«تلك الإسكندرية».. فيلم وثائقي جديد بلسان 7 شخصيات من عشاقها

بفتنة فنية لافتة يحرضك فيلم «تلك الإسكندرية» لمخرجه شريف فتحي سالم، على أن تستقل أول قطار متجه إلى «عروس المتوسط» التي تقع في شمال مصر على ساحل البحر المتوسط، لتمشي في شوارع أحيائها: العطارين، واللبان، ومحطة الرمل، والأزريطة، ومنطقة وسط البلد، وشارع فؤاد.
الفيلم الذي يقع في 77 دقيقة يتناول الجانب الاجتماعي من حياة سكانها في النصف الأول من القرن العشرين، يرويه 7 شخصيات رئيسية من طبقات اجتماعية وجنسيات وأديان مختلفة، لكنهم في النهاية «سكندريو الهوية».
عن فكرة الفيلم، يقول مخرجه شريف فتحي سالم، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ طفولتي القاهرية، ووالدي يصطحبنا إلى الإسكندرية في العطلات الصيفية.. ودائما ما كانت تبهرني مشاهدة المعمار وتصاميم المباني والمحلات القديمة في منطقة وسط البلد وشارع فؤاد. ونما معي منذ الطفولة عشق للمدينة الأصلية، وحفظ دقيق لتفاصيلها الثرية العظيمة التكوين».
يتابع سالم: «في عام 2011، كنت أصور فيلمي الوثائقي «طليان مصر»، وكانت المرة الأولي التي أصور فيها بالإسكندرية. وبعد انتهائي من التصوير، عاد لي شغف البدايات وتذكرت مشاهد الطفولة الجميلة التي لم تتخل عنها ذاكرتي أبدا، فجاءت الفكرة أن أصور فيلما عن الإسكندرية. وكخطوة أولى قبل بداية أي عمل، لا بد من البحث عن الأعمال الأخرى التي نفذت بالفعل حول الموضوع ذاته، حتى أجد نقطة جديدة أقوم بتناولها خلال فيلمي. وبالبحث، وجدت أن معظم الأفلام التي تحدثت عن الإسكندرية تناولت الفترة التاريخية القديمة وأول 400 عام من عمر الإسكندرية، وتفاصيل مكتبة الإسكندرية وما حولها.. لكنني لم أجد فيلما وثائقيا يتناول الحياة الاجتماعية في المدينة أثناء النصف الأول من القرن العشرين، فقمت بتناوله من خلال حكي 7 شخصيات رئيسية بالفيلم، من طبقات اجتماعية وجنسيات وأديان مختلفة، لكنهم في النهاية سكندريو الهوية والأصل والتكوين، منهم رجل يوناني، واثنان من الأرمن، واثنان من الطليان، و4 شخصيات مصرية، وآخر من بلاد الشام».
ويقول سالم إن «هذا يعبر عن الإسكندرية.. كيف كانت قديما ملجأ وملاذ الهجرة من دول العالم والبحر المتوسط، ونموذج المدينة متعددة الثقافات.. أرض الثراء التي ولد فيها فن السينما بالشرق، والتي أنجبت شعراء وكتابا تبوأوا لاحقا مكانة عالمية هامة، كما كانت المدينة الجاذبة للكتاب والفنانين العالميين البارزين».
عرض الفيلم للمرة الأولى في منتصف يناير (كانون الثاني) الحالي، في مركز دراسات الإسكندرية وحضارة البحر المتوسط بمكتبة الإسكندرية، وكان مخرجه حريصا على أن يكون عرضه الأول في قلب مدينة الإسكندرية وعبر مكتبتها العريقة، ليكون طاقة نور جديدة للأجيال القادمة. ويعرض الفيلم في القاهرة في نهاية الأسبوع الحالي بقاعة إيوارت بالجامعة الأميركية بالقاهرة.
ويضيف سالم: «الفيلم من الناحية الاجتماعية يرجع إلى التاريخ الاجتماعي المنسي في ظل قسوة المدينة والحياة حاليا، فأكثر ما أثار دهشتي وغيرتي على عشقي للإسكندرية وكان دافعا أيضا للعمل على الفيلم، هو أنني أثناء بحثي على الإنترنت وجدت بعض الفيديوهات المصورة للمدينة، تعرض صورا بالأبيض والأسود للشوارع والمحلات والبيوت، ومن ضمن التعليقات، التي كان معظمها بلغات متعددة، وجدت تعليقا وحيدا بالعربية لفتاة في العشرينات سكندرية الميلاد والإقامة، تتعجب من المشاهد التي تراها وكأنها لا تعرف عن تاريخها أي شيء.. بل هي لم تعرف بالفعل، وشعرت أن من واجبي ومن واجب جيلي وكل العاملين في قطاعات الفنون والآداب والتاريخ في مصر، تناول تاريخنا القديم ورصد تفاصيله، لتكوين مرجعية تنويرية للأجيال القادمة من بعدنا بطريقة بسيطة في مشاهدتها، عميقة وثرية في محتواها».
واستغرق التحضير والعمل للفيلم سنة ونصف، وقضى المخرج في الإسكندرية شهرين لمقابلة الأهالي والشخصيات التي قام بتصويرها، والتي تحكي ذكرياتها وتاريخ حياتها في شوارع الإسكندرية.
يذكر أن لمخرج الفيلم عدة أفلام وثائقية سابقة، منها: «طليان مصر»، و«آثار مسلمي صقلية»، و«الإيطاليون الجدد»، و«مهاجرون سريون».. وفاز عنها بجائزتين. وهو عضو الشبكة الأوروبية للفيلم التسجيلي والجمعية العربية للأفلام الوثائقية، ودرس الهندسة المعمارية والإخراج السينمائي.
ويتناول الفيلم أيضا فكرة الربط ما بين الأجيال، في بعض المشاهد يحكي ماسيمو لاتيرسا، الإيطالي الجنسية الإسكندراني الهوية، عن جد والده الذي هاجر إلى الإسكندرية قديما وكان صاحب ورشة للأخشاب وعاش فيها وأسس أسرة كبيرة امتدت إليه وإلى أشقائه. ثم يحكي عن والده الذي كان يمتلك ورشة للحدادة والأعمال المعدنية، وكيف أنه باختلاف الحياة والاهتمامات درس في الجامعة الأميركية بالقاهرة، ويعمل حاليا مدرسا في المدرسة الأميركية بالإسكندرية.
يعبر لاتيرسا عن فكرة الهوية السكندرية، التي لا تشترط أوراقا رسمية فقط، لكنها تتشكل بالتكوين والذكريات والصور ودائرة العلاقات القوية ما بين التجار وأهالي الحي وأصحاب الورش.