محاميان ينسحبان من فريق دفاع ترمب قبل أيام من محاكمته

بعد خلاف على استراتيجية الدفاع... وتصريحات النائبة غرين تقسم «الجمهوريين»

ترمب لدى مغادرته واشنطن  في 20 يناير الماضي (أ.ف.ب)
ترمب لدى مغادرته واشنطن في 20 يناير الماضي (أ.ف.ب)
TT

محاميان ينسحبان من فريق دفاع ترمب قبل أيام من محاكمته

ترمب لدى مغادرته واشنطن  في 20 يناير الماضي (أ.ف.ب)
ترمب لدى مغادرته واشنطن في 20 يناير الماضي (أ.ف.ب)

انسحب محاميان كانا يقودان ملف الدفاع عن الرئيس السابق دونالد ترمب في محاكمة عزله في مجلس الشيوخ من الفريق القانوني الذي سيتولى الدفاع عنه، وذلك قبل نحو أسبوع من بدء جلسات محاكمته. وأوردت وسائل إعلام أميركية عدة أن المحاميين بوتش باوزر وديبورا باربييه من ولاية ساوث كارولاينا لا يخططان لتمثيل ترمب بعد اليوم، وأن القرار كان متبادلاً معه أيضاً، من دون ذكر الأسباب.
ويواجه ترمب تعقيدات كبيرة لبناء فريق دفاع، على خلاف ما جرى في محاكمته الأولى العام الماضي، حيث كان يحظى بدعم مكتب مستشار البيت الأبيض وفريق قانوني شخصي قوي. وامتنع محاموه الشخصيون، جاي سيكولو وجين راسكين ومارتي راسكين، وكذلك مستشار البيت الأبيض السابق بات سيبولوني، ونائبه بات فيلبين، عن الانضمام إلى فريق الدفاع، وقالوا إنهم لا يخططون للدفاع عنه مرة ثانية، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. وهو ما قد يضع ترمب في موقف صعب جداً، حيث من المقرر أن تبدأ محاكمته في 8 فبراير (شباط) الحالي.
وذكرت محطة «سي إن إن» التي كانت أول من أورد النبأ أن ترمب كان يرغب في أن يواصل محاموه الدفاع عن فرضية حصول «عملية تزوير هائلة» في الانتخابات أدت إلى فوز الرئيس جو بايدن، بدلاً من التركيز على شرعية مقاضاته بعد نهاية رئاسته، وهو ما لم يكن يرغب ترمب في مناقشته. وفي تغريدة على «تويتر»، أكد مستشار ترمب، جايسون ميلر، أنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي بعد بشأن الفريق القانوني، وأن الأمر سيتخذ قريباً. وصوت مجلس النواب الذي يقوده الديمقراطيون، الشهر الماضي، على عزل ترمب للمرة الثانية، حيث انضم إليهم 10 جمهوريين، وقدموا ملف عزله لبدء محاكمته في مجلس الشيوخ، بتهمة «التحريض على التمرد»، بعد اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) الماضي، ما أدى إلى مقتل 5 أشخاص.
لكن احتمال انضمام 17 سيناتوراً جمهورياً لتأمين غالبية 67 صوتاً للموافقة على قرار اتهامه يبدو مستبعداً، في ظل عدم موافقة سوى 5 جمهوريين على الانضمام إلى الديمقراطيين لإدانة ترمب. ويميل الاتجاه إلى احتمال اكتفاء مجلس الشيوخ بتوجيه توبيخ لترمب، وهو إجراء أقل حدة من قرار نزع الشرعية السياسية عنه، ويتطلب تصويت أقل من 10 جمهوريين في مجلس الشيوخ مع الديمقراطيين.
ومن جهة أخرى، تسببت تعليقات النائبة الجمهورية المتشددة مارغوري تايلور غرين من ولاية جورجيا، وهي من أشد المدافعين عن ترمب، وإصرارها على نظرية المؤامرة، وعدم اعترافها بنتائج الانتخابات، بأزمة داخل الحزب الجمهوري، حيث انضم عدد منهم إلى بعض الديمقراطيين في الدعوة لمعاقبتها، بسبب سلوكها أيضاً تجاه زملائها النواب.
وقالت غرين، يوم السبت، في تغريدة على «تويتر»، إنها تحدثت مع الرئيس ترمب، وتحظى بدعمه في تعليقاتها. وكتبت: «لقد تلقيت مكالمة رائعة من رئيس الولايات المتحدة المفضل عندي، الرئيس ترمب! أنا ممتنة جداً لدعمه». وأضافت: «وسائل الإعلام المتعطشة للدماء والاشتراكيون يكرهون أميركا؛ الديمقراطيون يهاجمونني الآن مثلما يهاجمون الرئيس ترمب دائماً». وتعرضت غرين للانتقادات، على خلفية تأييدها لنظريات المؤامرة التي تروج لها حركة «كيو أنون» حول «عمليات إطلاق نار جماعية مفتعلة» لإثارة الرأي العام ضد حمل السلاح، و«أشعة الليزر التي من المحتمل أن تكون مسؤولة عن حرائق الغابات في كاليفورنيا»، فضلاً عن رفضها ارتداء الكمامة، والتشكيك باللقاح المضاد لكورونا. وأصرت غرين على عدم ارتداء الكمامة، حتى في اليوم الذي تعرض فيه الكابيتول للهجوم، واحتمائها في غرفة واحدة مع نواب آخرين، أكد عدد منهم في وقت لاحق أنهم أصيبوا بالفيروس.
وطالب عدد من النواب بعزلها من مهماتها في لجان المجلس، فيما دعا آخرون لتجريدها من عضوية المجلس، وهو ما يتطلب تصويت ثلثي الأعضاء. وتتمسك غرين بمزاعم ترمب عن تزوير الانتخابات، وقد دعمت جهوده لقلب نتائجها، وشاركت في حملاته، واستقلت معه الطائرة الرئاسية إلى جورجيا الشهر الماضي، ووقفت على المنصة إلى جانبه دعماً لمرشحي الحزب الجمهوري على مقعدي مجلس الشيوخ اللذين خسرهما في نهاية المطاف.
وانتقد السيناتور الجمهوري ميت رومني تغريدة غرين، وقال: «الأكاذيب الخفيفة تتجمع معاً؛ هراء مارغوري غرين والكذبة الكبرى (الانتخابات مسروقة)»، فيما أعلن زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفين مكارثي أنه يخطط للتحدث معها هذا الأسبوع. ويتعرض مكارثي لضغوط متزايدة داخل الحزب، بعد خسارة ترمب الانتخابات، تصاعدت بسبب محاكمته. ويريد بعض النواب الجمهوريين من مكارثي إرسال رسالة واضحة، مفادها أن المشرعين الذين يتبنون نظريات المؤامرة غير مرحب بهم، بينما يؤكد آخرون أهمية البقاء مخلصين لترمب الذي لا يزال يحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين الجمهوريين.
ويشعر بعض الجمهوريين بالإحباط لأن مكارثي لم يتخذ خطوات أقوى لمنع غرين من الفوز في الانتخابات، حتى بعد ظهور تعليقاتها عن دعمها لجماعة «كيو أنون»، وتعليقات أخرى تشوه سمعة المسلمين وغيرهم، حتى أنها ظهرت في تسجيلات تشكك في هجوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