«حصة الرئيس»... بدعة دستورية عارضها عون ثم تمسك بها

الرئيس اللبناني ميشال عون (أ.ب)
الرئيس اللبناني ميشال عون (أ.ب)
TT

«حصة الرئيس»... بدعة دستورية عارضها عون ثم تمسك بها

الرئيس اللبناني ميشال عون (أ.ب)
الرئيس اللبناني ميشال عون (أ.ب)

في خضم معارك عملية تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة سعد الحريري والعرقلة الناتجة عن السباق على الحصص الوزارية على اختلافها، الحزبية والطائفية منها، يبرز الحديث مجدداً على حصة رئيس الجمهورية التي باتت عرفاً منذ «اتفاق الدوحة» عام 2008، مع الخلاف في مقاربتها وفقاً لوضع الرئيس الحزبي، أي ما إذا كان يتمثل في الحكومة باسم حزبه والكتلة النيابية التي تمثله أم لا.
«دستورياً، القضية واضحة لا لبس فيها»، وفق الخبير الدستوري رئيس جمعية «جوستيسيا» الحقوقية بول مرقص الذي يؤكد أن «الحديث عن حصص بدعة مخالفة للدستور الذي لم يعط أي حصة لأي حزب».
لكن على أرض الواقع السياسي الأمر مختلف، إذ ومنذ «اتفاق الدوحة» باتت حصة رئيس الجمهورية «ثابتة» رغم أنه كان قد سجل سابقة مماثلة قبل عام 2008 في عهد رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، بينما كان الرئيس ميشال عون من أبرز من رفعوا الصوت اعتراضاً على هذا الأمر في عهد سلفه ميشال سليمان في 2011، مشدداً على عدم وجود نص دستوري يكرّس هذا الأمر، وهو ما يستشهد به اليوم معارضوه معتبرين أنه لا يفترض أن يحصل على حصة وزارية ما دام الحزب المحسوب عليه «التيار الوطني الحر» سيمثل في الحكومة على غرار غيره من الأحزاب، ويذهب بعضهم إلى حد المطالبة أيضاً بحصة لرئيس الحكومة المكلف مختلفة عن تلك التي يتمثل بها حزبه. وهذا الأمر كان قد قاله صراحة الحريري خلال تشكيله حكومته السابقة عام 2018 حين نشب أيضاً خلاف على حصة رئيس الجمهورية، وقال إن «تيار المستقبل هو تيار المستقبل وهناك أيضاً حصة لرئيس الحكومة».
مع العلم بأن إحدى المشكلات التي تحول اليوم دون تأليف الحكومة، وفق ما يقول رئيس الحكومة المكلف وفريقه، هي مطالبة الرئيس عون و«الوطني الحر» بالحصول مجتمعين على «الثلث المعطل» أي سبعة وزراء من أصل 18 وزيراً، وهو ما تنفيه رئاسة الجمهورية، مؤكدة أن المشكلة هي في عدم اعتماد الحريري «مبدأ وحدة المعايير» في التشكيلة الحكومية التي قدمها للرئيس عون.
وفي هذا الإطار، يرى النائب السابق في «تيار المستقبل» أحمد فتفت أن المشكلة تكمن في الأساس في تعبير «حصة رئيس الجمهورية»، لا سيما إذا كانت هناك كتلة نيابية في الحكومة تمثل الحزب المحسوب عليه، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يحصل اليوم هو نزاع سلطة وليس نزاعاً دستورياً».
وذكّر بأن اختيار رئيس الجمهورية لوزراء في الحكومة كان يحصل قبل عام 2008، «وهو ما حصل في عهد الرئيسين السابقين إلياس الهراوي وإميل لحود، لكن عندما لم يكن للرئيس نواب محسوبون عليه أو كتلة نيابية لحزبه في البرلمان، قبل أن يتم تكريسه عرفياً في اتفاق الدوحة عبر الحديث صراحة عن حصة رئيس الجمهورية للمرة الأولى». وأكد أن «هذا الاتفاق كان يفترض أن يعتمد عليه مرة واحدة فقط».
ويضيف أن «رئيس الجمهورية الذي يفترض أن يكون الضامن الأول للدستور وهو الذي يرأس الحكومة لا يجب أن يكون طرفاً عبر وزراء محسوبين عليه في مجلس الوزراء... وعند المطالبة بحصة لرئيس الجمهورية يصبح من المنطق الحديث عن حصة لرئيس الحكومة».
وعن عملية تشكيل الحكومة الحالية، يشدد فتفت على أنه «وفق المبادرة الفرنسية، يجب أن تكون حكومة مهمة أي بعيدة عن الحصص الحزبية لإنقاذ البلد، لكن كان النائب جبران باسيل واضحاً برفضه لها داعياً إلى حكومة سياسية». وأشار إلى أنه «رغم ذلك اعتبر أن المشكلة ليست عند باسيل ولا عند الرئيس عون إنما عند حزب الله ومن خلفه طهران التي تنتظر المفاوضات الإيرانية - الأميركية، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال صمت حزب الله».
في المقابل، قالت مصادر مطلعة على موقف الرئاسة لـ«الشرق الأوسط» إن «تأليف الحكومة هذه المرة يختلف عن المرات السابقة بعيداً عما كرّسه اتفاق الدوحة بشأن حصة رئيس الجمهورية أو غيره». وأوضحت: «اليوم هناك فريقان مسيحيان غير ممثلين في الحكومة هما حزب القوات والتيار الوطني الحر اللذان لم يسميا الحريري، وبالتالي دور رئيس الجمهورية هو تأمين التوازن في الحكومة التي لا يمكنها أن تكون متوازنة إذا تم تأليفها من طرف واحد، لذا الرئيس يعمل لتحقيق التوازن الوطني وفقاً للتركيبة التي توزع الوزارات مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، إضافة إلى أنه له الحق في المشاركة بتأليف الحكومة وفق الدستور».
وبين هذا الرأي وذاك، يؤكد الخبير الدستوري بول مرقص أنه «من الناحية الدستورية، ليس هناك ما يسمى حصة لأحد في الحكومة، سواء لرئيس الجمهورية أو رئيس البرلمان أو رئيس مجلس الوزراء». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه كلها بدع وهرطقات دستورية نشأت بسبب تلويث الدستور واستعماله استعمالاً أداتياً للتحكم بنصوصه وتفسيره على أهواء السياسيين ومصالحهم، ومثل ذلك جاء تعبير الوزارات السيادية والثلث المعطل وكل هذه التسميات هجينة دستورياً ولا تنشئ أعرافاً حتى، لأن الأعراف الدستورية تتطلب شرطين، الأول هو الاعتياد والثاني عدم مخالفة العرف للدستور، وهذه الممارسات تبقى شاذة لأنها لا تؤلف عرفاً بسبب مخالفتها للشرط الثاني».
ووصف «اتفاق الدوحة» بـ«المسخ» لأنه «جمع بين أطراف السلطتين التشريعية والتنفيذية وكرس محاصصة لا تأتلف مع الدستور». وشدد على أن «العبرة في تكوين مجلس الوزراء بأن تنال الحكومة ثقة مجلس النواب وأن تنبثق عن ميثاقية قبل ذلك، وتتجلى هذه الدستورية والميثاقية في توقيع رئيس الجمهورية كحامٍ وضامن للدستور، وهذا يعني تمثيل الطوائف وليس الأحزاب الطائفية».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.