هل تنجح مبادرات مواقع التواصل في الحد من «الأخبار المزيفة»؟

هل تنجح مبادرات مواقع التواصل في الحد من «الأخبار المزيفة»؟
TT

هل تنجح مبادرات مواقع التواصل في الحد من «الأخبار المزيفة»؟

هل تنجح مبادرات مواقع التواصل في الحد من «الأخبار المزيفة»؟

هل تنجح مبادرات مواقع التواصل الاجتماعي في الحد من «الأخبار المزيفة»؟ هذا سؤال بات يشغل بال كثيرين، في ظل «الانتشار الكبير» لـ«المعلومات والأخبار غير الحقيقة» على مواقع التواصل، التي ازدادت وتيرتها مع جائحة فيروس «كوفيد-19» واللقاحات وأعداد الإصابات.
وللحد من «الأخبار المزيفة»، أعلن «تويتر» عن إطلاق مبادرة تتيح للمستخدمين الإبلاغ عن «الأخبار غير الحقيقة». وسبق ذلك تأسيس «غوغل» صندوقاً لدعم جهود المؤسسات الإعلامية في التحقق من المعلومات. كما عقد «فيسبوك» شراكات مع مؤسسات إعلامية وتعليمية للحد من انتشار «الأخبار المزيفة».
موقع «تويتر» أعلن، خلال الأسبوع الماضي، عن إطلاق مبادرة تحمل اسم «بيرد ووتش» (أي مراقبة الطيور)، تسعى إلى «إشراك المستخدمين، من خلال الإبلاغ عن التغريدات التي يعتقدون أنها تحتوي على معلومات خاطئة أو مزيفة». ووفق نائب رئيس «تويتر»، كيث كولمان، فإن «مبادرة (بيرد ووتش) تهدف إلى توسيع نطاق مكافحة المعلومات المضللة». ويبحث «تويتر» حالياً عن أشخاص لاختبار «بيرد ووتش» في الولايات المتحدة، بحسب تغريدة نشرها «تويتر» للإعلان عن مبادرته الجديدة.
وبحسب دراسة نشرها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، إحدى أرقى جامعات الولايات المتحدة والعالم، عام 2019، فإن «المعلومات الخاطئة يعاد نشرها ومشاركتها أكثر من المعلومات الصحيحة بنسبة 70 في المائة، ويزداد انتشار المعلومات المزيفة في فترات الأزمات والأحداث السياسية الكبرى. ولقد وصل حجم انتشار المعلومات المضللة والخاطئة إلى حد إطلاق منظمة الصحة العالمية مصطلح (وباء المعلومات)».
وحقاً، يرى متخصصون وإعلاميون أن «هناك مسؤولية على عاتق منصات التواصل لمكافحة الأخبار الزائفة»، مشيرين إلى «أهمية وجود مبادرات لمواقع التواصل الاجتماعي، دورها التحقق من المعلومات (غير الحقيقة)». فالدكتورة أروى الكعلي، المدربة الباحثة الأستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس، ترى أن «منصات التواصل الاجتماعي تزيد من انتشار الأخبار المزيفة ومشاركتها، إذ تتيح للفرد نشر المحتوى بسهولة وبشكل مجاني، وهو ما يعني أن مستخدم هذه المنصات يُمكن أن ينشر أي شيء، سواء كان صحيحاً أو مزيفاً، من باب الدعابة أو من باب التضليل المتعمد».
وأضافت الكعلي، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أنه «مع تطور أدوات النشر، أصبح بمقدور الشخص نشر صور ومقاطع فيديو، وهي الأدوات التي كانت في السابق تستخدم بصفتها أدلة على صدق أو كذب المعلومة»، مستشهدة بـ«دراسة نشرت في 2018، عقب رصد تغريدات على (تويتر)، من عام 2006 إلى عام 2017، شملت 126 ألف تغريدة من 3 ملايين شخص، أكدت أنه من السهل أن ينتشر كل ما هو مزيف وغير حقيقي على المنصات الافتراضية، أكثر من كل ما هو صحيح صادق».
ويتفق مع الكعلي محمود زهيري، كبير مُقيمي الأخبار بـ«مرصد أخبار ميتر»، وهو مرصد إعلامي مصري بدأ عام 2014 يهتم بترتيب وسائل الإعلام تبعاً لمصداقيتها والتزامها بالمهنية، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «وسائل التواصل الاجتماعي لها تأثير كبير على انتشار المعلومات الخاطئة التي تزيد حدتها في أوقات الأزمات والكوارث، مثل (كوفيد-19)، حيث يسعى الجميع لمشاركة أي معلومة تتعلق بالجائحة، أو اللقاحات، أو أي شيء».
