طوبة بناء جديدة من مرشحات السجائر

TT

طوبة بناء جديدة من مرشحات السجائر

ما العلاقة بين مرشحات السجائر وطوب البناء؟ ربما لا تبدو هناك أي علاقة، لكن فريقاً بحثياً من الجامعة البريطانية بمصر يضم ماريان نبيل ورانيا رشدي، المدرستين بقسم الهندسة المعمارية، مع المهندس كريم جلال، كان له رأي مختلف من خلال استخدام مرشحات السجائر في طوب البناء.
وتشكل مرشحات السجائر (الفلتر) واحدة من أشكال النفايات الرئيسية في العالم؛ حيث ينتج من تريليونات السجائر المنتجة كل عام، كمٌّ كبير جداً من الفلاتر، وهي مشكلة يبدو أثرها البيئي واضحاً في شوارع مصر، بسبب إنتاج سنوي يقدر بقرابة 90 مليار سيجارة سنوياً.
ولا يوجد أي فرصة لإعادة تدوير هذه الفلاتر؛ لأن من الصعب ضمان تحطيم المواد الكيميائية المحاصرة داخلها؛ لذلك كانت الطريقة الأنسب لإيجاد استخدام لها هو وضعها ضمن خلطة طوب البناء.
وخلال دراسة نُشرت في دورية «معالجة المخلفات لأغراض البيئة والتنمية»، خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلن الفريق البحثي عن تفاصيل تجربته، والتي تتضمن إنتاج عينتين من الطوب الطيني المحروق مع مرشحات السجائر بنسبة 5 في المائة و10 في المائة.
وقام الفريق البحثي في البداية بالاتفاق مع أحد المقاهي على أن يطلب من عملائه توفير مرشحات السيجارة المستعملة بدلاً من التخلص منها في القمامة، تم بعد ذلك جمع المرشحات ونقعها في ماء بارد لتسهيل إزالة ورق تغليف السدادة وترك المرشحات فقط، ثم تم وضع المرشحات في الفرن عند 100 درجة مئوية لمدة 24 ساعة لتطهيرها، وعند إخراجها من الفرن يتم غلقها في أكياس بلاستيكية.
بعد ذلك، تم جمع التربة المطلوبة التي سيتم استخدامها في إنتاج الطوب من أحد مصانع الطوب، وكانت نسبة الرمل إلى الطين بها (1: 3)، وتم تخميرها بواسطة إضافة كمية قليلة من الماء لمدة يومين لتكون جاهزة للاستخدام.
جاءت بعد ذلك، الخطوة الثالثة التي تضمنت خلط مرشحات السجائر مع التربة في عينتين، عينة منهما كانت نسبة الخلط 5 في المائة من مرشحات السجائر، والأخرى 10 في المائة، وكان الماء يضاف لزيادة اللدونة أثناء الخلط، وتم وضع الخليط في القوالب الخشبية التي سيأخذ الطوب شكلها.
تم ترك الطوب بعد ذلك ليجف في الشمس لمدة ثلاثة أيام، ثم تم استخدام الفرن عند درجة حرارة 950 درجة مئوية لمدة 24 ساعة لحرقه، وتُرك بعدها لمدة يوم من أجل التبريد.
اختبرت خواص الطوب الطيني المحروق في أحد المكاتب الاستشارية الهندسة، حيث غطت الاختبارات معايير الكثافة الجافة، معدل امتصاص الماء وقوة الضغط، وكانت النتائج تشير إلى أن الطوبة المنتجة جيدة من حيث الاستخدام في الجدران غير الحاملة، وكانت العينة التي تتضمن إضافة 5 في المائة من المرشحات أفضل من الـ10 في المائة، التي ظهرت بها بعض التشققات في سطح الطوبة.
وعن إمكانية الانتقال بهذه الفكرة للتطبيق العملي تقول الدكتورة ماريان نبيل لـ«الشرق الأوسط»، «هناك صعوبة عملية في توفير مرشحات السجائر للإنتاج التجاري للطوبة، بسبب عدم وجود ثقافة فصل المخلفات في المنازل والمؤسسات بالعالم العربي، لكن على الأقل أثبتنا في بحثنا أنه متى توافرت هذه الثقافة، أو وجد أحد المستثمرين طريقة اقتصادية لتجميع هذه الفلاتر، فإن استخدامها ممكناً».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً