يفضّل المسؤولون عن إدارة ملفّ إدارة جائحة (كوفيد - 19) في المفوضية الأوروبية الحديث عن «دبلوماسيّة اللقاحات» وليس عن «حرب اللقاحات» التي يقولون إن أحداً لن يخرج ظافرا منها سوى الفيروس الذي أصبحت القارة الأوروبية ضحيّته الأولى، بحيث زاد عدد الوفيّات الناجمة عن الوباء فيها عن ثلث مجموع الوفيّات في العالم، ولا تزال اقتصاداتها في حال من الإغماء بفعل تدابير العزل والإقفال السارية منذ مطالع العام الفائت.
السبب في هذا النزوع المفاجئ نحو التهدئة بعد أيام من التصعيد لجأ خلالها الاتحاد الأوروبي إلى مدفعيته القانونية الثقيلة لإخضاع شركات الأدوية التي يحملّها مسؤولية التأخير في تسليم جرعات اللقاح الموعودة، وعرقلة حملات التطعيم في البلدان الأعضاء، هو ما تبيّن للمفوضية من أن العقود التي وقّعتها مع الشركات لا تلحظ الضمانات الكافية التي تلزمها بجداول زمنية صارمة لتسليم الكميات التي وضعت الدول على أساسها خطط التلقيح المتعثّرة بعد أسابيع قليلة على بدايتها.
وفيما تصرّ المفوضيّة على صواب استراتيجية اللقاحات التي وضعتها عندما اشترت ملايين الجرعات بالنيابة عن الدول الأعضاء، يسود الانطباع بأنها لم تتمكّن من مواكبة التطورات لهذه المهمة الضخمة التي لا سابقة لها، ولم تتخذ التدابير الاحترازية لمواجهة التأخير المحتمل من شركات الأدوية التي بدأت تحوم أيضا شكوك حول ممارساتها التجارية.
وتلاحظ حكومات أوروبية عدة أن بنود العقود التي وقّعتها المفوضية مع الشركات ليست كافية لتحميلها المسؤولية عن تأخير تسليم جرعات اللقاحات، وأنه كان من المفترض اللجوء إلى استشارات أخصائيين في هذا المجال وعدم الاكتفاء برأي الدائرة القانونية في المفوضية.
ويؤكد المسؤولون أن المفوضية لا تسعى إلى المواجهة وفتح منازعات مع الشركات، بل الحصول على الكميات الموعودة في أقرب وقت ممكن، وذلك بعد أن أدى التأخير الذي أعلنت الشركات الثلاث التي وافق الاتحاد الأوروبي على استخدام لقاحاتها إلى عرقلة حملات التطعيم في معظم بلدان الاتحاد وتعليقها بشكل شبه كامل في عواصم أوروبية عدة مثل باريس ومدريد ولشبونة. وكان الاستياء الذي عمّ العواصم الأوروبية من أداء المفوضيّة، هو الذي دفع برئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إلى التلويح بتفعيل المادة 122 من المعاهدة المؤسسة للاتحاد لفرض تدابير استثنائية على شركات الأدوية وإجبارها على ضمان الإمدادات.
ويقول الخبراء إن هذه التدابير لا تستخدم إلا في حالات الطوارئ الخطيرة كما فعلت الولايات المتحدة بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عندما أجبرت شركة «باير» على خفض سعر الدواء المضاد لغاز «إنتراكس» الذي كانت تخشى من لجوء الجماعات الإرهابية إلى استخدامه.
ويقول إلياس موسيالوس رئيس قسم الصحة العامة في معهد لندن للاقتصاد: «الاتفاق الطوعي الذي وقّعته فايزر مع شركة سانوفي الفرنسية مؤخراً لتسريع إنتاج اللقاح هو خطوة في الاتجاه الصحيح لمعالجة هذه الوضع، وكان من المفترض أن يتمّ منذ أشهر لأن المفوضية تملك الوسائل والمحفزات الكافية للضغط على الشركات من أجل دفعها إلى خطوات مماثلة».
لكن رغم ذلك لا تزال المفوضية على اقتناعها بأن حملات التطعيم في البلدان الأعضاء سوف تكلّل بنجاح غير مسبوق وتكون المدماك الأول الذي ستقوم عليه الوحدة الصحية الأوروبية. ويقول باسكال رئيس لجنة البيئة في البرلمان الأوروبي التي تشرف على السياسة الصحية: «لو لم تبادر المفوضية إلى شراء اللقاحات بالنيابة عن جميع الدول الأعضاء، لكانت اليوم تتناحر بين بعضها البعض للحصول عليها وبأسعار متفاوتة، فيما كانت بلدان أخرى ستلجأ إلى الصين أو روسيا لتأمين لقاحاتها».
ومن جهته صرّح الناطق الرسمي بلسان المفوضية إريك مامير بقوله إن بعض الدول الأعضاء ما كانت لتحصل على جرعة لقاح واحدة لولا العقود التي وقّعتها المفوضية بقيمة 2.9 مليار يورو لشراء 2.3 مليار جرعة تكفي وتزيد على احتياجات السكّان الأوروبيين الذين يبلغون 450 مليون نسمة. وقال مامير إن الفائض عن الاحتياجات الأوروبية المقدّر بحوالي مليار جرعة، يمكن إعادة تصديره إلى بلدان مجاورة أو منحه للبلدان التي لا تملك القدرات الكافية لشراء اللقاحات.
ويتوقّع خبراء المفوضية أن تعود حملات التطعيم في البلدان الأعضاء إلى مسارها الطبيعي اعتباراً من مارس (آذار) المقبل، وأن تكون نواة الوحدة الصحية التي شرعت المفوضية في إرساء قواعدها منذ أواسط العام الفائت. ومن الاقتراحات التي تستعدّ المفوضية لطرحها على الدول الأعضاء، توسيع صلاحيات الوكالة الأوروبية للأدوية والمركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها، إضافة إلى إنشاء هيئة مشتركة للاستجابة السريعة في مواجهة الطوارئ الصحية.
في موازاة ذلك، عادت منظمة الصحة العالمية التي انتقد مديرها السبت قرار الاتحاد الأوروبي مراقبة تصدير اللقاحات، لتحذّر من أن حملات التطعيم لن تكون كافية للقضاء على الوباء إلا إذا شملت كل بلدان العالم وعندما تتحقق فيها المناعة الجماعية.
توجه لتهدئة «حرب اللقاحات» بين الاتحاد الأوروبي وشركات الأدوية
توجه لتهدئة «حرب اللقاحات» بين الاتحاد الأوروبي وشركات الأدوية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة