاوة الأوساط السياسية والدينية والتراثية الإسرائيلية.
وتمتاز المخطوطة بأنها كتبت بحبر مصنوع من عصير الرمان المركز، كما هي العادة القديمة في الكتابة في شمال العراق، ومكتوبة على جلد الأيل.
السفارة الأميركية في بغداد نفت أول من أمس خروج أي من مواد الأرشيف اليهودي العراقي إلى خارج الولايات المتحدة، مؤكدة أنه ما يزال في عهدة إدارة المحفوظات الوطنية الأميركية، فيما لفتت إلى أن واشنطن ملتزمة ببنود اتفاقيتها مع الحكومة العراقية.
وقال المتحدث باسم السفارة جيفيري لوري في بيان رسمي: «إن الأرشيف اليهودي العراقي ما يزال في عهدة إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية الأميركية، بينما يتم الانتهاء من وضع خطط لمعارض مستقبلية في الولايات المتحدة»، مبينا أن «أيا من مواد الأرشيف لم تخرج إلى خارج الولايات المتحدة».
وأضاف لوري أن «الولايات المتحدة ملتزمة ببنود اتفاقيتها مع الحكومة العراقية»، مشيرا إلى أن «عرض مواد الأرشيف في معرض واشنطن عام 2013 وأيضا في نيويورك عام 2014 أدى إلى زيادة التفاهم بين العراق والولايات المتحدة، وتطور المعرفة بالتراث المتنوع للعراق».
وعلى نطاق مختلف، نفت دكتورة أميرة عيدان مدير عام دار المخطوطات العراقية، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن «لجنة عليا سبق أن شكلت لإدارة الأرشيف اليهودي في العراق، مكونة من كل من الأمانة العامة لمجلس الوزراء ووزارات السياحة والآثار والخارجية والثقافة ومستشارية الأمن الوطني، وخولت المتابعة مع وزارة الخارجية الأميركية ومؤسسة نازا المعنية بأمر الصيانة، وأكدوا عدم تسريب أي وثيقة أرشيفية لديهم، وهم على استعداد لتحمل نتائج هذه المعلومات».
وأضافت أن «الخارجية الأميركية متواصلة معنا بإعلامنا عن مراحل الصيانة، ولديهم كل الاستعداد لإعادة كامل الأرشيف وتجهزينا بكل المعدات اللازمة للحفاظ عليه فيما بعد».
وعن كيفية وصول نسخة التوراة إلى إسرائيل، قالت: «نتوقع أن القطعة أخرجت من العراق عبر إقليم كردستان في أحداث التخريب عام 2003 وليس لها أي علاقة بالأرشيف الذي تولت الخارجية الأميركية صيانته، ونتوقع أن التسريب جرى بالتحديد من البيوتات العراقية التي كانت تحتفظ ببعض المقتنيات القديمة اليهودية». ولفتت إلى أن الجدل ستحسمه هذه اللجنة قريبا.
يشار إلى أن وزارة الثقافة العراقية أعلنت في 13 مايو (أيار) 2010، عن اتفاق تم بين العراق والولايات المتحدة، يقضي باستعادة أرشيف اليهود العراقيين وملايين الوثائق التي نقلها الجيش الأميركي من بغداد عقب اجتياح العراق عام 2003، من بينها الأرشيف الخاص بحزب البعث المنحل.
حسين الشريفي عضو لجنة السياحة والآثار البرلمانية، قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «القانون 1483 الصادر من قبل مجلس الأمن نص على أن أميركا وبريطانيا وحلفاءهما هي دول احتلال وعليها أن تلتزم بتطبيق التزامات قانونية تجاه البلد المحتل وهو العراق، ومن ضمنها ما يتعلق بتاريخه، والأرشيف اليهودي هو جزء من الإرث العراقي، ويجب أن يسترد وفق الآليات القانونية».
وأكد: «هناك مطالبات قانونية سنعمل لأجل تفعيلها لأجل استعادة كامل الأرشيف اليهودي العراقي من دون تسويف هذه المرة».
ومن جهتها طالبت لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب العراقي وزارة الخارجية والسفارة العراقية لدى الولايات المتحدة الأميركية والبرلمان بالاحتجاج على تسريب مخطوطة التوراة هذه إلى إسرائيل، وشددت على أن العراقيين يرفضون التعامل مع أملاكهم وآثارهم بصمت.
وقالت ميسون الدملوجي عضو لجنة الثقافة في مجلس النواب: «هناك تسريبات متضاربة بشأن كيفية وصول هذا الأرشيف إلى إسرائيل، وسنعمل خلال الأيام المقبلة على التحقق من هذه المخالفة بالتشاور مع كل الأطراف».
وأضافت: «لا يمكن السكوت عن هكذا قضية مهمة، وسنطالب سفارة العراق في واشنطن بتقديم مذكرة احتجاج للسلطات الأميركية التي لها علاقة بالموضوع».
وقالت إن «المخطوطة إذا كانت قد سربت من الأرشيف اليهودي العراقي الذي نقل إلى أميركا خلال غزوها العراق سنة 2003 فإنها تكون خاضعة لاتفاق تم بين هيئة الآثار العراقية والجانب الأميركي في حينه، يلزم الأميركيين بإعادة المجموعة اليهودية العراقية كاملة بعد ترميمها».
وتؤكد النصوص الدينية اليهودية أن عددا من الأنبياء اليهود مثل دانيال وحزقيال وإشعيا وإرميا «الذي دعا إلى الاندماج مع المجتمع البابلي لأنه يمثل أكثر المجتمعات تطورا في العالم حينذاك»، عاشوا في منطقة بابل في القرن السادس قبل الميلاد، وتمكنوا من كتابة جزء كبير من أهم الكتب والتعاليم اليهودية في بابل، وهناك عدد كبير من الباحثين الذين يشيرون إلى أن هؤلاء الأنبياء اطلعوا وبشكل عميق على التراث الديني والحضاري العراقي واستعانوا به في كتابة مخطوطاتهم الدينية.
ويعتبر اليهود في العراق من أقدم الطوائف اليهودية في العالم بأسره، إذ يرجع تاريخ وجودهم إلى عهد الإمبراطورية الآشورية الأخيرة 911-612 ق.م، وذلك في أعقاب عدة حملات قام بها الآشوريون على فلسطين وحرروها من اليهود ونقلوا من فيها إلى أماكن جبلية نائية شمال العراق.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».