وبالنسبة للكعلي، فإن «محاولة التصدي لمثل هذه الأخبار والمعلومات التي تنتشر بشكل سريع على منصات التواصل الاجتماعي أمر مهم. وهناك مسؤولية على عاتق هذه المنصات نفسها، لكن من المهم أن يبقى هذا في حدود مكافحة الأخبار المزيفة، لا التضييق على حرية التعبير».
وبدوره، يعتقد زهيري أن «مبادرة (بيرد ووتش) لن تكون فعالة في مواجهة الأخبار المزيفة لأنها تعتمد على المستخدمين الذين لا يملكون دائماً المعلومات الدقيقة حول الموضوع». ويتابع أن «مبادرات (فيسبوك) و(غوغل) أكثر فاعلية، إذ إنها تضع تحذيرات على بعض المنشورات، وتحذف بعضها الآخر. كذلك يسمح (غوغل) للعاملين في مجال التحقق من الأخبار بأن يراسلوه بشأن أي محتوى غير دقيق. ومن ثم، يضع (غوغل) ملاحظات هذه الجهات على المواد المنشورة».
جدير بالذكر أن مواقع التواصل تعرضت خلال الفترة الأخيرة لانتقادات كثيرة بسبب عجزها عن الحد من انتشار «المعلومات المزيفة»، خاصة مع انتشار جائحة «كوفيد-19». فمع بداية العام الحالي، أنشأت مبادرة «غوغل نيوز» صندوقاً عالمياً، بقيمة 3 ملايين دولار أميركي، لمكافحة «المعلومات المضللة» عن لقاحات الفيروس، بهدف دعم المؤسسات الصحافية للتحقق من المعلومات، في إطار جهود «غوغل» بهذا المجال الذي بدأ منذ أبريل (نيسان) الماضي.
أما موقع «فيسبوك»، فقد اعتمد على تكنولوجيا الذكاء الصناعي لوضع تحذيرات على المنشورات التي تتضمن «معلومات مضللة». وذكر «فيسبوك» أنه «وضع علامات تحذيرية على 98 مليون منشور تعلق بـ«كوفيد-19» خلال الفترة من أبريل (نيسان) حتى يونيو (حزيران) الماضيين، وحذف 7 ملايين منشوراً، ووجه نحو ملياري شخص لمصادر رسمية حول الجائحة. ومن خلال (مشروع فيسبوك للصحافة)، عقد شراكات في عدة دول لدعم المؤسسات الإعلامية، ومساعدتها في الحد من الأخبار المزيفة، من بينها برنامج لدعم المؤسسات الإعلامية المصرية، والعاملين في مجال الصحافة والإعلام، لمعالجة بعض القضايا الملحة والتحديات التي فرضتها (كوفيد-19)، وشراكة في فرنسا مع وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب)، من خلال حملة من مقاطع الفيديو التفسيرية حول (الأخبار الكاذبة» المرتبطة بالجائحة، وشراكة مع منصة (فتبينوا) في منطقة الشرق الأوسط لإطلاق حملة تثقيفية تحت عنوان (تأكد قبل ما تشارك)».
ووفق زهيري، فإن «مبادرة (غوغل) لدعم وسائل الإعلام في مواجهة الأخبار المزيفة أمر جيد، خاصة مع اتجاه هذه الوسائل للبحث عن السبق الصحافي، دون التأكد من المعلومات والتحقق منها قبل النشر»، بينما ترى أروى الكعلي من جهتها أن على «وسائل الإعلام التقليدية أن تلعب دوراً في مكافحة الأخبار المزيفة، وأن تنخرط بشكل واسع في عمليات التحقق من الأخبار والمعلومات، وتخصص أقساماً لذلك، بدلاً من الوقوع في فخ الأخبار غير الحقيقة». وتستطرد معلقة أن «العمل الصحافي الآن لم يعد يقتصر على الأخبار، لكن أيضاً -وبشكل مواز- على التحقق المستمر من الأخبار»، مشيرة إلى أنها «أجرت بحثاً أخيراً حول التحقق من الأحداث في تونس، نُشر في المجلة الأميركية للاتصال العلمي، وكشف عن أن مبادرات المجتمع المدني والأفراد كانت أكثر اهتماماً بالأمر من وسائل الإعلام التقليدية».
ومن ناحية أخرى، ورغم هذه المحاولات، لا يزال معدل انتشار «الأخبار المزيفة» في تزايد. فوفقاً لدراسة نشرها صندوق «جيرمان مارشال الرقمي»، الذراع الرقمية للمؤسسة البحثية الأميركية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن «معدل التفاعل بالمشاركة أو الإعجاب أو التعليق على المحتوى المنشور من مواقع اعتادت نشر أخبار مغلوطة على (فيسبوك) تضاعف 3 مرات في الربع الثالث من عام 2020، في مقابل الفترة نفسها من عام 2016».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.